الإهمال الطبى مسلسل مستمر تمتد حلقاته ما بين المستشفيات الحكومية والعيادات الخاصة، ولكن الجديد أن عدوى الإهمال بدأت تنتقل إلى المستشفيات الخاصة.. تلك المستشفيات التى تتلقى نفقات باهظة لعلاج المرضى كدليل واضح على جودة الخدمة بها.
وجاء حادث وفاة مريضين وإصابة اثنين آخرين أثناء إجراء جراحات فى مستشفى "النيل بدراوى"ـ أكبر المستشفيات الاستثمارية فى مصرـ ليثير التساؤل: هل الإهمال فى المستشفيات الخاصة سيصبح سمة أساسية.. أم هو مجرد حالات فردية؟!
ورغم أن الفرق بين الحالات الثابت بها إهمال داخل المستشفيات العامة والخاصة كبير، حيث رصد "ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان" 75 حالة إهمال العام الماضى، كان نصيب المستشفيات الحكومية 67 حالة، أدى الإهمال إلى وفاة 21 منها، فيما كان الإهمال داخل المستشفيات الخاصة 8 حالات فقط ـ إلا أن هذه الحالات تنذر بالخطر الذى يتسلل داخل العلاج الخاص.
وحيد البدرى، مدير جمعية الدفاع عن ضحايا الإهمال الطبى، يرى أنه لا فرق بين المستشفيات الخاصة والمستشفيات الحكومية سوى المبالغ الباهظة التى تتقاضاها تلك المستشفيات، وقد تكون هذه المستشفيات تتميز بأجهزة أكثر وأحدث، إلا أن الحوادث داخلها لا تختلف كثيرا عن المستشفيات الحكومية. أرجع البدرى جزءاً كبيراً من الإهمال إلى هذه المستشفيات واعتمادها على الخدمة الفندقية داخلها، دون الاهتمام بالخدمة الطبية، ولكنه يرى كذلك أن تدنى مستوى التعليم بكليات الطب والذى يدفع بأطباء ذى مستوى مهنى سىء، من أهم الأسباب للإهمال الطبى المنتشر.
هذه الحالات مازالت فردية ولا يجوز تعميمها على مستوى المستشفيات الخاصة، هذا ما يراه دكتور شريف عمر، رئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب، والذى قال إنه لا توجد إحصائيات محددة بعدد هذه الحالات حتى يمكن الجزم بتدهور مستوى الخدمات الطبية بالمستشفيات الخاصة، ورفض دكتور شريف عمر التشهير بمستوى الخدمات الطبية فى مصر، لأن هذا يؤثر على السوق الطبى المصرى بالدول العربية التى يتوافد منها الكثير للعلاج فى مصر.
وأوضح عمر أن المستشفيات الخاصة يتم تقسيمها إلى شرائح، منها الممتاز الذى يقدم خدمة على أعلى مستوى، ومنها الجيد، وقد يكون هناك مستشفيات سيئة، ولكن فكرة التعميم غير منصفة.
الدكتور حسن عبد الفتاح، رئيس هيئة التأمين الصحى، يرى أن هناك معايير ثابتة يجب تطبيقها داخل المستشفيات دون تفرقة بين الخاص والحكومى، وهذه المعايير فى برامج للجودة يتم تطبيقها على الأدوية وغرف العمليات والتلوث الوارد حدوثه بالمستشفيات، ثم تدريب العاملين بالمستشفيات على هذه البرامج بداية من التمريض إلى الأطباء.
ويضيف دكتور حسن "لو تم تطبيق هذه الخطوات سيكون هناك معايير واضحة تحد من ظاهرة الإهمال الطبى"، وشدد على ضرورة تصحيح الصورة العالقة بأذهان المرضى بأن المستشفى الخاص أفضل طبياً من الحكومى، فى حين أن 90% من الأطباء العاملين بهذه المستشفيات أساسا يعملون بالمستشفيات الحكومية وبالتالى فالمستوى متساوٍ فى الجودة والخطأ. وطالب دكتور حسن بوضع حد لهذه التجاوزات، قد يكون بتجريم رادع لكل من يخالف النظام.
حمدى السيد نقيب الأطباء يرى أن الحادثة فى مستشفى بدراوى لا يمكن أن تمثل قاعدة ثابتة يتم التعميم على أساسها، فالأخطاء أمر وارد فى أى مكان، فلا أحد معصوم من الخطأ، ولكن الأهم ألا نخبئ الخطأ ونخفيه، بل نحقق فى أسبابه ونحاسب المخطئ، ولا أحد فوق القانون، والمستشفيات الحكومية مستواها جيد مثل المستشفيات الخاصة، والتعميم يمثل ظلماً شديداً سواء للحكومية أو الخاصة.
ويضيف نقيب الأطباء أن هناك معايير للجودة يتم تطبيقها ولكن بشكل انتقائى لبعض المستشفيات، أو تلقائى من مستشفيات أخرى، ولكن من المنتظر إقرار قانون الجودة الطبية خلال الدورة البرلمانية القادمة، والذى سيضع معايير ثابتة يتم تطبيقها على جميع المستشفيات، سواء خاصة أو حكومية، وإقرار عقاب قاسى على المستشفيات المخالفة، مشيرا إلى أن هذا القانون سيقلل كثيرا من الأخطاء الطبية. تعددت الأسباب والإهمال واحد.. يتكرر داخل المستشفيات الحكومية والخاصة، دون تعميم أو تخصيص لأحدهما، وربما يكون الحل فى قانون الجودة القادم، ولذلك علينا الانتظار.
