محسن يونس: أكتب من أجل أحفادى

الأحد، 26 أكتوبر 2008 01:38 م
محسن يونس: أكتب من أجل أحفادى محسن يونس يطلق على نفسه "كاتب الصيادين"
حاوره عبد الرحمن مقلد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"إن مجرد تذكر وجه أحد الناس من قريتى من أهم المحفزات على الكتابة لدى لأنه يعود بى إلى كافة العلاقات المتشابكة بطرائفها وغرائبيتها، ومن أهم ما يجعلنى أستمر فى الكتابة هو أن يعثر أحد أحفادى فى المستقبل على أحد كتبى فيصرخ مندهشاً: "هذا جدى كان كاتباً".

بهذا الكلام يؤكد الروائى والقاص محسن يونس على نظريته الخاصة بالكتابة والإبداع واكتفائه بأن يخلص للفن بعيداًً عن الكثير من الضوضاء، التقينا به وتحدثنا عن كتاباته التى يسميها أسطورته الخاصة وخاصة على عمله الهام الأخير "سيرة جزيرة تدعى ديامو".

نشأت فى قرية على بحيرة المنزلة، كيف أثرت ظروف التنشئة عليك ككاتب له شخصية خاصة؟
هذه بيئتى وفيها ناسى الذين أنتمى إليهم، ولا أستطيع خيانتهم، - هل تندهش من قولى إن الكتابة عندى التزام، ليس بالمعنى السياسى بل بالمعنى الكامل المحتوى، ابتعاداً عن الدعائية المشمولة بالتستطيح وضيق الأفق وقصر النظر، والإنسان ليس ابن بيئته فقط، بل إنه ربيبها، والشاهد عليها فى تحولاتها، وربما يكون ثائراً عليها لأن بيئتى أعتبرها رمزى الذى أتميز به ثقافياً، بيئتى تستنطقنى، وهى ليست مجرد طيبوغرافيا، أو مجرد بيئة مادية مكونة من صيادين وبحيرة ومراكب، فعلى الكاتب أن يستكنه أسرارها ويعرف طموح أهلها، ويكن منحازاً لهم وهذا العالم لا قيمة له فى الكتابة إذا لم ينتبه الكاتب إلى السرى وغير المعلن الذى هو رحيق الكتابة، وأنا لا أكتب الواقع كما هو ولكن أكتب رؤيتى عن هذا الواقع، فأنا نشأت بين ناس ينظرون للعالم كوحدة واحدة، فعندنا فى القرية يمكن لشجرة أن تتكلم ويمكن للذئب أن يتكلم، وكذلك البقرة وحتى الصرصار.

قلت مرة أنه إذا كان سيد حجاب هو شاعر الصيادين فأنا قاص الصيادين، لماذا؟
لأنه كتب عن الصيادين واطلعت على ديوانه الرائع "صياد وجنية" فى بداية تكوينى، ووجدت هناك من يدعم رؤيتى، وأن هناك صوتاً آخر يتحدث عن هذه البيئة، فإذا كان هو شاعر أخرجته هذه البيئة، فقد أخرجت أيضاً سارداً، وقد أعطتنى هذه الفكرة حافزاً خاصاً على الكتابة، مع ما فيها من غرور من جانبى، فسيد حجاب شاعر عظيم، وتجربته تتخطى تجربتى بمراحل.

ما تعليقك على مقولة المحلية الشديدة هى الطريق الأوحد للوصول للعالمية؟
هذه المقولة تحتاج لمراجعة وتأمل أكثر لأنه يمكن لهذه المحلية أن تكون منعزلة ولا تعنى إلا ذاتها أما إذا كانت المحلية ينظر من خلالها للبشرية عموماً وفى محاولة استقطار هذه التجربة والحكمة الموجودة بها لتمتزجح برؤية الكاتب ومرتكزاته ونظرته للعالم ككل عند هذا يمكن أن نقول إن هذه الكتابة التى تنتمى لبيئة ما تتسلخ من محيطها الضيق لمحيط أكبر أوسع، هى وحدة القضايا الإنسانية بصرف النظر عن الجغرافيا.

أطلقت على كتابك "بيت الخلفة" وصف تعديدة روائية فى أداور وعلى كتابك "سيرة الجزيرة تدعى ديامو" وصف موجات قصصية ما الذى يفرض عليك هذه التسميات؟
الذى يفرض علىّ هذه التسميات هو الشكل الكتابى وروح العمل وكذلك القلق من التسميات العادية التى أخذت شكل الثبات، فكتاب "بيت الخلفة " تعديدة روائية والتعديدة هى شكل شعرى شعبى يقال على رأس الميت، لتأتى رياح الشجن من خلال تعديد مناقب الميت، وأثر الفقد على الابن أو الابنة أو الزوجة أو الجيران، وقد حولت هذا الشكل الشعبى الشعرى إلى سرد، وهذا ما أدعى أنه الجديد فى السرد المصرى، أقولها بكل تواضع، وكانت هذه الرواية ترصد التحولات التى حدثت فى قريتى بعد الانفتاح، أما كتاب "سيرة جزيرة تدعى ديامو" فهى موجات قصصية، وكان وراء التسمية نظرة إبداعية وفلسفية فالكتابة فيها تشبه سطح البحر العميق والغامض، والذى يعبر عن هذا كله بأمواجه المتتالية التى لها قمة وقاع واستطالة، وسرية .. انظر إلى البحر وتأمله تجد أن أمواجه تختلف كل موجة عن الموجة التى تلاحقها، كما تعبر هذه المجموعة عن الحياة التى تشبه البحر .. هذا من الناحية الفلسفية والواقعية على حد سواء.

