لا أتصور يومًا أن يحتفل أى إنسان، مسئولاً كان أو مواطنًا، باحتلال بلاده، فذلك شىء محال!!
ولكن فاروق حسنى وزير الثقافة فى بلادنا كسر كل محال، وخرق كل قاعدة، حين أعلن المشاركة فى احتفالية فرنسية بعنوان "بونابرت ومصر" أُقِيمَتْ فى باريس..!
وبكل انهرامية ترعاها الخيبة القوية قال فاروق حسنى قبل سفره لباريس:"كانت حملة بونابرت على مصر عسكريةً، لكنّ الجانب المضىء(!!) فيها يتمثل فى أنها كانت إرهاصاتٍ مبكرةً لنهضة مصر فى عهد محمد على (ومرة أخرى!!) وشهدت تلك الفترة مرحلة جديدة من الثقافة والعلم والمعرفة(وثالثة!!)".
والحقيقة التاريخية التى يعرفها السيد الوزير، ويعرفها كل المصريين،أن الحملة الفرنسية كانت احتلالاً عسكريا لمصر، جاءت لنهب ثرواتها العلمية والطبيعية، وسرقة تراثها الحضارى والفكرى، ولم يكتفوا بنهب الحضارة المكتوبة، حتى دنسوا أرضها، والجامع الأزهر، وسفكوا الدماء، وقتلوا المئات من المصريين.
هذه هى حقائق التاريخ المسطورة فى كتب الغربيين قبل الشرقيين..فكيف يحتفى معالى الوزير باحتلال نابليون لمصر، ويتستر على الجرائم التى ارتكبها هو وجيشه بحق المصريين طوال 3 سنوات قضتها حملته البائسة، وهى تعيث فسادًا فى طول البلاد وعرضها؟!
ومن المعلوم أن المعارك التى قادها نابليون لم تكن بين جيش وجيش، إنما كانت بين جيش نابليون وشعب مصر؛ لأن ميدانها- كما يحكى الجبرتى- كان قاع المدينة، وساحة القرية، وحول العزب والكفور، وعلى شواطئ المصارف والترع...
ولم يكن للقائد الفرنسى السفاك نابليون من هدفٍ إلا الغزو, والسيطرة على البلاد من أقصاها إلى أقصاها.
ولعله قد وضع فى اعتباره ـ وهو يخطط لذلك الغزو ـ أنه سيقوم برحلة سياحية مثيرة، تلعب المغامرة فيها دورًا كبيرًا فى خَلْقِ جَوٍّ من الاستمتاع بها..!
لكن تعلم درسًا قاسيًا أقنعه بأن الشعب نَفْسَهُ هو أعظم الجيوش, وأنّ أَعْظَمَ سلاحٍ يُدَافِعُ به عن نفسه هو الصمود, وإحساسه بنفسه وبكرامته, بِحَقِّهِ فى الحياة والحرية.
إنّ الجرائم التى ارتكبها نابليون فى حق شعب مصر محفورةٌ فى ذاكرة التاريخ، لا يمكن أنْ تُنْسَى بأى حال من الأحوال.. وما قِصَّةُ محمد كُرَيِّم ـ حاكم الإسكندرية ـ عنا ببعيد..ذلك الرجل الذى تصدى بكل بسالة وشجاعة لعدوان نابليون على بلاده، فتم القبض عليه، وإرساله مُكَبَّلا بالقيود والأغلال إلى نابليون بونابرت، فحكم بإعدامه!د
ويروى الجبرتى لَحْظَةَ إعدامه المأساوية ".. فلما كان قُرْب الظهر، وقد انقضى الأجل، أركبوه حمارًا، واحتاط به عدة من العسكر، وبأيديهم السيوف المسلولة، يَقْدُمُهُم طبلٌ يضربون عليه. وشقوا به الصليبة، إلى أن ذهبوا إلى الرميلة، وكتَّفُوه وربطوه مشبوحًا، وضربوا عليه البنادق، كعادتهم(!!) مع من يقتلونه، ثم قطعوا رأسه، ورفعوه على نبوت، وطافوا به بجهات الرميلة، والمنادى يقول: هذا جزاء من يخالف الفرنسيس.."!
فأين النقلة الحضارية التى يحدثنا بها المفتونون بالغرب، والمنهزمون ثقافيا؟! ونابليون طوال سنوات احتلاله لمصر قام بالإعدام والتنكيل برموز الوطن بطريقة وحشية بربرية..
وأين إرهاصات النهضة المبكرة لمصر على يد نابليون، وخيول جنوده راحت تدنس الأزهر والمساجد، وقد وصف الجبرتى ذلك قائلاً: ".. وبدأ ضَرْبُ الأزهر بالقنابل حوالى الظهر، واستمر إلى المساء.. وأصدر بونابرت أمره إلى الجنرال بون بأن يبيد "كُلَّ" من فى الجامع(!).. ودخلوا الجامع عَنْوَةً وهم راكبون الخيول، وبينهم الْمُشَاةُ كالوعول، وتفَرَّقُوا بِصَحْنِهِ ومَقْصُورَتِه، وربطوا خيولهم بِقِبْلَتِه، وعاثوا بالأروقة والحارات، وكسروا القناديل والسهارات، وهشَّمُوا خزائن الطَّلَبة والمجاورين والكتبة، ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأوانى والقِصَاع.. والودائع والمخبآت بالدواليب والخزانات، و(دشَتُوا الكتب والمصاحف، وعلى الأرض طرحوها، وبأرجلهم ونعالهم داسوها، وأحدثوا فيه، وتَغَوَّطُوا، وبالوا، وتَمَخَّطُوا، وشربوا الشَّرَاب، وكسروا أوانيه وألقوها بصحنه ونواحيه، وكل من صادفوه به عروه ومن ثيابه أخرجوه"...انتهى كلام الجبرتى!!
بعد كل ذلك هل يحق لنا أن نحتفى بالحملة الفرنسية ونابليون، والتى كانت استعمارًا واحتلالاً لمصر؟!
ورحم الله أستاذنا جلال كشك، الذى قال فى كتابه الرائع "ودخلت الخيل الأزهر: رغم كل البيانات والمنشورات والتحليلات التى صاحبت وأعقبت الحملة الفرنسية.. فإن نابليون كان صريحا وواضحا فى تحديد مهمته فى مصر، عندما قال: سأستعمر مصر.. "!
إنّ مِنْ حق الشعب المصرى أن يطالب بمحاكمة فاروق حسنى وزير الثقافة، بعد مشاركته فى افتتاح معرض بباريس يحتفى باحتلال نابليون لمصر، ويتَسَتَّرُ على الجرائم التى ارتكبها هو وجيشه بحق المصريين..وإذا كان معالى الوزير مهزومًا ثقافيًّا، فليس من حقه نَشْرُ ثقافة الهزيمة بين أبناء هذا الوطن!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة