أكرم القصاص - علا الشافعي

سعيد الشحات

عبدالناصر حارب الوهابية فى اليمن.. وأجيال هناك تحلم بالدفاع عن مصر

الخميس، 30 أكتوبر 2008 03:24 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل منتصف الثمانينيات بعام أو عامين، على ما أذكر عقدت نقابة الصحفيين ندوة موسعة استمرت لعدة أيام عن ثورة يوليو عام 1952، وكان الدكتور على الدين هلال - أستاذا جامعياً وقتئذ - يتحدث عن السياسة الخارجية لعبدالناصر، وتعرض فى حديثه لحرب اليمن وإرسال الجيش المصرى إلى هناك، وبعد جدل وآراء من الحاضرين، أذكر ما قاله الدكتور على الدين هلال حرفياً: «لو كنت مكان عبدالناصر لاتخذت قرار التدخل فى اليمن»، ولا أعرف إذا كان هذا الرأى مازال يحمله الدكتور على الآن أم لا، لكن أكثر ما لفت نظرى هو صعود شاب يمنى يدرس فى جامعة القاهرة على المنصة ليقول: «أرجوكم وأنتم تتحدثون عن اليمن لا تنسوا أن أجيالاً عاشت وولدت فى اليمن وفى ظل وجود المصريين فيها، وتحلم هذه الأجيال بأن تسيل دماؤها على الضفة الشرقية للقناة، فى أى حرب ضد الإسرائيليين»، ونقل الشاب حديثه إلى ضفة أخرى لم يلتفت إليها آخرون، قال الشاب: «تحدثوا عن الخسائر.. وتحدثوا عما حدث، لكنى سأحدثكم عن سلوكيات تعلمها آباؤنا من المصريين.. كيف نعمل؟.. كيف نلبس؟ كيف نعيش؟ ولم يكن هذا بالأمر الهين على شعب عاش عمره فى عزلة عن العالم، وتحت سطوة وقهر حكم الإمام».

قال الشاب كلاماً كثيراً آخر، لكن كلمة الفصل فى هذه القضية الشائكة يضعها الباحثون والمؤرخون كل على هواه، ومن منطلقاته السياسية، فإذا كان الباحث كارها لعبدالناصر تكون حرب اليمن أثما بينا، وإذا كان محبا لعبدالناصر تبقى هذه الحرب نقطة مضيئة فى تاريخ عبدالناصر، لكن بين الاثنين تبقى الأهمية لوجهة النظر المتزنة التى تتناول هذه القضية فى سياقها التاريخى والطبيعى، وإذا كان بين التيارات السياسية المعادية لعبدالناصر وتجربته كالإخوان مثلاً، من يلتقط هذه القضية ليحولها إلى سهام فى صدر وتجربة الزعيم الراحل، فإن الحقائق التاريخية والتى تحدث عنها د. حمادة حسنى عبر حلقتين ماضيتين فى «اليوم السابع»، كشفت أن الإخوان وبقيادة حسن البنا تدخلوا فى اليمن، وأسسوا تنظيما سياسيا وشركة تجارية كستار لهم، وأرسلوا المدرسين والبعثات إلى اليمن، ونجحوا فى الانقلاب على الإمام يحيى وقتله، وأرسلوا المندوبين للدول العربية لإقناعهم بالثورة الجديدة، وبعد 26 يوماً فشلت الثورة وراح ضحيتها الآلاف من أبناء اليمن فى شوارع صنعاء.

والمفارقة أن صحف الإخوان التى كانت تصدر فى مصر وقتئذ، تحدثت عن الأسباب التى تدعو لجماعة للانقلاب على الإمام يحيى، وهى تقترب إلى حد التطابق مع الأسباب التى تدخل بسببها عبدالناصر، والفرق بين الحالتين، أن ما فعله البنا كان يأتى من فعل جماعة، أما ما فعله عبد الناصر فكان يأتى من فعل دولة، والنقطة المفصلية فى التجربتين كانت فيما تفعله «السعودية» فى هذا المسار، فهى التى أجهضت الثورة الأولى بقيادة الإخوان، وهى التى حشدت كل الجهود والإمكانيات العسكرية لمواجهة تدخل عبدالناصر، وفى الحالة الأولى استطاعت إعادة حكم الإمام بكل تخلفه، لكنها فى الحالة الثانية لم تستطع وانتقلت اليمن إلى حكم جديد سعى إلى نقل اليمن إلى الحضارة، والعصر الجديد، وجعل من اليمن دولة تقول كلمتها فى حرب أكتوبر 1973 عبر مضيق باب المندب، الذى من الممكن أن يكون معبرا لإسرائيل فى العتاد والسلاح، قالت اليمن كلمتها فى هذه الحرب، وتخيلوا ماذا كانت ستفعل لو ظلت تحت حكم الإمام؟.

وتخيلوا مثلاً الطبيعة النفسية والسياسية حين تكون هناك مفاوضات ما بشأن العلاقات بين البلدين، المؤكد أن رصيد مصر الماضى والمتمثل فى هذه الحرب يلعب دورا حاسماً، وتلك هى مصلحة الشعوب التى تدفع ثمنها أجيالاً، لتعيش الأجيال الأخرى.. كان ذهاب الجيش المصرى إلى اليمن مقدمة لهزيمة 5 يونية 1967، ربما.. كانت النفقات كثيرة.. ربما.. لكن يبقى كل هذا وجها واحدا للحقيقة يلتقطه من يريد ليصب لعناته على عبدالناصر، دون «أدب» أحياناً، ودون فهم لمقتضيات الظروف الدولية والإقليمية وقتها أحياناً أخرى.. كان عبدالناصر زعيما.. نعم.. وكان قومياً.. نعم.. يرى أن أمن مصر لا يقف عند حدودها، ويحلو لـ «العابثين» تصوير ذلك أنه فكر وزعم «إمبراطورى»، ويحملون الرجل كل ذلك، فى الوقت الذى يتباهون فيه بتجارب تاريخية تحمل قدرا من التشابه فى ذلك، كتجربة محمد على فى بناء الداخل، والنظرة إلى أمن مصر خارجها، ويتباهون بتجربة صلاح الدين الأيوبى الذى هزم الصليبيين بفضل الفهم «الأمنى» الواسع الذى تتماهى فيه مصر مع سوريا.

التجارب كثيرة إذن وليس هناك مجال لسردها بشكل أوسع، ومن يحلو له محاسبة عبدالناصر فليحاسبه باعتباره «قومياً» لا يرى فى مصر جزءاً منفصلا عما حولها، وتبقى فى هذه القضية رؤية تلوح لى دائماً.. وهى إذا كنا فى حاضرنا نشرب السم والعلقم من الهجمة الوهابية التى زحفت علينا منذ السبعينيات، وأدت إلى مسخ هويتنا الاجتماعية، ويعتبرها رواد التنوير السهم القاتل فى مسيرة التطور والتقدم الذى نبتغيه.. ألا يحمد لعبدالناصر أنه ساهم فى محاربة ظهير «وهابى» كان يعشش فى اليمن، وسندا للسعودية، فى هذا الفكر، والمؤكد أنه لو بقى على وضعه كان سيغذينا بتدفق «وهابى» أكثر، وبالتالى كنا سندفع ثمناً أعمق مما ندفعه الآن.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة