عماد عمر

الاستثمار بقرار سياسى

الإثنين، 27 أكتوبر 2008 07:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كثيراً ما تستخدم الدول الكبرى نفوذها السياسى لخدمة مصالحها الاقتصادية واستثماراتها.. والعكس صحيح فى بعض الأحيان، وليس عيباً أن نفعل ذلك، لكن شتان الفارق بين ما نفعله نحن وما يفعله غيرنا.

دفعنى إلى الكتابة عن العلاقة بين الاستثمار والسياسة ما نشرته لليوم السابع فى الصفحة الأولى بعددها الثانى عن دعوة من القيادة السياسية فى مصر للوزراء، بأن يتوقفوا عن مضايقة الأمير الوليد بن طلال، رغم الانتقادات لمدى جدية شركاته فى العمل فى مشروع توشكى، وجاءت الدعوة فى إطار مطلب حكومى للأمير الوليد بالإبقاء على مجمل استثماراته فى مصر، وإذا صح هذا الموقف من جانب الحكومة، فالأمر يبدو كأن الحكومة تعتبر أى انتقاد للأمير الوليد "كلام فارغ" هدفه مضايقة الرجل وليس الحرص على الإصلاح، وبالتالى من الأفضل الكف عن هذه المضايقات، حرصاً على استثمارات الوليد فى مصر.

وفى نفس التوقيت تقريباً لنشر التقارير عن هذا الموقف من حكومتنا الرشيدة كانت قمة آسيا وأوروبا تنعقد فى قاعة الشعب الكبرى فى بكين، وأثناء القمة التى شاركت فيها 43 دولة ناشد زعماء الاتحاد الأوروبى الصين صاحبة أكبر احتياطى فى العالم من النقد الأجنبى الانضمام بقوة إلى الجهود العالمية لمواجهة الأزمة الائتمانية التى تعصف بأسواق المال فى أنحاء العالم، فى حين كان الزعماء الأوروبيون يوجهون مناشداتهم الواحد تلو الآخر خيمت أجواء توتر على قاعة الشعب الكبرى فى بكين، حيث عقدت القمة بعدما وصلت أنباء عن أن البرلمان الأوروبى كرم منشقاً صينياً من دعاة حقوق الإنسان، وضمن الزعماء الأوروبيين المشاركين فى القمة كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التى استقبلت فى خريف العام الحالى وعلى غير رغبة الصين الدلاى لاما زعيم التبت الذى تتهمه بكين بنشر دعوات هدامة لتحريض سكان التبت على الانفصال.

ورغم هذه المواقف السياسية المتباينة وافقت الصين فى ختام القمة على الانضمام لجهود الدول الغربية الكبرى لتشكيل جبهة موحدة للتغلب على الأزمة المالية العالمية، وأعلنت أنها ستشارك فى القمة التى يستضيفها الرئيس الأمريكى جورج بوش منتصف الشهر القادم لبحث اتخاذ اجراءات فعالة لمواجهة الأزمة، فالخلاف فى السياسة لم يمنع الاتفاق فى الاقتصاد.

مثال آخر.. موقف الاتحاد الأوروبى من شركة مايكروسوفت عملاق برمجيات الكمبيوتر العالمى، فالاتحاد فرض غرامات ضخمة على الشركة بعد إدانتها بالاحتكار بسبب الربط بين متصفح الانترنت وبرنامج ويندوز، ولم يسمع أحد عن تهديد من مايكروسوفت بسحب استثماراتها من أوروبا.

ومثال ثالث.. العلاقات الاقتصادية والاستثمارات بين الصين الأم وتايوان، رغم تهديدات بكين بضم الجزيرة بالقوة إذا استدعى الأمر.

وعلى الجانب الآخر نرى ليبيا مثلاً تهدد بسحب استثماراتها من سويسرا وقطع امدادات البترول عنها، بسبب مزاعم بإساءة معاملة الدبلوماسيين الليبيين هناك، وحكومتنا من جانبها تعتبر الانتقادات للأمير الوليد ضارة بالعلاقات الاستثمارية معه، والخلاصة أن هناك فارقاً شاسعاً فى فهم الدول الكبرى للعلاقات الاقتصادية والاستثمارية وفهم دول العالم الثالث لهذه العلاقات، وفى الحالة الأولى تقوم العلاقة على أسس جوهرية تحقق مصلحة الطرفين، وبالتالى يهتمان بالحفاظ عليها، وفى حالتنا يجعل ضعف هذه الأسس، إن وجدت أصلاً، العلاقة تصاب بالحساسية والزكام من رائحة الانتقادات التى لا ينبغى أصلاً أن تفسد للاستثمار قضية، وبدون علاج هذه الحساسية يصعب الزعم أن لدينا مناخاً استثمارياً قادراً على تعويض خروج أى مستثمر أو تكاسله، ويصعب أيضاً أن نقى الاستثمارات من تقلبات المزاج السياسى.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة