هل تهدد أعمال القرصنة فى جنوب البحر الأحمر الملاحة فى قناة السويس؟ هل يمكن اعتبار قناة السويس تحديداً مستهدفة من خلال تخريب الخط الملاحى الذى يربط بين طرفيه المحيط الأطلنطى والمحيط الهندى عبر البحرين المتوسط والأحمر؟ وهل القراصنة جنوب البحر الأحمر صوماليون أم أنهم طلائع لاستعمار جديد ينوى إعادة رسم خريطة القرن الأفريقى كجزء ملحق بالشرق الأوسط الكبير؟
وماذا يمكن عمله تجاه هذه التهديدات التى إن صحت، فهى أقرب إلى إعلان الحرب على مصر؟ أسئلة حملناها إلى الرجل الذى نبَّه منذ شهر فبراير الماضى بأن قناة السويس مستهدفة بالتدويل من جديد.. إنه الدكتور على الغتيت أستاذ القانون الدولى والمقارن والمحكم الدولى البارز، الذى حذر فى حواره لليوم السابع من خطورة ما يحدث فى جنوب البحر الأحمر على مصر وقناة السويس ...
ما الذى يحدث جنوب البحر الأحمر عند السواحل الصومالية؟
ما يحدث جنوب البحر الأحمر وعند السواحل الصومالية هو طلقات النيران التمهيدية فى حرب تغيير خرائط المنطقة، التى تمتد من بحر قزوين فى الشمال الشرقى والمغرب غرباً وحتى منطقة القرن الأفريقى جنوباً.
ولكن البعض يرى أن ما يحدث فى السواحل الصومالية من أعمال القرصنة لا يعدو أن يكون أعمالاً فردية؟
أية أعمال فردية هذه التى تستطيع أن تمارس لعبة عض الأصابع بين روسيا ومنافسيها الغربيين، وتحتجز سفينة روسية محملة بالسلاح، وهل يعقل أن الصومال التى تعانى من غياب الدولة ومن الانهيار الكامل فى كافة المجالات، أن يظهر بها فجأة قراصنة يملكون أجهزة رصد متقدمة وأسلحة متقدمة يستطيعون بها احتجاز سفن ضخمة تنتمى لدول كبرى، وأن يمارسون نوعاً من الهيمنة فى هذه المنطقة الحيوية من العالم.
ماذا تقصد بطلقات النيران التمهيدية؟
وقائع التغيير عبر التاريخ، تغيير الخرائط والدول والتكتلات، تبدأ بمثل هذه الأحداث التى يمكن الربط بينها حتى تتضح الصورة: غزو أفغانستان والعراق, والتغلغل الأمريكى وخلفها الناتو فى الجمهوريات الإسلامية بالاتحاد السوفيتى السابق، مروراً بحصار إيران والسيطرة على منطقة الخليج ويرتبط بذلك الوجود الأمريكى المسلح فى اليمن، والهيمنة الإسرائيلية "بالوكالة" على منطقة باب المندب, ووجود قواعد ورادارات لها فى جزر إريترية فى مدخل البحر الأحمر، وانتهاءً باحتواء قوى المعارضة للسياسة الأمريكية فى الشمال الأفريقى، كل ذلك يقدم صورة واضحة لخريطة الشرق الأوسط الكبير، التى لم يتبق على إنجازها سوى تغيير خطوط الحدود بين دولها بالإزالة والتعديل والإنشاء.
هل تشهد المنطقة إنشاء دول وإزالة أخرى؟
لقد بدأت هذه العملية بالفعل فى العراق وفى أفغانسان، وقد تتم فى منطقة القبائل بين أفغانستان وباكستان، وفى الجمهوريات الإسلامية عند بحر قزوين وصولاً إلى لبنان والخليج وفلسطين، وهذا التشكيل الجديد للمنطقة لا توجد دولة عربية بعيدة عنه.
تقول إذن إننا أمام قوى إقليمية أو قوى كبرى تقوم بتدمير الملاحة جنوب البحر الأحمر كجزء من مخطط مرسوم؟
علينا ونحن نقرأ هذه الأحداث الكبيرة أن نقرأها فى بعدها التكتيكى الأولى, وفى بعدها الاستراتيجى المرتبط بسياسات دولية وإقليمية مستقبلية، وأقول إن ما يجرى جنوب البحر الأحمر هو عمل قوى كبرى, بهدف إعلان الهيمنة على الطريق الملاحى الدولى الهام، والذى يربط بين المحيط الأطلسى، مروراً بالبحر المتوسط فقناة السويس والبحر الأحمر وحتى المحيط الهندى، وهذا الطريق الملاحى هو أهم الطرق الملاحية فى العالم.
ولكن الغرب، والولايات المتحدة تهيمن عليه فعلاً فلماذا تحتاج لإعلان هيمنتها عليه من جديد؟
هناك توافق دولى قائم حول أهمية هذا الطريق الملاحى, كما أن هناك توافقاً دولياً حول حرية الملاحة فيه، الجديد أن تنفرد قوة واحدة بالهيمنة عليه، مما يعنى إمكانية حرمانها المنافسين من استخدامه وتهديد مصالحهم، وهذا تحول خطير ينبغى الالتفات إليه.
أنت حذرت فى فبراير الماضى من استهداف القناة وإعادة تدويلها تعليقاً منك على أحاديث للأستاذ هيكل فى "الجزيرة" حول قناة السويس، وتحذر من جديد من تهديد القراصنة جنوب البحر الأحمر على القناة .. ما الربط بينهما؟
كلام هيكل حول قناة السويس بما فيه من مغالطات فادحة مضرة بسيادة مصر على القناة، أشبه بالمدفعية التى تمهد العقول لاستقبال تدويل القناة من جديد.
ماذا تعنى؟
باختصار هناك ما يعرف بـ "اتفاقية القسطنطينية" لسنة 1888، والتى تتعلق بضمان حرية الملاحة فى قناة السويس أمام جميع الدول، لكن هيكل أعاد نبش هذه الاتفاقية ليفسرها تفسيراً غريباً، يقضى بأن إدارة القناة كانت وستظل دولية، وأن ما تم تأميمه فى عام 1956 هو أسهم الشركة العالمية للملاحة البحرية التى انتهى عقد امتيازها فى 1968، دون أن يلغى ذلك الوضع الدولى ولا الإدارة الدولية للقناة كما وردت – حسب قوله ـ فى اتفاقية القسطنطينية.
ولكن مصر أممت فعلاً شركة قناة السويس ولم تؤمم القناة فى 1956؟
نعم هى أممت الشركة وأسهمها فى 1956 ولم تؤمم القناة، لكن ليس لأن إدارتها كانت وستظل دولية كما قال هيكل، وإنما لأن سيادة مصر ثابتة على قناة السويس كما أقرتها اتفاقية القسطنطينية نفسها التى استشهد بها هيكل، ولا تحتاج الدول إلى تأميم أراضيها أو بحارها الداخلية.
قد يكون خطأ فى التفسير من الأستاذ هيكل؟
هيكل يعرف أكثر من غيره أن اتفاقية القسطنطينية لسنة 1888 وفق المادتين الثامنة والثالثة عشرة منها تقر صراحة السيادة المصرية على القناة ويعرف أن التفرقة بين إدارة قناة السويس من جهة وبين السيادة على القناة من جهة ثانية كانت أمراً محسوماً أثناء الإدارة الأجنبية للقناة، وعندما يقول ويكرر أن معاهدة القسطنطينية هى المعاهدة التى تحتفظ بالحق الدولى فى الإشراف على قناة السويس للدول الكبرى فى زمانها والوارثين لها، وعدم استجابته لأى تصحيح لتفسيراته التى يعرف خطأها بالتأكيد، فإن ذلك يعتبر مدفعية سياسية قوية لتمهيد الأذهان المصرية لحدث كبير حول القناة.
مثل احتلال القناة مثلاً؟
احتلال القناة قد يتم ولكن ليس بالصورة التى قامت بها الإمبراطورية البريطانية.
وما هى الصورة الجديدة؟
أن يتم تهديد مسارها الملاحى ومنع السفن من المرور فيها بالتدريج مما يؤدى إلى خسارة كبيرة لمصر.
ولكن الدول الكبرى وحركة التجارة العالمية ستخسر أيضاً خسارة كبيرة؟
هناك خاسرون دائماً عند كل تغيير كبير فى الخريطة الدولية.
ولكن تهديد عائدات القناة ليس احتلالاً لها؟
لكنه خطوة أولى فى دفع القائمين إلى اتجاه محدد.
مثل ماذا؟
مثل خصخصة القناة.
ولكن الربط بين "خصخصة القناة" وإعادة احتلالها مسألة غير واضحة، أقرب لأن تكون افتراضية؟
أولاً الكلام عن خصخصة قناة السويس ليس جديداً، بل قائم ومطروح وإن كان هناك نفى رسمى له الآن، وثانياً استهداف الهيمنة على قناة السويس باعتبارها الرابط بين اتجاهى الخط الملاحى من المحيط الهندى من الشرق إلى المحيط الأطلسى والغرب، استهداف واقع، وهو جزء من إعادة رسم خرائط هذا الجزء من العالم المسمى بالشرق الأوسط الكبير، وثالثاً حتى تتم الهيمنة على هذا الخط الملاحى لابد من الهيمنة الكاملة على قناة السويس تمهيداً لإعادة رسم دورها الدولى، ورابعاً قد يمثل الالتقاء بين النزوع الداخلى لخصخصة القناة وبين وجود سعى لإعادة الهيمنة عليها ضمن تكريس الشرق الأوسط الكبير، مخرجاً لصناع القرار عندنا، حتى يظهروا بمظهر الخارجين من الصفقة بمكاسب.
ما الصفقة وما المكاسب؟
الصفقة هى تسليم القناة للإمبراطورية الأمريكية طوعاً لا كرهاً، أما المكاسب فهى تسويق فكرة الاستفادة المصرية القصوى من القناة، بين فئات الشعب المختلفة حتى يتقبلوا فكرة بيعها بعد تحويلها من "هيئة" إلى شركة قابضة طبعاً وطرح أسهمها فى البورصة، وسيكون المنطق الذى يتم تسويقه فى المستقبل القريب، إن خصخصة قناة السويس والخروج بمكاسب لإنجاز مشروعات التنمية، أفضل من فقدانها بالاحتلال.
هذا يظل افتراضاً.. فمن سيقبل مثل هذا التخطيط؟
ومن يستطيع الرفض، ومن لديه القدرة على الرفض؟!
