شيالينك يا مصر.. بزيهم الكحلى المميز تلمحهم، والرقم الحديدى معلق فى ملابسهم، هذا كل ما استطاعوا الحصول عليه من هيئة السكة الحديد، يعملون «شيالين»، إلا أن ما يحملونه بداخلهم يتجاوز بمراحل ثقل حقائب الركاب.
40 سنة قضاها عم فخرى صليب فى محطة مصر، كل سنة تمر عليه تترك علامة على ملامح وجهه لتخط تجاعيد 64 عاما، مواعيده كمواعيد القطارات ثابتة لا تتغير، من الثانية عشرة ظهراً إلى التاسعة مساء.. وأحيانا من السادسة صباحاً إلى الثانية عشرة ظهراً. 600 جنيه تقريبا هو مجمل ما يتحصل عليه شهرياً، علماً بأنه لا يأخذ راتباً وإنما ذلك المبلغ هو نصيبه مما يجمعه مع زملائه ليعاد توزيعه عليهم مرة أخرى: «الحسنة اللى بتيجى بنشقها مع بعض ولو فيه مريض بنساعده»، إلى جانب أنهم يساعدون كبيرهم الذى تجاوز الخامسة والثمانين ولا يستطيع الحركة.
«الشيالون» فى محطة السكك الحديدية يعافرون من أجل الحصول على راتب من الهيئة باعتبارهم موظفين بها، لكن شكواهم لم تلق أى صدى لدى المسئولين، «لو الواحد كان بياخد راتب، كان زمانه طلع على المعاش» قالها عم فخرى فى أسف من تدهور هذه المهنة: «على عهد عبد الناصر الله يرحمه كان إللى يكسب 10 صاغ أحسن من 100 جنيه دلوقتى». عم فخرى يحصل الآن على ثلاثة جنيهات لقاء كل المشقة التى يبذلها فى حمل حقائب الركاب، عربة القطار التى يقصدها.. يتسلم الشنط بالعدد ليسلمها إلى السفرى فى القطار ويراجع العدد مع الراكب ليتأكد تماماً من أنه أخذ حقائبه كاملة.
داخل المحطة، يجلس سيد سليمان الذى أحنى العمر قامته فزاده قصراً على قصره، الابتسامة لا تفارقه حتى وهو يحكى لنا أحلك الظروف التى مر بها «شيخ الشيالين إللى مات مضانا على ورق عشان الهيئة تصرف لنا مرتب، واكتشفنا إنه مضانا ورقة تقول إننا رافضين أى راتب من الهيئة، ده طبعاً لأننا بصمجية ومش عارفين بنمضى على إيه». تلك الظروف فرضت عليهم أن يتعاونوا مع بعضهم البعض« الهيئة مش بتسأل حتى لما زميلنا اتقطع دراعه، فضل يشتغل بإيد واحدة، ما هو لو ماكناش ننبش بإيدينا زى الفراخ ح نموت من الجوع»، سألته عن رابطة الشيالين ودورها فى مثل هذه الظروف فأجابنى: «كل إللى عليها إنها تطلع كفن لما واحد فينا يموت».
ولا تتوقف صعوبة مهنة الشيال على ضعف إيرادها فحسب ولكن تصاحبها نظرة سيئة ومعاملة أسوأ «أى واحد معدى يخبطنى على كتفى بالجرنال ويقولى تعالى شيل»، «شيال» كلمة حقيرة على حد تعبيره وهو ما جعل ابنته تطالبه بتغيير مهنته إلى بائع سريح تطارده البلدية طوال الوقت لكنه يعود ليؤكد أن «أكل العيش مش عيب».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة