رجل الأعمال القريب من الحكومة والنظام، عضو الوطنى وأمانة سياساته ووزير حكومته الشهيرة بحكومة "رجال الأعمال" أصبح نموذجا شائعا لرجل الأعمال فى مصر، حتى كاد أن يصبح قاعدة لا تقبل الاستثناء، ليبدو نموذج رجل الأعمال المعارض مفقودا، أو على الأقل غائبا عن الساحة فى الفترة الحالية.
أبرز رجال الأعمال فى مصر من أعضاء الوطنى، والمعارضون يمتنعون، فلا تسمع اسم رجل أعمال معارض يتردد فى وسائل الإعلام المختلفة رغم تخصيصها مساحات مهولة لرجال أعمال الوطنى باعتبارهم "رجال الصناعة" و"رجال الاقتصاد" و"رجال التنمية".. تدير المؤشر فتجد نفس الوجوه تطل عليك من برامج السياسة، فهذا أمين التنظيم بالحزب، وذاك رئيس لجنة الإسكان بالمجلس عن الحزب أيضا، والآخر يرأس لجنة الصناعة بنفس المجلس، رغم امتلاكه شخصيا لعدة مصانع لها نشاط واسع.
السؤال المنطقى هو: مادام هناك رجال أعمال ينتمون للحزب الحاكم ويمارسون نشاطا سياسيا بجانب نشاطهم الاقتصادى، فلماذا لا يكون هناك رجال أعمال بنفس الحجم والقوة ولكن فى صفوف المعارضة؟ الواقع يؤكد أنه ليس كل رجال الأعمال بالطبع أعضاء فى الوطنى، وفاعلين فيه. فهناك رجال أعمال معارضين، لكنهم ليسوا بقوة رجال أعمال الوطنى الذين يجدون كل دعم من الدولة بمختلف أجهزتها. فيمكنهم بسهوله الحصول على أراضى الدولة بقروش قليلة، ويمكنهم الحصول على قروض ضخمة من البنوك دون ضمانات كافية. بل ويمكن لبعضهم تشريع وتعديل القوانين التى تتعارض مع مصالحه التجارية، كما فعلها أحمد عز مستغلا منصبه البرلمانى، ليعدل قانون منع الاحتكار قبل إقراره فى مجلس الشعب، رغم أنف وزير التجارة الخارجية والصناعة رشيد محمد رشيد، الذى هو بدوره رجل أعمال أيضا.
منير فخرى عبد النور لا يعارض كى لا يتعارض ذلك مع مصالحه وأعماله
المميزات إذن كثيرة لرجل أعمال الوطنى، ويحرم منها بالطبع رجل الأعمال المعارض، وهذا هو سر قوة رجال أعمال الوطنى. فى المقابل، لا يعد رجال الأعمال غير المنتمين للوطنى معارضين بالضرورة، فبعضهم لا علاقة له بالسياسة، ويخشى الغوص فى دهاليزها، لكنه يحافظ على علاقة جيدة جدا مع النظام والحكومة اللذين يباركان عمله، ويدعمانه بطريقة الصفقات والمصالح المتبادلة، شريطة ألا يتعدى الخطوط الحمراء بحسب كلام د. حمدى عبد العظيم، الخبير الاقتصادى والرئيس السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، مضيفا أن نموذج رجل الأعمال المعارض غير موجود فى مصر، حتى رجال الأعمال المنتمين لأحزاب كبيرة مثل الوفد والتجمع، اعتبرهم عبد العظيم معارضين اسما لا موضوعا، وضرب مثالا بالقطب الوفدى ورجل الأعمال الشهير منير فخرى عبد النور، مؤكدا أنه لا يعارض كى لا يتعارض ذلك مع مصالحه وأعماله.
عبد العظيم أضاف أن نموذج منير فخرى عبد النور هو الشائع بين رجال الأعمال المنتمين لأحزاب المعارضة، فالمعارضة بحساب، ولها حدود تتوقف قبل مرحلة الصدام المباشر مع الدولة حفاظا على المصالح. تختلف مع هذا الرأى د. شهيدة الباز الباحثة الاجتماعية مؤكدا أنه لا تناقض بين رجال أعمال حزب الوفد تحديد وبين النظام الحاكم، لأن الوفد حزب ليبرالى يتفق مع أفكار الوطنى الرأسمالية. وبالتالى فالوفد لا يختلف مع الوطنى من حيث أفكاره الاقتصادية، بل يختلف معه سياسيا، وتتعلق أزماته مع النظام بملفات مثل الديمقراطية، وتداول السلطة.
د. شهيدة أشارت إلى رجال الأعمال البعيدين عن السياسة كـ"نجيب ساويرس ومحمد نصير وحسن راتب، مؤكدة أنهم "مبيضيعوش وقتهم فى السياسة مباشرة، لكن هناك دوائر تربطهم بالنظام، وبالتالى فهم يمارسون السياسة بشكل غير مباشر". وأضافت أن رجل الأعمال يمكن أن يكون معارضا، ولكن معارضته ليست بالمعنى المعروف، فلا يعارض النظام القائم ككل لأنه يتفق مع مصالحه، بل يعارض بشكل جزئى سياسات معينة من شأنها الإضرار بمصالحه. وختمت كلامها قائلة: "ما تتوقعش يطلعلك رجل أعمال اشتراكى أو ناصرى ويعارض النظام والحكومة".
الانضمام لعضوية الوطنى يعد عبئا أكثر منه ميزة!
على الجانب الآخر، يحقق رجال الأعمال المرتبطون بالنظام مكاسب مضاعفة نتيجة قربهم منه، ورغم نفيهم المتكرر لذلك، مؤكدين أن انضمامهم لعضوية الوطنى، وإطلاعهم بالتزامات حزبية يعد عبئا أكثر منه ميزة لهم، بحسب كلام د.إبراهيم كامل رجل الأعمال وعضو الحزب الوطنى، مضيفا أن عضويته بالحزب الوطنى لا دخل لها بمشروعاته العديدة، ولا تسهل له الحصول على أى ميزات خاصة رغم الاتهامات التى توجه له باستغلاله نفوذه وقربه من النظام فى تعطيل المشروع النووى المصرى، لرغبته فى استغلال أرض محطة الضبعة فى إقامة قرى سياحية باعتباره أكبر مستثمرى الساحل الشمالى.
نفى إبراهيم كامل تحقيقه أية مكاسب أو تسهيلات لعمله الخاص نتيجة نشاطه الحزبى. اتفق معه رجل الأعمال وعضو الحزب الوطنى شريف الجبلى، مؤكدا أن ممارسة رجال الأعمال للعمل السياسى موجودة فى كل دول العالم. الجبلى الذى يرأس مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال المصريين انفعل من سؤال حول مكاسب رجال الأعمال الاقتصادية من عملهم السياسى وقال: "حيعمل لى أيه الحزب يعنى، ولا عمره عمل لى حاجه فى شغلى، ولم يعطنى أى ميزة". ورغم اختلاف د. حسن راتب رجل الأعمال غير المنتمى إلى أى حزب والذى أكد أن رجل الأعمال المعارض لن يحقق مكاسب رجل الأعمال المنتمى لحزب الحكومة، بسبب أن الأخير هو جزء من الحكومة بانضمامه لحزبها، وبالتالى، فإنه يحصل على تسهيلات وامتيازات لن يحصل عليها لو كان معارضا لها.
راتب عدد هذه المزايا قائلا: "يستطيع أن يأخذ مبالغ ضخمة كقروض من البنوك بضمانات محدودة.. ويستطيع أن يأخذ أراضى الدولة فى مشروعاته المختلفة دون مشاكل.. ويستطيع ينهى الإجراءات الحكومية الروتينية بسهولة كبيرة"، وختم كلامه قائلا: "مش حيقدر يعمل كده أبدا لو كان معارض".
بعض رجال الأعمال يستطيعون التعامل مع النظام دون إثارة غضبه
كلام راتب، رغم اتفاقه مع ما هو معروف عن علاقة رجال الأعمال بالدولة، إلا أنه يعكس شيئا آخر شديد الأهمية، وهو علاقة رجال الأعمال البعيدين عن السياسة الذين يستطيعون التعامل مع النظام دون إثارة غضبه، فهو، رغم أنه ليس عضوا بالوطنى، المستثمر الوحيد بشمال سيناء، وقد منحته الدولة آلاف الأفدنة فى أراضى المحافظة، وهو أيضا صاحب جامعة سيناء الخاصة، وهى أيضا الجامعة الوحيدة هناك. وهو ما يظهر بوضوح كيف يمكن لرجل الأعمال تحقيق مكاسب كبيرة دون أن يكون أحد رجال النظام بعدم معارضته فقط، وبالتزام الحياد فى التعامل مع النظام والحكومة.
ما يحدث على أرض الواقع بعيدا عن تصريحات الاستهلاك الإعلامى يؤكد أن النظام يتعامل مع رجل الأعمال المعارض باعتباره خطرا على الوطن، حتى وإن كانت أعماله فوق أى شبهات. فيكفى أن يكون معارضا ليترصده النظام ويضيق عليه فى نشاطه تمهيدا لتصفية هذا النشاط بتكبيد صاحبه خسائر متوالية تقضى عليه فى السوق.
نموذج واحد لرجال أعمال يعارضون النظام بشكل حقيقى نسبيا، وهو نموذج رجال الأعمال المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين والذين يدفعون ثمن معارضتهم بشكل مضاعف، فيضارون سياسيا بتضييف الخناق على جماعتهم التى توصف بـ"المحظورة"، ويضارون كذلك بالتضييق عليهم فى أعمالهم وأموالهم فيما يعرف أمنيا وسياسيا بـ"تجفيف منابع تمويل الجماعة". ولعل المحاكمات العسكرية الأخيرة لأعضاء جماعة الإخوان خير دليل على ذلك، حيث كان على رأس الاتهامات الموجهة لهم "غسيل الأموال، وتمويل التدريب العسكرى لطلبة الأزهر" وهى بحسب د. سيد عسكر، عضو مجلس الشعب عن جماعة الإخوان المسلمين، الدليل العملى الأبرز على طريقة النظام فى التعامل مع رجال الأعمال المعارضين فى حالة تخطيهم الخطوط الحمراء.
لمعلوماتك..
◄7 سنوات حكمت بها المحكمة العسكرية على المهندس خيرت الشاطر عضو الإخوان بتهمة غسيل الأموال والانضمام لجماعة محظورة.
◄ يسيطر رجال أعمال الحزب الوطنى على آلاف الأفدنة من أراضى الدولة دون إقامة مشروعات عليها فيما يعرف باسم "تسقيع الأراضى"، وأشهر هؤلاء محمد فريد خميس ومحمد أبو العينين.
رجل أعمال ضد الحكومة.. المصالح أهم من السياسة!
الجمعة، 03 أكتوبر 2008 04:04 م
أحمد عز .. رجل الأعمال النافذ فى الحزب الوطنى!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة