منذ قيام الحزب الوطنى الديمقراطى على يد الرئيس الراحل محمد أنور السادات لم يكن هناك اهتمام بانعقاد المؤتمر العام للحزب بالدرجة التى تتسق مع النظام الحزبى العالمى.
لكن مع تسلم الرئيس مبارك للسلطة واختياره الدكتور فؤاد محيى الدين رئيسا للوزراء حدث اتفاق بينهما على أهمية المؤتمر العام للحزب كوسيلة وحيدة لتحويله إلى حزب سياسى وليس كبير العيلة وأخلاق القرية، وبدأ فؤاد محيى الدين ابن التنظيمات السياسية المصرية منذ نعومة أظفاره يدشن لمرحلة جديدة فى البناء الحزبى، وبدأت بتجميع أعضاء هيئات مكاتب الحزب فى المحافظات فى المدينة الجامعية لجامعة القاهرة ليشاركوا فى المؤتمر العام «الثالث».. بعد تقسيمهم بين لجان مختلفة مثل التنظيم والإعلام والثقافة والاقتصاد والزراعة والتعليم والشباب على أن تقوم كل لجنة بتقديم ورقة فى نهاية المؤتمر تضم توصيات وبرنامج العمل فى المرحلة المقبلة. حتى يحين موعد انعقاد المؤتمر المقبل.
لكن من سوء حظ الحزب الوطنى وفاة الدكتور فؤاد محيى الدين التى لم يدرك الكثيرون خسارتها إلا مع فتور الحماس لتجمعات ومؤتمرات الحزب الوطنى التى تناقصت وتباعدت وأصبحت تهتم بالشكل وليس بالمضمون، رغم وجود كمال الشاذلى على رأس أمانة التنظيم وهو المعروف كامبراطور التنظيم الأول فى مصر على امتداد تاريخها السياسى، لكنه الاتجاه العام للبلد الذى لا يستطيع شخص بمفرده مهما كانت قوته أن يوجهه كيف يشاء. وكان من الطبيعى أن يدفع الحزب الوطنى ثمن هذا التقاعس عن انتظام انعقاد مؤتمراته، فبدأ يخسر مساحات كبيرة من الشارع السياسى لصالح تيارات أخرى، وهو الأمر الذى كشفته نتائج الانتخابات البرلمانية المتعاقبة التى كان أعضاء الحزب الوطنى ينجحون فيها بعد «الاستعانة بصديق».
هذا الأمر أختلاف مع ضخ دماء جديدة فى الحزب الوطنى الديمقراطى شجعها على الانخراط فى العمل السياسى قرار جمال مبارك بالنزول إلى الشارع السياسى ليتجمع حوله كوكبة من شباب مثقف تعلم بعضه فى الخارج، وحصل بعضه على أعلى الدرجات العلمية، وانصهروا بسرعة مع شيوخ الحزب الوطنى دون أن يشعروهم بأنهم جاءوا ليحلوا محلهم، كان واضحا أن الفكر الجديد الذى يحمله هؤلاء الشباب هو الذى سيلقى قبول الشارع بعد أن جرب شيوخ الحزب كل ما يملكون.
والشاهد أن العمل الحزبى الجديد كان يسير فى عدة اتجاهات متوازية أولها تكوين أمانة سياسات تمثل «مخ» حكومة الحزب، بما تضمه من عقول هذا البلد، وثانيها أمانة تنظيم تقدم أساليب عمل جديدة تعيد لقاعدة الحزب أهميتها كعصب رئيسى، وليس كمالة عد وكارنيهات كما كان يحدث من قبل، وثالثها إجراء عملية تقييم سنوية لما تم إنجازه وما سيتم عمله، وذلك من خلال المؤتمر السنوى العام للحزب على أن تسبقه مؤتمرات فى كل قسم ومركز ومحافظة تقوم بنفس العمل من ناحية مراجعة ما تم عمله، واستعراض أجندة العمل فى العام المقبل. ورغم أن هذه التجربة لم تشب بعد عن الطوق، إلا أنها خلفت مواقف لم يكن لها وجود من قبل، أهمها أن الدور الرقابى على الأداء الحكومى الذى فشل فيه مجلس الشعب، تحول إلى المؤتمر السنوى للحزب الذى يتحول فى كثير من الأحيان إلى جلد للأداء الحكومى، ولكن مع إضافة مهمة جدا، وهى تقديم الحلول للخروج من الحفر التى أوقعت فيها الحكومة نفسها.
ليس هذا فقط، بل شعر أصغر عضو فى الحزب الوطنى أنه بعد أساليب العمل الجديدة، أصبح حلقة فى سلسلة العمل الحزبى، بمعنى أنه إذا لم ينفذ تكليفاته الحزبية، فهذا يعنى أنه سيتسبب فى قطع السلسلة.
وهكذا سيكون المؤتمر العام المقبل للحزب الوطنى وقفة جديدة مع النفس تحتوى على الكثير من المحاسبة، والقليل من التصفيق، وسوف تقضى فى نهايتها على صعود الكوادر التى أنجزت تكليفاتها، وأفول الكوارد التى لم تستطع ضبط إيقاعاتها مع التوجه الجديد للحزب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة