إذا كان شيخ الأزهر يعتبر الاحتفال بعيد ميلاده رفاهية ربما تقوده للسقوط فى فخ البدعة، فأننا نقدم له اليوم هدية من نوع آخر. ثمانون عاماً أتمها اليوم الدكتور محمد سيد طنطاوى، 10 سنوات منها قضاها مفتيا للديار المصرية وتلاها بـ12 أخرى شيخاً للأزهر. الشيخ هو السابع والأربعون على مدار 1034 عاماً منذ كان الشيخ محمد عبد الله الخرشى المالكى أول شيخ للأزهر، الأعمار بيد الله .. والمناصب أيضاً كذلك ولهذا فهديتنا له أن نحمل عنه عناء البحث عمن سيخلفه فى المنصب.
التطور الطبيعى للمناصب الأزهرية يضيق دائرة المرشحين لخلافة شيخ الأزهر بشكل يبدو معه توقع من سيخلفه أمراً سهلاً، فهو أما المفتى أو وكيل الأزهر أو وزير الأوقاف، وهو ما تكررمع الدكتور طنطاوى والثلاثة الذين سبقوه، خاصة بعد أن أصبح المنصب بالتعيين.
ربما تبدو قائمة الشخصيات التى ينتظرها المنصب كبيرة إذا أخذنا فى الحسبان الانتقاء الطبيعى للمرشح التى لن تخرج عن أسماء، مثل: د. على جمعة مفتى الديار أو د. محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف أو حتى د. أحمد عمر هاشم رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب.
فتش عن الروحانية
"فتش عن الروحانية" قاعدة يراها رجال الأزهر مهمة لمن يجب أن يتولى المنصب بجوار معايير العلم والأخلاق الكريمة، وهى إن توافرت لدى الدكتور طنطاوى، إلا أنها لم تجعله بمنأى عن الهجوم طوال سنوات توليه للمنصب، وكما يذكر محمد عبد المنعم البرى أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة بالأزهر، عضو اللجنة الدائمة لترقية الأساتذة بالأزهر فأن الشخصيات الثلاث سالفة الذكر بعيدة عن المنصب لأنها– باستثناء على جمعة - تفتقد إلى روحانية الشيوخ وسبب آخر يذكره البرى فزقزوق أكاديمى والدكتور عمر هاشم يميل إلى الجانب السياسى فى الدين أكثر من الفقهى، كما أن ميوله الصوفية قد تكون مانعا آخر، أما بالنسبة للدكتور على جمعة – والرأى مازال للبرى – فإن الأزهريين ينظرون إليه على أنه ليس من خريجى الأزهر فهو خريج كلية التجارة عين شمس 1973 ولم يشفع له إنه حاصل على عدة شهادات أزهرية أخرى.
الروحانية تدفعنا للبحث عن معايير اختيار شيخ الأزهر والتى أكد العديد من الخبراء أنها تتلخص فى أن يكون عالماً فاضلاً مرموقا غزير العلم واسع الاطلاع وأدرى بشئون الحياة، ولكن هذه المعايير لم تعد مستخدمة الآن فى رأى الدكتور أحمد السايح أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، حيث يؤكد أن هذه المعايير انتهت بإلغاء هيئة كبار العلماء، ولكن الاختيار – مازال الكلام للسايح – يكون وفقاً لأهواء من بيده التعيين.
أبعدونى عن هذا الموضوع
كلام السايح عن "الأهواء" يستوجب أن نعرف رأى بعض الأزهريين لنعرف إلى أى مدى وصلت مقاييس تطلعهم للمنصب، إلا أن الكثير منهم يعتبر أن التكهن بمن سيخلف طنطاوى فى المنصب نوعا من "الشؤم" من باب "أطال الله فى عمر الشيخ ومنصبه"، فالكثير منهم رفض التحدث فى هذا الأمر كما رفضوا ترشيح أى أسماء للخلافة، بحجة أنهم من داخل الأزهر ولا يصح أن يخوضوا فى هذا، الأمر نفسه ينطبق على أعضاء مجمع البحوث وهى الهيئة التى تشبه الثلاجة التى يتم فيها تجميد الرموز، لتصبح أثراً بعد عين بعيداً عن أطماع المناصب، فأسماء مثل الدكتور جمال قطب رئيس لجنة الفتوى السابق والدكتور أحمد عمر هاشم كانا أبرز المتهربين من الإجابة وعلى شاكلتهما أيضا جاء الشيخ محمود عاشور الوكيل السابق للأزهر وعضو المجمع، حيث طلب عدم الزج برأيه فى هذا الأمر بالذات قائلاً "أبعدونى عن هذا الموضوع".
بالعودة إلى الأسماء المرشحة الأخرى نجد أن هناك أسماء فرصتها صغيرة، وإن كانت مطروحة مثل الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر، ولكن ضعف فرصته لأنه بعد تعيينه مفتيا لم ينعم بالمنصب سوى عام ونصف العام ليأت على جمعة بدلاً منه ويرأس هو جامعة الأزهر عام 2003، البعض أيضا استدعى ذكر الدكتور نصر فريد واصل المفتى الأسبق إلا أنه بالنظر لتاريخ الرجل يرى أنه كان قاب قوسين من المنصب، إلا أن إحالته إلى التقاعد من منصب المفتى عند بلوغه 65 عاما يقطع أى أمل عن ترشيحه لمناصب أخرى خاصة بعد مجموعة الفتاوى الأخيرة التى أثارت جدلاً، مثل فتواه الصريحة بتحريم التدخين وتحريم ارتداء البنطلون الضيق للفتاة المسلمة.
مشيخة الأزهر أيضا لم تخل من أسماء مثل الشيخ فوزى الزفزاف رئيس لجنة حوار الأديان السابق والذى تم إزاحته من المنصب ليحل مكانه الشيخ عمر الديب وكيل الأزهر، وكذلك الدكتور على السمان مؤسس اللجنة ونائب رئيسها، ولكن ما حدث هو أن اللجنة بكاملها أصبحت بلا دور بعد أن أظهر الشيخ نفسه بمطهر الساعى الوحيد للحوار بين الأديان.
سيطرة الدولة
الخط الزمنى لما حدث فى الأزهر السنوات الماضية يعطى الكثير من الدلائل، فمنذ تفعيل قانون الأزهر عام 1961 ليصبح اختيار الشيخ بالتعيين بعد أن كان انتخابا عن طريق هيئة كبار العلماء، بدأت سيطرة الدولة على الأزهر ووصل الأمر إلى ذروته فى عهد الدكتور محمد سيد طنطاوى ليسلم مفاتيح الأزهر بالكامل للدولة، وهو ما أكده السايح بقوله إن المناصب الدينية فى مصر تقع تحت وطأة ما أسماه "الاختيار السىء" وكل الأسماء المطروحة – يضيف - هناك من هو أفضل منها علما وخلقا ودراية بحركة الحياة والمجتمع المصرى.
ملحوظة أخرى ترتبط بعصر طنطاوى فى الأزهر، حيث يجزم كثير من المطلعين على شئون الأزهر بأن الشيخ الجليل لم يترك فرصة لأحد لكى يعلو نجمه ويطغى نوره على نور الشيخ فى بداية الطريق إلى المنصب. وبذلك أصبح السؤال الصعب الآن: من الخليفة القادم لأكبر مؤسسة دينية فى مصر؟
معلومة:
1036 عام هى عمر الأزهر الشريف منذ إنشائه عام 972م.
برواز:
ولد الدكتور محمد سيد طنطاوى فى قرية سليم بمركز طما بمحافظة سوهاج عام 1928.
رغم خلو الساحة من العلماء النجوم
3 مرشحين لخلافة شيخ الأزهر.. جمعة .. زقزوق .. هاشم
الإثنين، 27 أكتوبر 2008 11:53 ص