عندما أتحدث عن المشكلة السكانية أجدنى مضطرا للقول إنها ترجع لفشل الحكومة فى معالجة الأمور وافتقادها إلى الحنكة لإدارة الأزمات، فرغم اتساع الأراضى المصرية، يعيش السكان على نحو 4 % من مساحتها الكلية فقط، وهذا لا يمكن أن يحدث فى أى دولة فى العالم، ويعود إلى سوء التخطيط التنموى والاستثمارى، وفشل الحكومات المتوالية فى وضع خارطة لتوزيع السكان فى مصر وفق مخطط تنموى شامل.
فمنذ زمن بعيد تركز السكان على ضفاف النيل من جنوب مصر حتى الجيزة والقاهرة، بالإضافة إلى محافظات مصر التقليدية القديمة فى وادى الدلتا، وأهملت مساحات شاسعة من الأراضى من الممكن توطينها وإنشاء مجتمعات عمرانية متكاملة بها، مثل شبه جزيرة سيناء مثلاً، والتى تمثل ثلث مساحة مصر، وما يدمى القلب ويحزنه أن هذه البقعة الغالية وضعت لها خطة قومية لتنميتها تنمية شاملة، ولم يتم إنجاز أى شىء منها، حيث تسير الأمور بسرعة السلحفاة.
كما لا يمكن أن أتجاهل الفشل الذى حدث فى تنمية وتعمير المدن الجديدة مثل العاشر من رمضان، ومدينة 6 أكتوبر وغيرهما، حيث كان من المخطط لها أن تستوعب 6.5 مليون نسمة، وهذا ما لم يتحقق حتى الآن، حتى تلك المشاريع الأخرى مثل توشكى، وشرق العوينات، وغيرها من المشاريع القومية، لم تعط ثمارها على الوجه الذى كان مخططا له، ومن هنا يتضح أن المشكلة ليست فى كثرة عدد السكان، وإنما فى افتقار الحكومة إلى الخطط التنموية والاستثمارية الناجحة.
لقد توالت علينا حكومات تهتم بحل المشاكل اليومية فقط دون الالتفات إلى المستقبل والتخطيط الحقيقى له، ومازالت الرقعة الزراعية تتآكل، ومن ثم تراجع الإنتاج الزراعى وزادت الواردات الزراعية، وتعطلت عجلة الاقتصاد والتنمية، ولا تجد الحكومة ما تقوله إلا أن زيادة السكان هى سبب كل الكوارث وبالتالى تنشغل بآليات تخفيض عددهم وتحديد النسل، وتجعل من قضية الزيادة السكانية سبباً رئيسياً ومتفرداً للأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
إن معدل الزيادة الحالى للسكان فى مصر هو 1.9 %، بينما كان فى بداية التسعينيات يصل إلى 3 %، أى أنه حدث انخفاض بنسبة النصف، ومن المتوقع أن يواصل المعدل انخفاضه حتى يصل إلى نسبة 1.5 %، ومعنى هذا أن السكان خفضوا أعدادهم من تلقاء أنفسهم، وكان لديهم وعى صنعته الظروف المعيشية الطاحنة، من غلاء أسعار، وأزمة السكن، وضعف دخل الفرد، وارتفاع معدلات الفقر، وندرة فرص العمل، رغم أن هذه الحزمة من الأزمات المسئول عنها سوء الإدارة والتخطيط الحكومى. وأرى أنه من المناسب النظر فى مسألة تنظيم وتحديد الأسرة بعيداً عن إجبار الناس على التنظيم أو التحديد بقانون، وإنما بالتشجيع والتحفيز الإيجابى، بالإضافة إلى اهتمام الحكومة بخصائص السكان من خلال محو الأمية، وتوفير فرص العمل، والاهتمام بعمل المرأة، ونحو ذلك.