محمد العرب

المالكى.. ومفاهيم الجيش العراقى..والوطنية

الجمعة، 03 أكتوبر 2008 02:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بحثت كثيراً عن سر تسمية المراتب العسكرية غير المنضبطة بجيش محمد العاكول وأعيانى البحث عن حقيقة وجود شخصية محمد العاكول نفسه حتى غلبنى الظن، وأن بعض الظن أثم أنه شخصية قصصية خيالية، اخترعها أحد المروجين لأخلاقيات الانضباط والحزم فى الجيش، وقال لى صديق أحترم مستوى ثقافته واطلاعه إنه ربما يكون الحلقة الأخيرة فى مسلسل الطنطل والسعلوة فى الموروث الشعبى القصصى العراقى، أما أسباب البحث الحثيث فهو التأكد من مدى حقيقة ما رواه لى جدى رحمه الله وأسكنه فسيح جناته عن العريف محمد العاكول، ذلك الرجل القبلى، الذى تطوع للعمل بمعية الجيش العثمانى وكان غير مؤمن بمقولة إن عرق التدريب يقلل من دماء المعركة، ويقول إنه متى احتدم القتال فإن الشجاعة الفطرية هى المعيار وأن كل ما يتم دراسته من فنون الحرب وخدعها لن تصمد أمام أقدام الشجعان لذا كان يترك فصيلة العسكرى الذى يأتمر بإمرته مرتاح فى ظلال الأشجار بدون أى نوع من التدريبات العسكرية، والغريب أنهم كانوا يبلون بلاء حسنا فى وقت المعارك.

وربما تكون هذه رواية جدى الشفوية الأقرب إلى حقيقة الرجل إن كان موجودا أصلا، لذا فإن عسكر محمد العاكول كانوا شجعان وطنيين ولكن غير منضبطين، لذا فمن الخطأ الفادح وصف الجيش العراقى الآن بلقب جيش محمد العاكول، فالجيش الحالى يفتقر إلى تلك الوطنية التى يتوجب أن تكون فى كل جيوش الأرض مهما كبر أو صغر عددها وعدتها، لأنه وببساطة جيش يتكون من أفراد يختلفون بولائهم، ويعكسون تطلعات من ساهم فى وصولهم إلى صفوف الجيش، ولكى نكون منصفين، فإن هذا المرض الفتاك والذى ترصد الدول المتقدمة ميزانيات ضخمة للقضاء عليه تحت مسميات التوجيه المعنوى والانضباط العسكرى والاستخبارات العسكرية واللجان المراقبة فإن من يتحمل مسئوليته أكثر من شخص تعاقبوا على سدة الحكم بالعراق بعد الغزو الأمريكى.

فالعسكر والمؤسسة العسكرية يجب أن يكونوا بعيدين كل البعد عن السياسية وأن يعاملوا كل العراقيين بتجرد وبمساواة، وكنت شاهدا على أكثر من تدخل عسكرى للجيش العراقى فى أكثر من منطقة فى العراق بحكم عملى كمراسل صحفى وشاهدت وشعرت ولمست أن الجندى يتعامل بحساسية عالية عندما يكون فى منطقة لا تشترك معه بنفس المذهب أو العرق وأنه يعامل الجميع كأعداء، وهذه النظرة تشمل حتى العراقيين الذين من المفروض أنهم ينتظرونه كحامى حماهم أو مدافع عنهم، والتقيت بأشخاص كنت أعرفهم جيدا وهم النطيحة والمتردية من البشرية يحتلون مناصب مهمة وتعتلى أكتافهم النجوم والنسور وكأنهم قفزوا عبر الزمن واختصروا المسيرة العسكرية وعلقوا على صدورهم النياشين برغم من جهلهم العسكرى وعدم امتلاكهم التاريخ اللازم للتصدى لمهمة عسكرية يشترط فيها الحزم والحكمة والرحمة فى آن واحد والسبب أنهم ينتمون إلى الحزب الفلانى أو أقارب المسئول الفلانى، ومن ثم تطورت الأحداث ليصبح منح الرتبة العسكرية مرهون بتوقيع رئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة بدون الرجوع إلى رئيس الجمهورية أو الدائرة الرئاسية التوافقية، وبذلك يمكن أن يقدم دولة رئيس الوزراء بتوقيع المراسيم كيفما يخدم مصالحه أو خططه الآنية والمستقبلية وكسب ولاءات جديدة قد تعطل التطور الديمقراطى فى الدولة، وفرض السيطرة على زمام السلطة عبر التهديد باستخدام القوة أو باستخدامها الفعلى مما قد يفسح المجال لانقلاب عسكرى مستقبلى.

ولنا فى تجربة أياد علاوى خير دليل فقد ساهم بشكل كبير فى تكوين جهاز المخابرات بإشراف الأمريكان طبعاً وبقى الجهاز خارج سيطرة الجعفرى طوال فترة توليه مهام رئاسة الوزراء مما دفعه لتشكيل جهاز مخابراتى رديف من كوادر حزب الدعوة وهم أنفسهم انشقوا لصالح الجعفرى على حساب المالكى فيما بعد، كما أن المالكى قاد أكبر حملة استئصال وتغير واجتثاث لقادة عسكريين لا يتفقون مع أيدلوجيته وهو الآن يزج بحلفائه وأنصاره ومؤيديه فى مناصب مهمة فى الجيش، لذا فليستعد دولة رئيس الوزراء القادم لأمرين لا ثالث لهما: إما التوافق مع المالكى أو مشروع انقلاب، أو تهميش عسكرى، لست متحاملا على المالكى، ولست ممن يختلفون معه على طول الخط، ولست ممن يبكون على الأطلال.

ولكن ما أعرفه كمواطن عراقى عاصر تجربة التجنيد الإلزامى كغيره من العراقيين أن الجيش درع للوطن يحميه من شرور الداخل والخارج ذلك كون ذلك الجيش كان تحت سيطرة قوة شمولية انفرادية أما مهام الجيش فى ظل دولة يسودها تناحر حزبى والعرقى والمذهبى، وفحيح أفعى الطائفية يرتفع وينخفض مع الأحداث فهو إنقاذ البلاد من الانهيار والتشرذم والاقتتال الداخلى، بل ومهمة حماية الديمقراطية وصيانة الدستور وضمان حقوق المواطن الأساسية وحمايتها من أخطار وتبعات سلوك السياسيين العابثين، وعليه أن يكون أكثر وعيا وحكمة ولا يتصف بعبثية عسكر محمد العاكول فلقد شاهدنا جميعا رفض عناصر الجيش من الالتحاق بمناطق ساخنة وشاهدنا إضرابات وحالات اعتداء من قبل جنود على ضباط.

وهنالك محور مهم وقاتل لسمعة الجيش العراقى فى الداخل وهو حالة عدم الثقة باستعداد الجيش فالجامعات المناهضة لذلك الجيش من قوة أجنبية أو عراقية، ومهما اختلفت الروئ حولها حققت نجاحات مهمة على هذا الجيش، وما تحقق لهذا الجيش كان بمساعدة قوية من قبل جيش الاحتلال أو العشائر، لذا على المالكى أن يعى حقيقة عدم ثقة الكثير من القوى السياسية الوطنية سواء أكانت داخل أو خارج الحكومة بولاء الجيش ووطنيته وأن واحدة من أهم التحديات التى تواجه القائد الأعلى للقوات المسلحة هى إعادة بناء المؤسسة العسكرية الوطنية التى تمثل معضلة رئيسية مع استمرار التناحر السياسى وزيادة سطوة المليشيات المسلحة والاقتتال الطائفى ووجود قوى إقليمية غير راغبة فى قيام جيش عراقى قوى وعدم تحمس الإدارة الأمريكية لتأسيس مثل هذا الجيش، ولعل ما يتناهى إلى مسامع العراقيين عن وجود اختراقات فى وحدات الجيش يضع النقطة فى نهاية سطر الوطنية مسبوق بعلامة استفهام كبيرة وأداة للتعجب هذه هى معضلة أحد أقدم المؤسسات العسكرية فى المنطقة وصاحبة السبق فى إنشاء أول كلية للقيادة والأركان على مستوى الوطن العربى فى بداية أربعينيات القرن الماضى.

وختاماً أنقل لكم حادثة طريفة حدثت أواسط الستينيات، عندما قام عبد السلام عارف بتجنيد أهالى الحويجة لقتال الأخوة الكورد، فيما يسمى بحرب الشمال، فدعا المدنيين للانخراط فى أفواج حماية النفط، وشكلوا وحدات غير نظامية يرتدى أفرادها الملابس المدنية، ولا يلتزمون بأى عرف أو تقليد عسكرى، فلحاهم طويلة وملابسهم مهلهلة، عند ذلك فكرت القيادة العسكرية بتشكيل فوج منهم سمى فى حينها فوج البادية، ثم جرى أحالتهم إلى القوات المسلحة وأصبحوا نواة للواء الخامس والعشرين الآلى، وعندها جىء لهم بضباط أكفاء لتدريبهم، فوزعوا عليهم الملابس العسكرية، وحلقوا لحاهم وشعورهم الطويلة، على السياق العسكرى السائد آنذاك، فتذمر هؤلاء وقالوا بلهجتهم (يبه صار بيها زيان الحى) أى بدأوا بحلاقة اللحى وغدا يفعلون ما يريدون.

ومما أتذكر عن تسيبهم، أن هؤلاء كانوا يسلبون وينهبون أموال ومقتنيات العوائل الكردية، بحجة أنها غنائم، فكان كل منهم يأخذ ما يستطيع حمله فى عملية نهب يندى لها الجبين، وذات يوم هاجمت هذه القوات إحدى القرى المتحالفة مع السلطة، وهم يهزجون (للريس كلنا أفديويه، وندك صرح البرزانية) وقاموا بنهب المواشى والأمتعة وما يملكه الأهالى من مقتنيات، وعندما وصل الأمر إلى أمر اللواء، أمر بجمعهم وطلب منهم إعادة المنهوبات إلى أصحابها، وعندما رفضوا ذلك، أمر مراتبه بتوجيه الأسلحة إلى هؤلاء وإطلاق النار عليهم فى حالة عدم إعادتها، فأخذوا بالهتاف (يعيش ملا مصطفى البرزانى) ثم تركوا المنهوبات وعاد الأكثرية إلى بيوتهم، فيا دولة الرئيس حتى لا يعود الأغلبية إلى البيوت راعى الله فى جيش له سمعة وتاريخ.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة