أحمد عبدالمعطى حجازى

يوم الامتحان يُكرم الأستاذ...!

الخميس، 23 أكتوبر 2008 01:27 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
والمدرس المصرى الذى يعتبر مثوله أمام لجنة الامتحان أو الاختبار أو التقييم فى مصر إهانة له، لا يعتبر مثوله أمام لجان الامتحان التى تعقد له ولزملائه المتقدمين للعمل فى مدارس الخليج وكلياته إهانة.

قبل بضع سنوات، حين قرأت فى بعض الصحف عن امتحانات دورية يعقدها المسئولون عن التعليم فى الولايات المتحدة الأمريكية للمدرسين فى المواد التى يقومون بتدريسها، فإن نجحوا سمحوا لهم بمواصلة العمل وإلا تعرضوا للفصل. حين قرأت عن هذه الامتحانات تمنيت أن يعقد مثلها للمدرسين المصريين الذين لم نعد نطمئن لأداء الكثيرين منهم، بعد أن تراجع مستوى الخريجين وحاملى الشهادات المتوسطة والعالية، وأصبح علينا أن نراجع كل شىء، ونعرف الأسباب التى أدت إلى هذا التراجع الخطير.

وقد علمت أن وزارة التربية والتعليم شرعت بالفعل فى عقد امتحانات للمدرسين وفى إعداد دورات تدريبية لهم ترفع من كفاءتهم، وهذا ما أثار غضب بعض المدرسين الذين اعتبروا هذه الامتحانات إهانة لا يصح أن يتعرضوا لها، وهو رد فعل مفهوم، لكن شعورنا جميعًا بالمسئولية الوطنية، يجب أن يعلو على الاعتبارات الشخصية والعاطفية، وأن نواصل السعى فى هذا الطريق ونصارح أنفسنا بالحقائق التى لابد أن نعرفها وإلا ضاع كل شىء.

والمدرس الذى يعتبر مثوله أمام لجنة امتحان إهانة له يتجاهل الإهانة الحقيقية الموجهة له، ولكل من يعمل بالتعليم فى مصر، ممثلة فى هذا المستوى المزرى الذى وصلت إليه مدارسنا ومعاهدنا ووصل إليه التلاميذ فى كل مراحل التعليم.

والمدرس المصرى الذى يعتبر مثوله أمام لجنة الامتحان أو الاختبار أو التقييم فى مصر إهانة له، لا يعتبر مثوله أمام لجان الامتحان التى تعقد له ولزملائه المتقدمين للعمل فى مدارس الخليج وكلياته إهانة، ومن المؤسف أن يتقدم بعضهم للامتحان خارج بلاده لأنه، وإن كان إهانة حقيقية، ينتظر من ورائه دخلاً أكبر، ويغضب حين يعقد له الامتحان فى مصر ويعتبره إهانة، بدلاً من أن يتفهم الأسباب الموضوعية التى دعت له، ويتعاون مع غيره فى إصلاح التعليم المصرى الذى كان مفخرة قومية، وكان شمسًا مضيئةً على الدوام تجتذب إليها طلاب العلم من المحيط إلى الخليج، وتشع بأنوارها على البلاد الشقيقة كلها من خلال البعوث والإرساليات.

لكن التعليم فى مصر فسد، وشبع فسادًا، وأصبح عاجزًا عن إصلاح نفسه بنفسه، فعلى الأمة أن تستيقظ وأن تسأل وأن تعمل على إصلاح مرافقها، وخاصة هذا المرفق الذى تقوم عليه كل المرافق.

فى الماضى كانت نتائج امتحانات آخر العام وامتحانات السنوات النهائية خاصة، تشير بأمانة إلى الجهود التى بذلت وتقيسها بدقة ووضوح فنعلم منها ما تحقق وما لم يتحقق، ونعرف الجهة التى قامت بواجبها وأدت عملها، والجهة التى قصرت، ونعرف بالتالى ما ينبغى أن نصنعه لنكافئ المجتهدين، وننبه المقصرين، ونعالج أسباب التقصير ونتلافاها.

لقد كان كل شىء واضحا، وكل مسئولية محددة، ليس فى التعليم وحده، ولكن فى منظومة العمل الوطنى كلها، فليس التعليم فى الحقيقة إلا دائرة من دوائر هذه المنظومة وحلقة من حلقاتها تعمل مع غيرها فتؤثر وتتأثر، مسئولية المدرس كانت واضحة، لأن مسئولية الناظر كانت واضحة، ومسئولية المفتش، وولى الأمر، وواضع المنهج حتى نصل إلى الوزير المسئول.

ونحن الآن نفهم كلمة المسئول بمعنى المرجع الأخير، وصاحب الأمر والنهى، وننسى المعنى الأول البديهى للكلمة، وهى أن المسئول مطالب بأن يقف أمام من يراجعونه ويسألونه ويحاسبونه، المدرس أمام الناظر، والناظر أمام المدير، والمدير أمام الوزير، والوزير أمام نواب الأمة.

والآن، أصبح كل شىء غامضًا، ولم يعد هناك ما يشير، أو يدل، أو يساعد على الفهم، أو يؤدى إلى الإصلاح.

القوانين تسن اعتباطًا فى الغالب، لتحقق ما تحتاج إليه السلطة، والقرارات تتخذ على الورق، لا تراعى الواقع القائم، ولا تفكر فى النتائج المرجوة، والحرية الممنوحة لا تتفق مساحتها مع مساحة المسئولية، والأجر لا يساوى العمل، والذى يعلن عنه ليس هو الذى يحدث بالفعل، والسلطات العليا بلا حدود، ومادمنا عاجزين عن أن نمارس حقنا فى متابعة ما يحدث ومراقبته فليس أمامنا إلا أن نعتمد على تصريحات المسئولين وما يعلنونه من نتائج.

والنتائج معروفة، لأنها نتائج كل عام، فالذين يدخلون المدارس يعدون بالملايين، ونسبة النجاح دائمًا مرتفعة، وهناك طلاب كثيرون يحصلون على الدرجات النهائية فى معظم المواد، لكنك تفاجأ بأن هؤلاء أو معظمهم مصابون بالعمى، عاجزون عن النطق، لا يميزون بين صوت فى اللغة العربية وصوت آخر، تسألهم عن كسوف الشمس فلا يجيبون، وتحدثهم عن واقعة من وقائع التاريخ فيتلعثمون، ما الذى تصنعه فى هذه الحالة؟

هل تأخذ بالمجموع الذى حصل عليه الطالب فتشهد للتعليم فى مصر، وللمعلمين، وللوزارة؟ أم تأخذ بما رأيته بعينيك وسمعته بأذنيك من قلة المعلومات، وفقر اللغة، ولامبالاة الطالب، وقلة طموحه، وتعاليه فى بعض الأحيان واستهزائه بالتعليم وبمن يهتمون به ويحرصون عليه، لأنه هو الآخر يرى بعينيه ويسمع بأذنيه.

يرى مدرسين لا يذهب الواحد منهم إلى المدرسة إلا لكى يصطاد طلاب الدروس الخصوصية، ويرى امتحانات لا تخلو من غش وتزوير، ويرى خريجين عاطلين لم يحصلوا الكثير من العلم أثناء الدراسة، ثم فقدوا القليل الذى حصلوه خلال سنوات البطالة التى لا يعرفون متى ستنتهى، ومتى يتاح لهم أن يطبقوا العلم على العمل.

ومن الطبيعى أن يكون المستوى الهابط فى مراحل التعليم الأولى هو المستوى الهابط فى المراحل المتوسطة، وهو المستوى الهابط أيضًا فى الجامعات، فإذا كان الطالب يحصل فى امتحانات الثانوية العامة على الدرجات النهائية فى اللغة العربية أو يقترب منها ثم يعجز عن كتابة صفحة بلغة صحيحة، فكيف يكون مستواه حين يلتحق بكلية من كليات الآداب؟ لن يكون أفضل كثيرًا، ومع ذلك سيحصل فى امتحان الليسانس على أعلى التقديرات، وسوف يصبح معيدًا، ثم يحصل على درجة الماجستير بامتياز، ثم يحصل على الدكتوراه بالطريقة التى حصل بها على الشهادة الابتدائية والشهادة الإعدادية، ويصبح مدرسًا، وأستاذًا، ويظل مستواه الحقيقى هو مستواه!

والذى يقال عن مستوى الطلاب المصريين الآن فى اللغة العربية يقال عن مستواهم فى اللغات الأجنبية، وعن مستواهم فى التاريخ، والجغرافيا، وفى المنطق والفلسفة، وفى العلوم والرياضيات، ونتيجة ذلك ما نراه من تدنى مستوى كل مهنة، وكل نشاط.

من المؤكد أننا سنجد دائمًا فى مصر عددًا من الكتاب الموهوبين، والأطباء الثقات، والمهندسين الممتازين، لكن المستوى العام أصبح هابطًا جدًا، وقد آن لنا أن نسأل عن السبب، وأن نعرف الجواب.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة