د. محمد مورو

قراصنة ومحاكم

الخميس، 23 أكتوبر 2008 01:29 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يمكننا ببساطة أن نقول إن عمليات القرصنة التى تمت من قبل، أو تتم الآن، أو ستتم فى المستقبل القريب، أو البعيد، هى عمل غير أخلاقى وأننا ندينه بشدة، وكفى الله الباحثين شر البحث والتدقيق، والبحث عن الأسباب والجذور، ومن ثم وضع الحلول المناسبة. ويمكننا أيضًا أن نذكر ما قاله أحد الفلاسفة اليونانيين، تعليقا على إحدى عمليات القرصنة فى ذلك الوقت، أن قرصانا ما إذا هاجم سفينة فإنه يعامل كمجرم، أما القيصر فيمكنه أن يرسل أسطوله للاستيلاء على مدن أو سفن أو بلاد فيعامل عندئذ كبطل!!.

وبين هذين الرأيين يكمن موقف ثالث، ينبغى أن نتأمله وهو أن حل مشكلات العالم لا يكون بالعلاج الجزئى، بل بالعلاج الشامل، وهو بناء نظام اقتصادى عالمى عادل، يعيد توزيع الثروة، ولا يؤدى إلى الفقر فى بلدان، والغنى فى بلدان أخرى، أو وجود طبقات بينها، بون شاسع فى البلد الواحد، وبدون هذا ستظل الجريمة تحصل كل يوم على وقود جديد من الأوضاع المتردية.

عمليات القرصنة فى الصومال أصبحت معضلة إقليمية ودولية كبيرة جدًا، وأخطر مما نتصور، لأنها ببساطة، يمكن أن تؤثر على الملاحة الدولية ونقل البترول، والأخطر، أنها يمكن أن تكون نموذجًا، بمعنى أن تظهر مناطق أخرى للقرصنة فى العالم، صحيح أن شاطئ الصومال يمتد 3200 كيلو متر، بمعنى أن من الصعب والباهظ التكاليف حراسة مثل هذا الشاطئ، خاصة أن الحكومة الانتقالية فى الصومال شديدة الضعف وبلا سيطرة من أى نوع على الشواطئ، ولكن الأمر بالفعل يمكن أن يتكرر فى مكان آخر، ولنتصور مثلاً أن الفوضى دبت فى بلد مثل موريتانيا، أو لبنان، أو فى غزة أو جنوب العراق، أو غيرها من المناطق، ولم تصبح هناك حكومة قادرة على ضبط الأمن، ألن تصبح هذه المناطق قواعد للقرصنة البحرية!!, وهكذا فإن القرصنة فى الصومال يجب أن تجعل الكثيرين يفكرون قبل اتخاذ إجراء معين، فقد كانت هناك حكومة صومالية مستقرة بالفعل هى حكومة المحاكم الشرعية، واستطاعت هذه فى غضون عام واحد، أن تحقق الأمان الداخلى ونشطت التجارة، وفتحت المطار وسيطرت على الساحل وحققت أمنًا بحريًا وبريًا، باعتراف الجميع حتى أعدى أعدائها، ولكن حين دفعت أمريكا، وتواطؤ العالم، أثيوبيا إلى غزو الصومال وأسقطوا الحكومة الشرعية، حكومة المحاكم الإسلامية، فإن الثمن كان هو الفوضى، ومن ثم ظهرت نزعات القرصنة والتمرد وكان الثمن باهظًا، فبدلا من حكومة إسلامية معتدلة، كان البديل هو الفوضى وتهديد الملاحة الدولية، فضلاً عن إمكانية تحول الصومال إلى قاعدة للإرهاب الدولى، وحسب المكتب الدولى للملاحة فإن العام الحالى حتى آخر سبتمبر سجل 61 عملية قرصنة فى سواحل الصومال، وأن القراصنة الصوماليين يحتجزون حاليًا أكثر من 12 سفينة، بينها سفينة تحمل على متنها 33 دبابة!!، ومن المعروف أن الساحل الصومالى يتحكم فى خليج عدن، عبر 3200 كيلو متر، وهو واحد من أهم المحاور البحرية فى العالم، وتمر به حوالى 16 ألف سفينة سنويًا بالإضافة إلى 30 % من الإنتاج النفطى العالمى.

وهكذا فإن العداء الغربى وغير الاستراتيجى لأى حكومة إسلامية حتى لو كانت معتدلة، يمكن أن يؤدى إلى كارثة، وبعد أن كانت المحاكم الإسلامية فى الصومال - وهى نظام معتدل جدًا - قد استطاعت أن تحقق الأمان ومن ثم استمرار الملاحة الدولية بهدوء، فإن الإطاحة بها أدى أولاً إلى ظهور حركات مقاومة أكثر راديكالية، وهذا خطر على المدى المتوسط، وأدى على المدى القريب والمباشر، إلى ظهور القرصنة، والتى تحتاج الآن إلى أساطيل كبرى، ومصاريف باهظة وحراسات مستمرة على شاطئ طويل جدًا، وهى أمور غير محكمة، ولا مضمونة بالنظر إلى فكرة التجارة ذاتها، فلو تمت حراسة كل سفينة وكل شاطئ، لانتهت فكرة التجارة البحرية أصلاً!!

فى المقابل، من الضرورى أن تفكر حكومات الغرب قبل أن تسقط أو تحاول أن تسقط حكومات مثل حماس فى غزة، أو تفرض شيئًا غير مقبول فى لبنان أو العراق، لأن البديل ربما يكون أسوأ جدًا بالنظر إلى تجربة الصومال.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة