مصالح الدول لا تختزل فى أشخاص، ولا تتوقف عند قنوات حتى لو كانت رسمية، يوجد دائما خط احتياط لاستمرار الاتصالات، يتم اللجوء إليه عند فتور العلاقات وانسداد القنوات الدبلوماسية، وهناك أشخاص منوط بهم «تسليك» مصالح الدول، يجلسون على خط الاحتياط انتظارا للاستدعاء، هم بمثابة أصدقاء لمصر فى الخارج تلقوا تعليمهم فى مصر أو أقاموا فيها أو تأثروا بخطها السياسة القومى، أو طمعا فى دعمها السياسى للوصول إلى المناصب الداخلية والدولية.
هؤلاء الأشخاص ذوو حيثيات بالضرورة، لهم ثقل وممن يطلق عليهم الحمائم أو سعاة السلام أو مهندسو القنوات الخلفية، لكنهم ليسوا بدلاء عن السفراء المصريين فى الخارج أو العلاقات الثنائية.
الخبراء يحددون سمات الشخصية التى تلعب هذا الدور، منها أن تجمع بين المرونة على مستوى الأطراف، ولديها خطاب مقبول على الجانبين، فضلا عن قناعتها بالدور الذى يجب أن تلعبه لحساب الدولة الصديقة، وانعكاس ذلك على الدولة الأم، باختصار، هم ليسوا عملاء، ودورهم شبه معترف به دوليا، وهم بمنأى عن الخطر أو الاتهام بالعمالة لأن مواقفهم واضحة، فى الأحوال العادية أو فى فترات الأزمات، هم شعرة معاوية التى يحرص الجميع على ألا تنقطع تحت أى ظرف.
عبد الله الأشعل نائب وزير الخارجية السابق، يعتبر وجود الشخصية الصديقة مهم لأنه يوفر الجهد وقد يرفع الحرج عن الأشخاص الرسميين كما يحدث مع حماس وفتح، وأحيانا سوريا وبعض دول الخليج.
دولة مثل السودان بمثابة الامتداد الطبيعى للأمن القومى المصرى، وللتاريخ المشترك بين الشعبين، تضم العديد من الأصدقاء المقربين لمصر. ويقف محمد عثمان على الميرغنى زعيم الحزب الاتحادى على رأس الشخصيات الصديقة لمصر منذ فترة طويلة. وهو نفسه كان يطرح نفسه على هذا النحو بشكل علنى وصريح، وفى أوقات الأزمات كان يلعب دورا حيويا، لكن مجتمعا مثل السودان منقسم سياسيا وإثنيا من الصعب أن يلعب شخص واحد هذا الدور.
الدكتور «مصطفى عثمان إسماعيل» مستشار الرئيس السودانى، عندما كان وزيرا للخارجية، تأزمت العلاقات إثر محاولة اغتيال الرئيس «مبارك» فى أديس أبابا عام 1995، شكل «عثمان» وصديقه المقرب «عمرو موسى» وزير الخارجية وقتها ثنائيا نجح فى تقريب العلاقات وتحسينها.
عثمان يتبنى إستراتيجية لصالح مصر فى بلاده، ويدعم كل اتجاه يصب فى خانة التكامل معها، ويلقى هذا ترحيبا كبيرا وثقة فى شخصه من القيادة المصرية، ويستحق بحق لقب رجل مصر الأول فى السودان.
من الشخصيات السودانية الأخرى التى تحوز هذه الصفة أيضا «عبد الرحمن سر الختم» والى ولاية الجزيرة السودانية، عندما كان وزيرا للدفاع بالسودان فى عصر حكومة الإنقاذ بزعامة البشير، كان يسعى بكل جهده إلى توطيد العلاقات مع مصر، والآن بعد أن أصبح واليا لهذه الولاية المهمة يدعم أى جهد يصب فى مصلحة أى مشروع استثمارى مصرى فى السودان.
ومن الشخصيات الشعبية السودانية أيضا التى تنادى بعلاقات أزلية مع مصر «أحمد عبد الرحمن» الأمين العام لمجلس الصداقة الشعبية العالمية بالخرطوم، و«عبدالرحمن» له مجهودات فى التعاون الأهلى بين البلدين، لإيمانه بأهمية إقامة علاقة قوية مع مصر. وفى النهاية على الرغم من تعدد الشخصيات السودانى التى ذكرناها فإن الميرغنى يبقى هو الرجل الرئيسى لمصر فى السودان، فهو الأقرب الى مؤسسة الرئاسة المصرية، وأكثر الشخصيات السودانية لقاء بالرئيس ورجال الدولة، ومن المعروف أنه يحصل من مصر على دعم، فضلا عن مقره المخصص له فى حى مصر الجديدة بالقاهرة، كما تم إطلاق اسم والده على هذا الشارع.
د. الأشعل الذى قضى عامين كدبلوماسى فى المملكة العربية السعودية يرى أن معظم أبناء العائلة المالكة هناك متوافقون مع السياسية المصرية دون تخصيص شخصية بعينها، لكنه يرى فى الوقت ذاته أن سعود الفيصل وزير الخارجية السعودى يعد فعليا من أكثر الشخصيات قربا من النظام المصرى.
لبنان ليس استثناء من قاعدة الحاجة إلى رجال مصريين فيها، كما أشارت مصادر لـ «اليوم السابع»، فأقرب الشخصيات اللبنانية لمصر كان رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريرى، لكن هل ورث سعد الحريرى نجله هذا الدور؟ المصادر أجابت أن الأخير ليس امتدادا لوالده فى لعب هذا الدور بل هو محل استقطاب أكثر للسعودية؛ لوجود مصالح اقتصادية مشتركة ولحصوله على الجنسية السعودية، وهناك آخرون طرحوا فؤاد السنيورة كرجل مصر فى الملعب اللبنانى الآن بعد الدعم المصرى له طوال الفترة الماضية.
عربيا أيضا وعلى المستوى الليبى يبرز اسم الدكتور محمد أحمد الشريف رئيس جمعية الدعوة الليبية حاليا ووزير التعليم الليبى السابق، والذى تلقى تعليمة الجامعى فى جامعة عين شمس بالقاهرة، ومتزوج من مصرية، يلعب دورا خاصا فى طبيعة الكيماء بين النظامين المصرى والليبى تبنى على مسارات تختلف عن التوجهات الرسمية، ويتم إحضاره على طائرة خاصة لاستشارته أو تحميله رسائل ذات حساسية فى هذا الدور.
بالنسبة للعراق فكل الساسة العراقيين أتوا إلى مصر طلبا لشرعية الوجود السياسى، لكن لم تظهر شخصية يمكن أن تعلب هذا الدور أو تستقطبها مصر، كما يقول د.إبراهيم نوار عضو بعثة الأمم المتحدة السابق فى العراق، فعندما بدأت ترتسم بعض ملامح خريطة السياسة العراقية، ظهر توافق فى الغالب مصرى سعودى على دعم السنة، ومن هنا جاء اختيار شخصية مثل حارث الضارى رئيس هيئة علماء المسلمين، ليلعب هذا الدور وبالتالى تتعدد زياراته للقاهرة.
إسرائيل ربما تكون المنطقة الشائكة أو الخط الأحمر فى هذا الملعب على حد قول سعيد عكاشة الخبير فى الشئون الإسرائيلية الذى وضح أن شخصيات مصرية من بدو سيناء كانت تلعب هذا الدور فى السابق؛ نظرا لعلاقاتهم بشكل أو بآخر مع إسرائيل، لكن حاليا يرشح عكاشة يوسى بلين وزير العدل الإسرائيلى الأسبق وعضو حزب العمل، خاصة بعد أن لعب دورا مهما فى الأزمة الأخيرة بين الرئيس مبارك ووزيرة الخارجية تسيبى ليفنى، والتى تجاوزت الخطوط الحمراء بتصريحاتها ضد مصر فيما يتعلق بالأنفاق الحدودية على الحدود مع غزة، أسماء إسرائيلية أخرى مثل حاييم أورون زعيم حزب ميريتس السابق، وجدعون ليفى الصحفى الإسرائيلى، وإفرايم هاليفى مسئول مكتب الاتصال الاستخبارتى مع مجموعة من الدول العربية من بينها مصر والأردن والمغرب، والأخير شخصية مرنة وله مواقف سياسية معروفة أشهرها كانت قضية محاولة اغتيال خالد مشعل فى الأردن، ومن هنا اقترب من مصر، وأصبح دائم الزيارات لها بحكم عمله، وعرف بمواقفه المرنة فى أوقات الأزمات، بحسب ما ذكر عكاشة.
الشخصية الغائبة كما هو الحال فى الملف العراقى ظهرت مؤخرا بالنسبة للملف الفلسطينى، وهو ما يطرحه د.سمير غطاس مدير مركز القدس للدراسات السياسية، ويقول: للأسف لم يعد هناك رهان حقيقى على شخصيات لها ثقل ووزن على المستوى الفلسطينى المفكك بشكل عام، وكثيرا ما حاولت مصر استقطاب شخصيات من هذا النوع، لكنها كانت تكتشف أنها شخصيات مفرغة أو مستقطبة أو بلا ثقل، هذا الوضع تكرس بشده خاصة بعد تفكيك وحدة القرار السياسى لحماس ووجود شخصيات مثل محمود الزهار لا يمكن الرهان عليها، وكذلك محمد دحلان وجبريل الرجوب الذى حاول مؤخرا أن يكون رجل مصر الذى تعتمد عليه، لكن يبقى أن هناك شخصية مثل نبيل شعث الممثل الخاص للرئيس الفلسطينى محمود عباس، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، معروف أنه مقرب من مصر، ولديه استثمارات فى مصر، كما أن ابنته راندا تمارس عملها الإعلامى فى مصر.
لمعلوماتك..
◄210عدد البعثات الدبلوماسية المصرية فى الخارج