إذا انتقلنا للمجموعة "سيرة جزيرة تدعى ديامو" ما معنى ديامو؟ وما فكرة الموجات القصصية؟
ديامو أحد التجليات لرؤيتى عن العالم وتصورى فنياً وربما آنياً المجتمع المصرى، جزيرة يحدها بحر وهذا البحر له موجات يمكن أن تكون مبشرة ويمكن أن تكون موجات خراب والحياة موارة بكل هذا الصراع، الموجود فى نقطة مركزه الإنسان الحكيم والجاهل، الطيب والشرير، ربما تحضرنى الآن عبارة كتبها الشاعر هشام الصباحى فى تناوله للموجات نقدياً إذ قال "إن عناوين الموجات القصصية لها سمة خاصة حيث يكون تساوى التضاد أمراً مهيمناً على هذه العناوين، وهو الجمالية الجديدة"، وأضيف أن هذه السمة تتجاوز العناوين إلى حيث البناء والرؤية أيضاً داخل كل موجة. أما عن الاسم "ديامو" فهو موجود بالفعل فى بحيرة المنزلة، وهذا المكان كنت أسمع أهلى وعشيرتى يتحدثون عنه وكان الاسم فى وقته له أثر غريب على سمعى، كان كالأساطير .. إذن يمكن أن أقول أنها مكان تخيلى وإن كانت واقعيته ماثلة فى رأس الكاتب.

وماذا عن سبب اختيار فكرة الجزيرة والبحر كمحور للعمل؟
لكل كاتب واقعه الخاص به فهناك كتاب ينتمون للصحراء مثل إبراهيم الكونى الذى يكتب كل أعماله عن الصحراء، والعبرة فى جدية الفعل الكتابى، وما يقدمه فى خريطة الإبداع، لى واقع أعرفه جيداً، ومازلت عن اتصال دائم به، ولم أنفصل عنه وهذا ما يمكن أن يشكل قدرتى الخاصة فى اكتشاف أسطورتى الخاصة بى ككاتب.

ظهر فى المجموعة مدى حرصك على خصوصية اللغة وقوة بناء العبارة، كيف عثرت على لغة المجموعة الخاصة؟
اللغة هى المادة الأولى للكاتب وعليه أن يصنع لغته الخاصة، وألا يكون مشابهاً لأحد فيها، ولابد أن تكون متناسقة مع مستوى شخصياته فلا تكون فوقها أو تحتها وعلى اللغة أن تصنع جواً خاصاً ساحراً بالمعنى الفنى للعمل، ويمكن أن نقول إنها حمالة لفكر الذين تكتبهم، وهى حالة تحمل ما حمله الكاتب من ثقافة ومن تأثيرات بيئته وناسه ويمكن أن نقول إنها حالة مزاجية وهذه المزاجية لا تعنى المجانية ولكنها الالتزام بأن تكون أنت فى لغتك ولا تشبه أحداً فى لغته.

فى هذه الأيام ظهر الكثير من الكتاب لا يهتمون باللغة ويعتبرونها مجرد وسيلة لتأدية أغراضهم وتوصيل أفكارهم؟
هذا العصر تقدمت فيه فنون أخرى كثيرة كالسينما والمسلسل التلفزيونى ولذلك لابد أن يكون للقصة والرواية لغتها الخاصة التى تجعل هناك فارقاً بين أن أشاهد أناساً يتحركون من خلال الحوار وبين أن يكون لى لغة خاصة مميزة عن هذه الأشكال. فأنا لا أملك إلا ورقة وعلىّ أن أسودها بكتابة تخاطب الكامن فى قارئى، بل تجذبه جذباً لمنطقها، فكيف إن قلدت أو كتبت مثل المسلسل التلفزيونى أن تحمل كتابى وتضيع فيه وقتك، لابد أن يكون لدى طرق لغوية تمسك بالقارئ وتجعله يسير مع التجربة من أول كلمة حتى آخر كلمة، ويشعر بعدها أنه قد قرأ شيئاً مختلفاً. فاللغة هى التى تصنع اختلافك عن الآخرين.

المجموعة تذخر بالعديد من الرسائل الممررة التى ترسلها مثل فكرة الجدران، ماذا تعنى من هذه الرسائل ؟
الجزيرة كما قلت ليست بمعزل عن المجتمع المصرى، وفكرة الجدار الأثرى تعنى فكرة ما تركه الأجداد وما نسميه حضارة، وهذا الجدار تدور حوله حياة الأبناء بين اقترابهم وابتعادهم عما يسمى حضارة بالمعنى الثقافى وليس مجرد آثار حجرية، فيشير الجدار فى بعض الموجات إلى تخلف الأبناء وفى البعض الآخر لمحاولة استنفار لهم وأحياناً يكون عبئاً حضارياً وهكذا تتعدد دلالات الجدار ولكنه يمثل تجليات الانكسار والشموخ بين القدم والحداثة بين التخلف والمدنية، كل هذا يحمله الجدار.

هل يمكن أن نسمى هذه رمزية؟
لا أميل لإطلاق لفظ الرمزية على ما أكتب وإنما هذه هى رؤيتى للعالم وطريقتى الخاصة فى تناول العالم كتابياً فأنا لا أسعى إلى الترميز وإن كان موجوداً فهو يخرج من حدود الرمزية إلى ذلك المستخفى والكامن فى حركة المجتمع.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة