أنفاق الأقصى هى تلك المحاولات الإسرائيلية التى لا تكل لكى تدمر المسجد الأقصى، التى تزعم أن المسجد قد بنى على آثار مقدسة يهودية، وأن هذه الأنفاق تهدف إلى تسهيل البحث عن هذه الآثار. من الناحية الحضارية فإن البحث عن الآثار المقدسة فى جميع الأديان والحضارات أمر مرغوب، لأن هذه الآثار ملك للإنسانية حتى لو كانت تابعة لدين أو حضارة معينة، وهذا التراث المشترك للإنسانية يدفع إلى المحافظة عليها، ولكنه ينطوى أيضا على احترام كافة الثقافات والحضارات. ولكن المشكلة هى أن إسرائيل تتزرع بوجود هذه الآثار تحت المسجد الأقصى وتتوسل بكل وسيلة حتى تزيل المسجد الأقصى، ولذلك فإن التصدى لإسرائيل يجب أن يكون حازما ً وعالميا ً وألا يتوزع الناس بين دعاوى إسرائيل التى تبعثر الانتباه، وبين القطع بأن تلك حيل إسرائيلية لإزالة المسجد الأقصى. ولكن المحافظة على المسجد الأقصى ليست محافظة على مجرد أثر، ولكن للمسجد الأقصى قيمة روحية ومعنوية يقدرها أصحاب الحضارات، كما أن له مكانة تاريخية عند المسلمين. وما تقوم به إسرائيل هو جزء من حملة الإبادة الشاملة التى يمارسها هكسوس هذا الزمان ضد العرق الفلسطينى، وهم لا يدركون أنهم بذلك يحكمون على أنفسهم بوصمة البربرية وأنهم بذلك يتصادمون مباشرة مع المجتمع الدولى ومع العالم الإسلامى، ولا أظن أن الجهود الرقيقة الحالية التى تتصدى لإسرائيل، وكذلك ترك المسألة الفلسطينية أو التآمر على المسجد الأقصى، يمكن أن يكون حلا لهذا الموضوع. ومن الأسف أن العالم الإسلامى الذى يتجاوز سكانه المليار نسمة ويتوزعون فى كل أركان الأرض يشعرون بالغليان، ولكن هذا الغليان لا يترجم إلى عمل محدد حاسم تقوده حكوماتهم، بعد أن فقدت هذه الحكومات القدرة على الدفاع بسبب المواقف الأمريكية والضغوط الصهيونية، ولذلك فإن ضياع المسجد الأقصى بسبب هذه الحالة يمكن أن يكون سببا إضافيا لتفجير العلاقة بين الشعوب وحكامها فى العالم الإسلامى، لأن الشعوب مستعدة للتضحية دفاعا عن الأقصى ولكن الحكومات هى التى تتصدى لها.
فضلا عن ذلك فإن الحركة الصهيونية يبدو أنها قد شغلت بعض الشعوب الإسلامية مثل الهند وباكستان بصراعات داخلية، حتى تصرف الانتباه ويخلو لها الجو وتنهى هذه المهمة فى المسجد الأقصى، وهذا خطر كبير يجب ألا تتقبله بسهولة الحكومات العربية. تلك هى الأنفاق الخبيثة العدوانية التى تستخدمها إسرائيل للقضاء على رمز كبير من رموز المسلمين وهو القبلة الأولى قبل أن تتحول القبلة إلى مكة المكرمة. والغريب أن الدول الرئيسية فى العالم الإسلامى قد اكتفى بعضها بتصريحات باهتة لا تتناسب مع خطورة الموقف، بل إن بعضها مثل مصر لم يصرح أصلا ً وكأن المسجد الأقصى فى القطب الشمالى، وعندما سئل الرئيس مبارك فى المؤتمر الصحفى مع بيريز فى شرم الشيخ يوم 21 أكتوبر 2008، رفض الإجابة عن السؤال المتعلق بحصار غزة وفتح المعابر ومشروع إزالة الأقصى، وهى قضايا ثلاث بالغة الأهمية بدا لنا أن مصر لا علاقة لها بها.
على الجانب الآخر فإن مصر تحرص حرصا ً دائما ً على تعقب الأنفاق التى يقيمها الفلسطينيون بين غزة والأراضى الفلسطينية لكى يخففوا بها من آثار الحصار الخانق الذى تفرضه إسرائيل، وقد شكر وزير الدفاع الرئيس مبارك على "ضبط" عدد من هذه الأنفاق، وشكر مصر على أنها تسهر على منع "تهريب" مواد الإعاشة للشعب المحاصر. والصورتان متقابلتان ومتناقضتان... هناك فى المسجد الأقصى يجب أن تقطع يد إسرائيل لأنها تتصدى بالهدم والإبادة لأثر ورمز دينى وتاريخى يجب على العالم كله أن يحافظ عليه. فى سيناء يحاول الفلسطينيون الإفلات من الإبادة الإسرائيلية عن طريق الأنفاق، فتبذل مصر قصارى جهدها لمساعدة الخطة الإسرائيلية فى الإبادة، وتتلقى مصر الشكر من عربيد هذه المنطقة وشتان بين الصورتين. صورة الضرب على يد المجرم، وصورة التحالف للإجهاز على المحاصر ومساعدة المجرم، وهو نفس المجرم الذى يقوم بجريمته فى المسجد الأقصى.
فكيف يفسر المسئولون المصريون هذا الموقف الفريد الذى يتناقض تماما ً مع كل ما هو أخلاقى وقانونى وإسلامى وقومى؟ كما تناقض مع مواقف مصر فى كل عصور التاريخ. إن هذه اللقطة تظهر تخلى مصر تماما عن المسجد الأقصى مقابل تفرغ مصر تماما للتعاون مع إسرائيل المخرب الجديد للمسجد الأقصى، فهل الالتقاء المصرى الإسرائيلى هو صدفة أم أنه مصلحة مشتركة؟ أم أنه سوء فى تقدير الحساب؟ أياً كان السبب الذى يدفع مصر الرسمية إلى هذا العمل، فإن المصريين جميعا يتبرأون من موقف حكوماتهم، ويعتبرون هذا الموقف مشيناً وعاراً على مصر، لأن المصريين يبذلون كل جهد فى إفساد مخطط إبادة غزة، وليست الأنفاق إلا وسيلة مبتكرة بعد أن عزت الوسائل المكشوفة على الأرض، وارتعدت الأيدى التى كان يجب أن تتصدى لهذه الإبادة علناً فى رابعة النهار. إن الأقصى يسترق حكام مصر، وإن ضحايا الإبادة فى غزة سوف يختصمونهم يوم الحساب، ولم يعد مقبولا لأمن حكومة مصر أن تتزرع فى موقفها ضد اتفاق غزة، بأنه التزام لمنع أى تهديد لأمن إسرائيل فهو عذر أقبح من ذنب، ولكن الحكومة للأسف لم تجد حتى عذرا واهيا فى تقاعسها عن إنقاذ القدس.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة