وفاة الكاتبة نعمات البحيرى

الجمعة، 17 أكتوبر 2008 06:12 م
وفاة الكاتبة نعمات البحيرى نعمات البحيرى رحلت بعد صراع طويل مع المرض
كتبت هويدا صالح

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نعمات شربنا شايك الجميل فى " شاى القمر"
واستمعنا لشجوك عند "أشجار قليلة عن المنحنى"
ورأيناك امرأة جميلة فى "يوميات امرأة مشعة"

ربما تركناك وحيدة تعانين قسوة المرض وزحفه على جسدك وروحك التى تتآكل واحدة واحدة.. سكنت مدينة صحراوية بعيدة ولم تعط فرصة لأصدقائك كى يكونوا بجانبك ساعة الألم... لم ننشغل عنك بخطرنا.. لكنها الحياة التى تلهينا حتى عن أرواحنا... قاومت وحاربت المرض بالكتابة.. تخيلت أنك بقلمك فقط تستطيعين مراوغة ملاك الموت كى لا يعرف طريقه إلى روحك.. ينسلها بهدوء كخياط ماهر يعرف كيف يشد الخيط من قماش متآكل كى ما يتمزق ...

تراك الآن تشعرين بدموع من يلوم نفسه لأنه نسيك فى زحمة الحياة.. تراك الآن تنظرين من عل إلى فتاة صغيرة تمسك بيوميات امرأة مشعة تقرأها وتتألم من أجلك.. تراك أعطيتها تعويذة ضد الألم... وضد ضعف النساء...

فى ذمة الله نعمات البحيرى... روحك هناك ستسكن الجنان.. روحك هناك ستهدأ أخيرا بعد طول معاناة. هذه المعاناة التى صورت جوانب منها فى كتابها "يوميات امرأة مشعة"، وقد شُيعت الجنازة من مسجد النور بالعباسية صباحا، وسيُقام العزاء فى مسجد التوحيد بالعباسية فى الثامنة من مساء اليوم، الجمعة.

أديبة وروائية وقاصة مصرية، اسمها كاملا: نعمات محمد مرسى البحيرى، ولدت بالقاهرة بحى العباسية البحرية فى 16/6/1953، ثم عادت مع أمها لتعيش طفولتها المبكرة فى بيت جدها فى تل بنى تميم بشبين القناطر..قليوبية.. تخرجت فى كلية التجارة عام 1976، جامعة عين شمس شعبة محاسبة.. ظلت تعمل فى شركة للكهرباء كأخصائية للشئون الإدارية حتى مرضت بفعل عوامل قهر الوظيفة وعوامل أخرى فى أكتوبر 2004.. لكنها ظلت تقاوم اعتلال الروح لتقدم رؤيتها للعالم كتابة وحياة. نعمات البحيرى من جيل الثمانينيات فى كتابة القصة القصيرة والرواية، كما أنها كانت عضوا فى العديد من الهيئات مثل، اتحاد كتاب مصر، آتيلييه الكتاب والفنانين، نادى القصة بالقاهرة، جمعية الفيلم.

احتفى بكتابتها العديد من النقاد من كافة الأجيال، منهم إبراهيم فتحى وفريدة النقاش والدكتور سيد البحراوى ود.محمد الرميحى، والدكتور مصطفى الضبع والدكتور مجدى توفيق ومن الشعراء جمال القصاص وشعبان يوسف وعواد ناصر وحلمى سالم ومن القصاصين والروائيين محمد مستجاب وفؤاد قنديل وعبد الرحمن مجيد الربيعى وسيد الوكيل وأميرة الطحاوى، ومن الباحثات الأجنبيات كتبت عنها كارولين سيمور الأمريكية وميرلين بوث الأمريكية وأديزونى ايلو الإيطالية.

ترجم لها العديد من القصص للإنجليزية وللفرنسية وللإيطالية وللكردية.

سافرت ضمن وفود ثقافية كثيرة، وكتبت عن أسفارها ونشرت عنها.

تزوجت من شاعر وناقد عراقى بعد قصة حب شهيرة وعاشت معه فى العراق فى نهاية الثمانينيات..واستوحت تجربتها معه فى روايتها "أشجار قليلة عند المنحنى" الصادرة عن دار الهلال عام 2000.

كتبت الدراما التليفزيونية لقصتها القصيرة "نساء الصمت" وقامت بإنتاجها شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات وقامت بتمثيلها سمية الألفى.

كتبت عن أفلام الموجة السينمائية الجديدة لمحمد خان وخيرى بشارة، ورصدت المخرجات وكاتبات السيناريو الجدد بما يقدمنه من رؤى جديدة للحياة..مثل عزة شلبى وساندرا نشأت وهالة خليل ووسام سليمان.

صدر لها العديد من المجموعات القصصية والروايات منها "نصف امرأة"، " العاشقون"، "ارتحالات اللؤلؤ"، "ضلع أعوج"، رواية "أشجار قليلة عند المنحنى"، "حكايات المرأة الوحيدة" وللأطفال صدر لنعمات البحيرى الكثير من الإصدارات منها "النار الطيبة"، "الفتفوتة تغزو السماء"، "وصية الأزهار"، "بالونة سحر"، "رسومات نيرمين"، "رحلة الأصدقاء الثلاثة" كما نشرت قصصا وسيناريوهات الأطفال متفرقة بدوريات مصرية وعربية مثل علاء الدين وقطر الندى و العربى الصغير وماجد...وغيرها نشرت قصصها ومقالاتها فى أغلب المجلات والجرائد المصرية والعربية مثل الأهرام والحياة والشرق الاوسط والأخبار وأخبار الأدب، وغيرها

حصلت على منحة قصر لافينى بسويسرا عن مؤسسة رولت فونداشن للفنانين ..أنهت فيها روايتها "أشجار قليلة عند المنحنى" التى صدرت عن دار الهلال فى عام 2000.

حصلت على منحة تفرغ لمدة ثلاث سنوات لكتابة ثلاث روايات وعدد من المجموعات القصصية منها حكايات المرأة الوحيدة وارتحالات اللؤلؤ وأشجار قليلة عند المنحنى..

ترجمت بعض قصصها إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والكردية..

تكتب المقال والنقد السينمائى والسيناريو وأدب الرحلات

احتفى بكتابة نعمات البحيرى العديد من النقاد والشعراء والقصاصين والروائيين من المصريين والعرب...

قالوا عنها
قال عنها الناقد إبراهيم فتحى
"برعت نعمات البحيرى فى تصوير الواقع الديكتاتورى فى روايتها "أشجار قليلة عند المنحنى" التى تمس كل الجروح وتتحدث عن صحراء الروح بكل أشكالها وتكتب بطريقة حية جديدة محاولة تصوير الشخصية الانسانية ليس فى مصر فقط بل وفى العالم أيضا".
قالت عنها الناقدة فريدة النقاش "من عالم المتخيل من هذا العالم الغائب الحاضر منه كذاكرة يبليها الزمن ويحييها الإبداع تأتى نعمات البحيرى إلى الكتابة باعتبارها ضد الفناء خلودا وتبنى عالم نصها متخيلة له نظامه أى نسقه وتحاول به حوارا مع هذا المتخيل فيصبح عملا أدبيا يشدنا إليه بخيوط من المتعة والمعرفة والأسى. والكتابة عندها هى انتصار على الموت لأنها تنطوى على شوق للإفصاح عن مبهم أو عن مجهول، والكتابة هى توقنا لأن نولد أبدا فى اللغة ونبقى."

قال عنها الشاعر العراقى عواد ناصر
تحت عنوان "أشجار قليلة عند المنحنى رواية عربية عن العراق لا تتملق أحدا.."
"هذه الرواية شهادة عربية خارج مراسيم السيادة الرسمية وبروتوكولات العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وقد كتبتها نعمات البحيرى بحس فنى راق لم تنكفىء به فى دهاليز الموت والغباء وانعدام اللغة الطبيعية بين الكائنات بل منحته ألقا خاصا من الصدق أملى بدوره تعبيرية وجدانية تمتلك القابلية على موازنة العسف بالحميمية والقسوة بالشفاهية، الأمر الذى جعلنا نستمتع برواية جميلة توفرت على عنصرى الإبداع والتشويق رغم قسوة المادة الخام ووحشة المكان حيث يفتقد أهم ما يحيله إلى ركن قابل للحياة، الحب".

من يوميات امرأة مشعة
إنهم يسرطنون مصر
من مصلحة من أن تسرطن مصر.. الصورة صارت قاتمة تماما وكأن هناك نية مبيتة لنوع من حرب الإبادة المنظمة للشعب المصرى.. طعام ملوث بالكيماويات المسرطنة ومياه ملوثة وقطارات موت وعبارات غرق واتوبيسات دمار، ومسارح للحرق والفناء ومسلسلات هدر للمال العام، والوقت والطاقة وسينما تفرغ الناس من محتواهم الإنسانى وتشل إرادة الحياة وبطالة تعصف بالأحلام وتغيم الأفق وتنشر الاكتئاب بين الشباب وأهلهم. وعنوسة مزمنة وطلاق سريع وهجرة إلى الداخل فى شكل التماهى مع أفكار معتمة. وكلها فى تصورى سرطنة لجسم المجتمع كما سرطنت أجسادنا.

يبدو أن الإحساس المقيم والمستقر والمتصل بأن المرء الذى يحمل مرض السرطان يعيش حياة ترانزيت فوق الأرض يجعله يطلق الصراح لضربات الألم ولا يسكتها، فكل المسكنات تبوء بالفشل فيقفز على الألم قفزات هائلة ويستن لنفسه مخارج غير الآهات وعض الأرض ونبش التراب، وكأنه بمغامرة يأسه يشق طريق الأمل لغيره..

فى أغلب مراكز ومستشفيات علاج الأورام ترى موظفا، وبمجرد أن يرى الموظف المريض منا حتى يصول ويجول فى اختبار قدرته على قهر البشر عبر تعليمات وإجراءات بيروقراطية. وكأنه إعادة إنتاج للقهر الواقع عليه، أعلم أنهم يسقون الموظفين والموظفات قداسة الروتين والبيروقراطية بملعقة التكريس لمركزية السلطة الوظيفية، وربما لضمان نزح السيل الجارف من أموال التأمين الصحى. هو موظف واحد يمسك بيده كل الخيوط والباقى ديكور ومناظر مرصوصة على الجوانب وفى الزوايا والأركان. وليس مهما إلا قهر المريض أو سحقه إلى أن ينهى لهم الإجراءات لكى يصبح بمقدوره أن يتلقى علاجا ليس له نتائج مؤكدة. فالمرض خبيث ومراوغ. ما إن يطمئن المريض بعد التدخل الجراحى وتلقى العلاج الكيماوى والإشعاعى وغيره حتى يجده أرسل رسائل إلى أعضاء أخرى، ربما يفشل فيها التدخل الجراحى والعلاج الكيماوى والإشعاعى اللذين صاروا مثل الحديد والزرنيخ أيام زمان.

بيروقراطية الروتين سرطان.. مرض خبيث آخر وأكثر خبثا لأن الذين يمارسون طقوسه القهرية بشر مثلنا، يتربصون بالمرضى فى أغلب مراكز الأورام فى مصر التى مازلنا نشم فيها بعض رائحة دعم الحكومة لعلاج الفقراء، يتركون الموظفين والموظفات سوطا لجلد المرضى والمريضات. فى غرفة تسجيل خطاب العلاج الإشعاعى موظفة منقبة تسمع للأخرى آية قرآنية من المصحف الذى تمسكه بيدها المغطاة بقفاز أسود، ربما أسود من أيامنا وتنظر لى بتأفف حين أطلب منها تصوير الخطاب. ثم جاء آخر ونحيت جانبا مسألة ازدرائها المزمن مثل المرض لغير المحجبات.. هل يأمرها الله بأن تقمع المرضى فى مكان مثل هذا، أم أن الله حث فى كل آياته على الرفق بالمريض والضعيف والفقير. وأغلب رواد معهد ناصر من أضلاع هذا المثلث..

الأحد.....
فى المبنى الفخيم لمركز الأورام بمعهد ناصر رجل ريفى فى ثياب مهترئة يسير على عصا يتجاسر على أزمته ويأتى وحيدا مثلى.. معذرة يا عم طه حسين الذى كان أول من نادى فى مستقبل الثقافة فى مصر، بعدم الإفراط فى أبنية المدارس حتى لا يكره التلاميذ بيوتهم. نفس الصورة قفزت إلى مخيلتى وأنا أسير داخل أروقة مبنى مركز الأورام الفخيم، والمرضى يترنحون بين القاعات والطرقات فى ثياب مهترئة.

الرجل الريفى خلع قلبى حين جعلت الموظفة مسألته أكثر تعقيدا.. اذهب وتعالى واطلع وانزل.. والسرطان يفرى بهمته ويجهز عليها والتعب يأكل من روحه.. التقيت مع الريفى الأسمر فى نظرات قال لى...

بيقولوا إنك كاتبة.... أمانة لو شفت وزير الصحة قوليله مش كفاية علينا المرض.. كمان قهر الموظفين والموظفات.. الفلاح الفقير لا يدرى أن السرطان جاء أصلا نتيجة تراكم القهر طبقات كالطبقات الجيولوجية على الروح والجسد.. وقمع الروح يدفع عنه الجسد الفاتورة كاملة..





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة