أزمات الفندق بدأت من حجر الأساس.. واشتعلت مع مشروع إبراهيم سليمان لردم النيل.
المكان فى روايات كبار الكتاب هو أصل الدراما، هو الكعبة التى تدور حولها الأحداث بكل ما تحمله من إثارة وتشويق، هو القاعدة التى تنطلق منها شرارة تصنع أضخم الحرائق، على ضفتى نيل مصر وبجغرافية تقول أنهما قد تكونان متقابلتين، ترتفع أخطر وأفخم وأهم بنايتين فى السنوات العشر الأخيرة من عمر مصر، بشهادة سجلات الأحداث.
هناك داخل مبنى «الفورسيزون» الذى يأكل كورنيش نيل الجيزة، أو «الفورسيزون» الذى يأكل كورنيش نيل القاهرة، تتفاعل الأحداث والقصص التى يصنعها كبارات مصر، سواء على المستوى الرسمى أو المستوى المالى لتخرج فى النهاية سيناريوهات تحدد الطريق الذى يسير فيه البلد سياسيا وفنيا واقتصاديا واجتماعيا ورياضيا، أو حتى فضائحيا بعدما أعلن طلعت السادات عن تورط مسئولين كبار فى الدولة على رأسهم رئيس الوزراء أحمد نظيف فى التلاعب بقضية طلعت مصطفى، بعد حصولهم على شقق بملايين الجنيهات فى الفورسيزون.
الأشياء كلها اجتمعت سواء عن قصد أو بدون، لتجعل من المبنيين الفخمين مصدرا للقرار أو الحدث الذى يؤثر فى الجمهور أو يشغله، ربما برهنت قضية مقتل سوزان تميم على ذلك، وكانت هى الحريق الضخم الذى انطلقت شرارته الصغيرة من داخل «الفورسيزون» ذلك المكان الذى ذهبت إليه مصادفة لتعيش مع قريبة لها تعمل هناك لتتعرف على رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى وتبدأ القصة بسلسلة من الجرائم الصغيرة والمطاردات المثيرة، وتنتهى بجريمة قتل تفاصيلها هى الأهم فى مصر الآن، وتأثيرها امتد من الصدمة الاجتماعية إلى تدهور أوضاع البورصة حتى سوق العقار فى مصر شهد بعض اللخبطة بسببها.
فى «الفورسيزون» ومن أجل عيون سوزان تميم، نجح هشام طلعت مصطفى فى التكتيم على قضية والد سوزان، الذى تم ضبطه بكميات من الهيروين يخفيها داخل ساعة حريمى سنة 2004 كما أشارالمحامى نبيه الوحش، الذى رجح وقتها أن هشام ترك الفندق لأسرة سوزان غطاءاً على كل تصرفاتهم ثم شهد نفس «الفور سيزون» المقابل لحديقة الحيوان، جريمة غامضة جذبت اهتمام الرأى العام حينما سقطت فتاة من الطابق العشرين، وانتهت القضية باعتبار الفتاة منتحرة رغم أن الشهود أشاروا إلى أنها كانت بصحبة خليل أخو سوزان تميم، ثم عاد «الفورسيزون» للأضواء مرة أخرى، حينما اختار هشام طلعت مصطفى محسن السكرى، الذى عمل مديرا لأمن الفندق لقتل سوزان فى دبى.
دعك من جرائم القتل التى أصبح «الفورسيزون» بسببها ضيفا على صفحات الحوادث ،وانظر إلى كم القضايا التى رفعها الكثير من الناشطين والأهالى ضد الفندق الذى أغلق الأمن من أجله شارعين أمام الجمهور بشكل ساهم فى زيادة الشائعات حول «فورسيزون» الذى أصبح يمثل للناس بسبب فخامته وأسعار محلاته الخيالية وأجور عاملات الضيافة التى تصل إلى 1000 دولار، حسبما أعلن موقع وظائف مصر مع كمية الحوادث والحواديت، التى تدور عنه وفيه، لغزا شغل الشارع لفترة بشائعات بدأت بالأسعار الفلكية للشقق، والتى وصلت إلى 50 مليون جنيه حسب الأنباء الشعبية، التى كانت تؤكد على أن كبارات مصر المقيمين فى «الفورسيزون» يصعدون إلى شققهم بأسانسير يحمل سياراتهم إلى أمام السرير، وكانت فيفى عبدة بطلة تلك الحدوتة لفترة ثم تم تداولها على كبار رجال الدولة ورجال الأعمال كل حسب حظه ونصيبه.
كل هذه الشائعات والجرائم رغم أنها جعلت من «الفورسيزون» حدوتة رأى عام، إلا أنها لم تكن السبب الوحيد فى جعل البنايتين السياحيتين بتلك الأهمية والخطورة، ربما كانت أسماء ملاك «الفورسيزون» سببا فى خلق تلك الأهمية، حيث لم يكن من السهل على السوق أن يستوعب شراكة بذلك الحجم، تجمع بين إمبراطور الإسكان المصرى والرجل الذى يظهر بجوار الرئيس فى الكثير من الصور، ويراه الكثيرون مقربا من جمال مبارك بشكل قوى، وبين الشيخ الذى يحتل ترتيبا متقدما فى قائمة أثرياء العالم، وتدور حوله حكايات تشبه فى خيالها حكايات ألف ليلة، فيما يتعلق بثروته وسيطرته على الفن ونجوم الطرب فى العالم العربى وحفلاته الخاصة، بل وجبروته فى التعامل مع الحكومة المصرية لدرجة جعلت الناس يرونه ندا لحكومة تخشى غضبه.
اسما الوليد بن طلال، وهشام طلعت مصطفى كشريكين فى «الفورسيزون»، كانا كافيين لإضفاء المزيد من الأهمية على المشروع الذى تشابكت فيه خطوط السلطة بالمال، خاصة فيما يتعلق «بالفور سيزون نايل بلازا» الذى تحول مشروع إنشائه إلى قضية رأى عام، بعد محاولات وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان لردم النيل، من أجل إنشاء المبنى الفخم ومن قبلها الطريقة التى استولى بها هشام طلعت مصطفى على أرض المشروع، والتى بدأت عام 1993 حينما استولى على أرض نوفابارك التى يملكها أحمد إبراهيم صاحب شركة «بيتكو» بالقوة، ثم عبر مزاد شهد تلاعبات غامضة، كانت سببا فى تحول الأمرإلى قضية شغلت الرأى العام والوسط الاقتصادى وماتزال ملفاتها بالمحاكم حتى الآن.
الأضواء لم تترك الفورسيزون أبدا وأعادته كقضية مطروحة أمام الرأى العام، بعدما أصبح الفندق طرفا فى قضية موقف الشعب المصرى منها واضحا، وهى قضية التطبيع بعد الضجة التى أثارها نواب البرلمان بسبب عرض الفيلم الإسرائيلى «زيارة الفرقة» الذى تحول لأزمة سياسية بعد طلبات إحاطة قدمها النواب لرئيس الوزراء.
سبب آخر قد لا يكون مقصودا، ولكنه ساهم بشكل أو بآخر فى أهمية «الفورسيزون» حينما ظهرت صورة للرئيس مبارك مع هشام طلعت مصطفى فى صحف الخميس 16 ديسمبر 2004 بصحبة خبر يؤكد فيه هشام أنه عرض على الرئيس مبارك مشروع فندق «فورسيزون نايل بلازا» باستثمارات بلغت 2 مليار جنيه، بهدف جذب السياحة وبارك الرئيس المشروع وشجعه على المضى قدما.
مهارة هشام كرجل إنشائى ناجح، وشهرة الوليد وفنانيه وأمواله وتلك الصبغة الرئاسية، نقلت البنايتين من محطة المشاكل إلى محطة أخطر هى صناعة الأحداث التى تسير الحياة فى مصر، بعدما تحولت البنايتان بما توفرانه من فخامة وخصوصية، مقصدا لصفوة المجتمع المصرى وكبار رجال الدولة سواء للسكن أو للسهر أو لتلك اللقاءات التى تشهد اتفاقات على صفقات تختلف فى نوعها وفى توجهها، ولكنها تتفق على تشكيل صورة الحياة فى مصر، فقليل جدا ما تجد مؤتمرا لتوقيع عقد مطرب جديد أو فيلم جديد يتم خارج «الفورسيزون» حتى صفقات انتقال اللاعبين وانتخابات اتحاد الكرة أصبحت تتم وقت الإفطار فى «الفورسيزون» الذى أصبح مقصد رجال الدولة وعلى رأسهم أنس الفقى حتى الرجل الذى يسير الأمور داخل الحزب الوطنى، الذى يسير أمور مصر بوصفه الحزب الحاكم، يقضى أغلب وقته فى «الفورسيزون»، يعمل أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطنى فى مكتبه «بالفورسيزون نايل بلازا» صباحا، ويعود إلى مسكنه ليلا «بالفورسيزون» المقابل لحديقة الحيوان، وهو نفس المكان الذى أشارت تقارير صحفية مختلفة، أنه شهد جلسات انفرادية مع النائبة السابقة شاهيناز النجار للاتفاق على تفاصيل الزواج، مكان يسكنه رجل بحجم أحمد عز فى الدولة المصرية، ويزوره أنس الفقى وزير الإعلام وكبار رجال المال والأعمال ويملكه الوليد بن طلال وهشام طلعت مصطفى، يشكل تجمعا، سهل جدا أن يستقطب البقية الباقية من رجال الدولة، وسهل جدا مع الكلام الذى يصاحب قعدات الشاى، أن يتطور ليصبح مشروعات قرارات أو وضع خطط لتنفيذ قرارات أو عقد صفقات غالبا ما تؤثر على حاضر البلد ومستقبلها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة