الفساد لم يعد خجولاً، وإنما أصبح فضيحة علنية اضطرت معها وزارة التربية والتعليم إلى استدعاء المدرسين لامتحانهم أظن أننا متفقون على أن التعليم المصرى أصبح مشكلة ثقيلة تؤرقنا جميعاً، وأن الفساد استشرى فيه، وأنه أصبح عاجزا عن أن يصلح نفسه، لكننا لسنا متفقين على الأسباب التى أفسدت التعليم. هل يكون السبب هو المدرس الذى فقد كفاءته، وفقد مكانه فى المجتمع، ففقده فى الفصل والمدرسة؟
أم يكون المنهج العشوائى الذى لا يعرف واضعه لمن وضعه، ولأى مستوى موجود، ومن أجل الوصول لأى مستوى أعلى؟ وما هى الحاجات الإنسانية والوطنية التى يلبيها هذا المنهج؟ وعلى أى نحو يستجيب لمطالب العصر، ويعد الأجيال الجديدة من المصريين ليعيشوا فى القرن الحادى والعشرين؟.
أم تكون الشروط المادية التى أصبحت عليها المدرسة المصرية هى سبب فساد التعليم؟ مبان قبيحة، لا ملعب فيها، ولا مسرح، ولا حديقة، فصول مزدحمة لا تختلف فى شىء عن الأتوبيسات المزدحمة، ومجانية مزعومة تغرى الطالب بالكسل لأنه لا يدفع شيئاً فى الظاهر، والمدرس بالكسل لأنه لا يقبض شيئاً من الحكومة، ومن هنا تنفتح الأبواب على مصاريعها للدروس الخصوصية، وإذن للبيع والشراء، وتسقط هيبة المدرس الذى لم يعد يؤدى واجبه فى الفصل حتى يبرر ما يقوم به فى الدرس الخصوصى، ويتحول التلاميذ إلى قطاع طرق، فما داموا يدفعون للمدرس فاليد العليا خير من يد السفلى، ومن حقهم أن ينجحوا ولو بالغش والتزوير.
هل تكون هذه المجانية المزعومة هى السبب، لأنها ليست قادرة على أن تكون مجانية حقيقية توفر للتلاميذ مدارس صالحة مكتملة المرافق، ومدرسين أكفاء مدربين مكتفين بما يحصلون عليه من مرتبات مجزية، كما أنها ليست قادرة على أن تعلن عجزها، وإذن فهى مجانية بوجهين: تزعم أنها مجانية، وتعلم علم اليقين أنها ليست كذلك، وبما أنها لا تؤدى واجبها فهى لا تستطيع أن تطالب بحقوقها، أى لا تستطيع أن تحاسب المدرس، ولا تستطيع حتى أن تحاسب التلميذ، وتكتفى منهما آخر العام بنتائج يعلم الجميع أنها غش فى غش وتزوير فى تزوير!.
غير أن الفساد لم يعد خجولاً، وإنما أصبح فضيحة علنية اضطرت معها وزارة التربية والتعليم إلى استدعاء المدرسين لامتحانهم، وهى خطوة لا بأس بها، لكنها لن تكون كافية إذا أكتفى بها، بل هى لا تستطيع أن تكتفى بها لأن الفاسدين سيظلون فى هذه الحالة أقوى من الوزارة، وسيضطرونها للتراجع عنها. إصلاح التعليم المصرى يجب أن يكون مشروعاً قومياً شاملاً وليس مجرد سد خانة أو ترقيع فى ثوب خلق؟
نعم، يجب أن نمتحن المدرسين، لكن يجب أيضاً أن نعطيهم حقوقهم، إن أجر المدرس الآن لا يلبى مطالبه ومطالب أسرته الأساسية ثلاثة أيام، يجب أن نعيد النظر فى أجور المدرسين، ويجب أن نعيد النظر فى المناهج، وقد قرأت تحقيقا صحفيا عن المناهج الدراسية قال فيه أحد المسئولين أنهم راعوا فى منهج اللغة العربية الجديد أن يمكن التلميذ من التواصل مع الآخرين، وهذا كلام لم أفهم المقصود منه، فماذا يعنى هذا المسئول بالتواصل مع الآخرين، ما معنى التواصل؟ وما شكله؟ ومن هم الآخرون؟ الأميون أم المتعلمون؟
هل يتعلم الطالب اللغة الفصحى ليتحدث بها فى الشارع، أم ليقرأ بها الصحف، أم ليطلع على التراث القديم؟ أليست هذه الأسئلة كلها مطروحة؟ ألا يجب أن نعترف بوجود مشكلة لم نستطع حلها حتى الآن، هى مشكلة اللغة التى لم نحدد موقفنا منها؟ نحن نتعلم الفصحى ولا نستعملها، ونستعمل العامية ولا نتعلمها، والدستور ينص على أن العربية هى لغتنا القومية فأى عربية يقصد؟ الفصحى أم العامية أم هما معاً؟ فهل نستطيع أن نقرب إحداهما من الأخرى؟ كيف؟ نطعم العامية بالفصحى؟ أم نطعم الفصحى بالعامية؟ أم نبقى كما نحن الآن؟ لكننا لا نستطيع أن نبقى كما نحن، لأن الوضع الراهن ليس وضعا ثابتاً، وإنما هو وضع يتغير باستمرار، فيغلب العامية على الفصحى التى اختفت الآن أو كادت من على ألسنة المسئولين والمذيعين والمدرسين وأساتذة الجامعة الذين يحاضرون بالعامية حتى وهم يشرحون المعلقات.
وهل يمكن إصلاح التعليم المصرى إذا لم يستعد التعليم المصرى دوره فى حياتنا الوطنية؟ وهل تكون المدرسة المصرية وفية لدورها الوطنى إذا سمحت للمدرسين المتطرفين بأن يفرقوا بين التلاميذ المسلمين والتلاميذ المسيحيين، ويستغلوا مكانهم داخل الفصل فى فرض الحجاب والدعاية للدولة الدينية؟ لقد نشأ التعليم المصرى الحديث فى أحضان الدولة الوطنية الحديثة ولن يتخلص من أمراضه ولن يزدهر من جديد، إلا إذا أكد ولاءه وانتماءه للدولة الوطنية.
وأعود من جديد فأقول إن عقد الامتحانات للمدرسين خطوة إيجابية لا بأس بها، لأنها إشارة صارمة بضرورة التوقف للنظر فى مشكلة التعليم المتفاقمة، لكن من يدرينا أن لجان الامتحان التى عقدت للمدرسين لا تحتاج هى نفسها لمن يمتحنها؟!. وهل المدرسون وحدهم الذين نحتاج لامتحانهم؟ أم ينبغى أيضاً أن نمتحن الأطباء، والشعراء، والمطربين، والفقهاء، والمهندسين، والقضاة، والمحامين، والوزراء، وأعضاء مجلسى الشعب والشورى؟!.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة