منصور حسن: الحزب الوطنى غير إصلاحى والدولة قد تنتهى بثورة شعبية
حسب الله الكفراوى: سياسات عصر مبارك كارثة
عبدالعزيز حجازى: الدولة الآن بلا هيكل تنظيمى ومنظومتها الاقتصادية غير كاملة
السادات هو مهندس سياسات مصر الحالية، والتى ندفع ثمنها فقرا وتبعية واستبدادا، فالأحزاب السياسية التى ولدت بقرار رئاسى «1976» مهدت الطريق إلى موت كامل للحياة الحزبية، والانفتاح الاقتصادى «1974» مهد الطريق إلى الخصخصة، والذهاب إلى كامب ديفيد أضاع فلسطين، ومقولة إن 99 % من أوراق الصراع مع إسرائيل فى يد أمريكا، قادتنا إلى تبعية كاملة لواشنطن، هكذا يرى المعارضون «جذريا» لمرحلة السادات، المرحلة الحالية، هم لا يعتبرون السياسات الحالية نبتا شيطانيا، أو رؤية متفردة تنسب إلى رمزها السياسى والتاريخى الأول الرئيس حسنى مبارك، وإنما هى بمثابة قطف الثمار لسنوات انقلب فيها السادات انقلابا كاملا على ما فعلته ثورة يوليو 1952 وزعيمها جمال عبدالناصر، ويرى ذلك بقدر كبير التيارات اليسارية، وبقدر كامل التيارات القومية، وبين الاثنين تقف تيارات الإسلام السياسى برؤى تقترب فى التهديف مع اليساريين والقوميين فى آن واحد، لكنها تختلف فى التكتيك، ومن قلب هذه الصورة نفهم وبسهولة سر وطريقة وأداء وانتقادات شخصيات مثل محمد حسنين هيكل وضياء الدين داود، ومحمود أمين العالم وحمدين صباحى وحسام عيسى، وعبد الحليم قنديل، وحسين عبدالرازق، وطارق البشرى، و د.جلال أمين، ومهدى عاكف، وغيرهم لمرحلة مبارك، ومن قبله السادات، فهؤلاء جميعا يرون أننا نعيش مرحلة واحدة بدأت مع السادات وتتواصل مع مبارك، ويكمن التغيير فقط فى اللاعبين على المسرح.
من قلب الصورة أيضًا يأتى الحديث عن اللاعبين الآخرين، فمنهم من يسكنه السادات قلبا وعقلا، ويرى فى مرحتله فعلا غير ممتد، وأن السياسات الحالية لا تمت بصلة إلى مرحلة السادات، والمفارقة هنا أن من هؤلاء من كان فى طاقم خدمة الرئيس، فلماذا جاء هذا الانقلاب؟ وبالتالى هل أصبحنا أمام جبهة متسعة من المعارضة لا تقتصر فقط على القوى التقليدية من اليسار والإسلاميين والقوميين؟ وهل نحن بصدد رؤى مغايرة لمراحلنا التاريخية؟ أم نحن بصدد رجال انتفضوا فى النقد بعد أن غادرهم بريق السلطة وأضواؤها؟، أم نحن بصدد ساداتية وجدت رجالا يدافعون عنها على العكس مما يراه بعض السياسيين والمفكرين بأن «السادات سياسة بلا ساداتيين»، وهو الأمر الذى أشارت اليه السيدة جيهان السادات ذات مرة فى حديث إلى قناة الجزيرة بقولها إن سياسة السادات لم تترك من يدافع عنها عكس سياسة الرئيس جمال عبد الناصر.
الخلاصة نطرحها فى سؤال عريض: لماذا يهاجم رجال السادات المؤثرون سياسة مبارك؟ ثلاثة أسماء يأتى من عندهم الخبر وهم منصور حسن وزير إعلام السادات، وساعده الأيمن فى القرارات السياسية المهمة مثل تأسيس الحزب الوطنى عام 1978، وحسب الله الكفراوى وزير التعمير واستصلاح الأراضى فى عهد السادات، ووزير التعمير والإسكان فى عهد مبارك، ود. عبدالعزيز حجازى رئيس وزراء السادات، والمهندس الفعلى لسياسة الانفتاح الاقتصادى.
منصور حسن يملك إرثا سياسيا غرس بذوره قبل ثورة يوليو 1952 وبدأ من التظاهر ضد الاحتلال الإنجليزى وهو طالب صغير السن مرورا باقتحامه عالم السياسة باختياره من السادات وزيرا، ومسئولا أول عن تكوين الحزب الوطنى الذى أراده السادات بديلا عن حزب مصر العربى الاشتراكى «الوسط»، ورغم ذلك خرج من الخدمة الوزارية مع السادات بعد خلاف، أراد من خلاله أن يبقى على استقلالية رأيه، ورغم ذلك لا يمل من التأكيد على حب السادات والإيمان به، لكن هذا لا يمنعه من القول «أن النظام الحالى من بعد الثورة إلى الآن، نظام شمولى فردى»، ويقول: «نظام بهذا الشكل تخلق له نظريات تجعل وجوده بهذا الشكل المهين وضعًا طبيعيًا، ويرى «أن الحزب الوطنى غير حقيقى، ويؤكد أن محاولات إصلاحه لن تسفر عن نتائج» ويقول: «أرى أن هذا صعب وقد يكون مستحيلا، لأن نموه مرتبط بالسلطة، فهى تريده ليتولى القضايا الشعبية، وبالتالى لا يكون حزبا، إنما جناح الحكومة المختص بالعمل الشعبى»، ويزيد منصور حسن فى نقده بالقول: «إذا ما كانش ينصلح يبقى يحل»، ومن هذه القراءة يضع منصور حسن مصر أمام ثلاثة سيناريوهات هى: إصلاح النظام السياسى من الداخل، أو الثورة الشعبية التى ستؤدى إلى الفوضى، أو الانقلاب غير محمود العواقب، انتقادات حسن التى امتدت فى حواراته القليلة الى الاقتصاد والسياسة وقضايا أخري، جعلته صوب الانتقادات من الآلة الإعلامية المحسوبة على الحزب الوطنى بطريقة بدت وكأنها تريد إخراجه من سرب السياسات التى كان أحد أعمدتها فى الماضى، لكن هل ما يقوله يعد انتقالا له من خانة المرحلة الممتدة من السادات حتى مبارك إلى نقيضها. د. عمرو الشوبكى الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام يرى أن هذا النوع من الهجوم لا يعد هجوما على العصر بقدر ما هو هجوم على جموده، ويراه أيضًا أنه ليس موجها ضد مبارك نفسه، وإنما ضد بقاء الرئيس 23 سنة فى السلطة، وضد حالة الجمود المترتبة على طول هذا البقاء.
كلمات الشوبكى نجد ظلها فى آراء المهندس حسب الله الكفراوى الذى لا يمل من التأكيد على حكمة السادات فى قراراته: «لديه رؤية وصاحب فكر.. أنا حفضل حزين على السادات حتى أموت».. الكفراوى ورغم هذا القطع منه فى حب السادات سياسة وشخصا بالدرجة التى ربما تغيظ معارضى السادات إلا أنه اكتسب احترام قوى سياسية مختلفة من اليسار إلى الإسلاميين والقوميين، وأثناء خدمته الوزارية مع الرئيس مبارك، والتى امتدت إلى 12 عاما وقبلها 5 سنوات مع السادات، هذه الخلفية هل تعطينا مؤشرا على أن آراءه الانتقادية اللاذعة الحالية للنظام هى امتداد طبيعى لتكوينه السياسى؟
الكفراوى يقسم خدمته مع مبارك إلى مرحلتين، الأولى تشمل ثمانى سنوات، ويذكرها بالخير: «كانت امتدادًا لسياسة السادات فى كل أجهزة الدولة، وكنت مرتاحا للعمل معه» أما الثانية وتشمل أربع سنوات فينتقدها انتقادا لاذعا« :كنت أتعشى لبن وزبادى أتقيأهما دما«، الكفراوى يرمى انتقاداته للمرحلة الحالية فى أكثر من اتجاه: «أنا كنت سأصاب بالشلل عندما قرأت عن خصخصة شركات الأسمنت» و«حكاية تعمير سيناء كانت أمنية حياتى أن يسكن فيها 3 ملايين مصرى، ولم يحدث فيها شىء»، ويصف الاعتماد على مياه النيل فى زراعة توشكى بالكارثة: «هذه كارثة.. فمواردنا من مياه النيل محدودة، كما أن مياه النيل محدودة، ويجب الاعتماد على مصدر جوفى ولكن بتكلفة أقل وفى موقع مناسب»، حرائق الكفراوى امتدت إلى صب غضبه على ما قيل بأن خبراء إسرائيليين موجودون فى السد العالى فى حال إذا كان الأمر صحيحا، وهى لا تقتصر على صميم تخصصه استصلاح الأراضى وما يحدث فيها، والمجتمعات العمرانية وغيرها وإنما تمتد إلى كل مناحى الحياة السياسية، نقول أن هذه الحرائق بدأت خافتة بعد خروجه من منصبه الوزارى بسنوات، لكنها ازدادت فى الآونة الأخيرة، وهو ما يفتح عليه النار كما حدث مع منصور حسن، ويتوقع عمرو الشوبكى أن يزداد تبادل الهجوم بين الطرفين فى المرحلة المقبلة: «النقد يزداد لعدم كفاءة النظام واضطراب الأداء العام»، ويضيف: «جزء كبير من النخبة المؤيدة لتوجهات النظام معترضة على أدائه، حسب الله الكفراوى شخص نزيه، مناهض للفساد، لكنه يعترض على عدم كفاءة النظام»، رأى الشوبكى يختلف معه د. جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، عضو أمانة السياسات فى الحزب الوطنى قائلا: «هجوم رموز عصر السادات ينصب على الحكومة التى يختلفون معها» وبعيد عن شخص الرئيس أو توجهات نظامه، عودة يضيف: «هناك فرق بين أن أكون فى النظام وأهاجم سياسة الحكومة التى أختلف معها، وبين أن أهاجمها».
عبدالعزيز حجازى رئيس الوزراء مع السادات، شأنه شأن منصور حسن، لم يخدما تنفيذيا مع الرئيس مبارك، وإذا كان حجازى قد واصل مع السادات لفترة، فإن صناعته السياسية والتنفيذية جاءت من المرحلة الناصرية، ونادرا ما نراه ينتقدها بل هو كثير الإشادة بها: «عبدالناصر كان قارئا جيدا للتقارير الاقتصادية، وكان يناقش وزيرا وزيرا، وكان عندما يكلفنى كوزير للمالية بأمر ما، يكلف ثلاثة آخرين بنفس الأمر، ويكلف هيكل بتجميع معلومات عما أمر بتنفيذه ليتأكد مما إذا كان الناس شعروا به أم لا».. يتذكر حجازى: «سأل عبدالناصر وزير النقل فى إحدى المرات عن تطوير وسائل النقل العام، فكان جوابه: «كله تمام يا أفندم».. فأمر هيكل أن يصور الصحفيون الأتوبيسات ويكتب له تقريرا عن حالة المواصلات، وفوجئ الوزير بعبدالناصر يقول له: «اتفضل هذه صورة وسائل المواصلات التى تقول عليها إن كله تمام.. وكانت صور الناس متشعبطة فى الأتوبيسات».. أما عن السادات فيعترف حجازى بأنه لم يكن يقرأ التقارير الاقتصادية: «كنت ألتقى به كل يوم سبت من كل أسبوع أشرح له الموقف الاقتصادى» بالرغم من إشارات حجازى الإيجابية فى حق عبدالناصر، إلا أنه لم يسلم من هجوم الناصريين واليساريين، بتحميله مسئولية ما يحدث الآن لأنه هو المهندس الفعلى لسياسة الانفتاح الاقتصادى التى انتهجها السادات، وكانت اللبنة الأولى فى صرح الخصخصة، لكنه يرد: «الانفتاح لم يدمر الاقتصاد المصرى إطلاقا بل أتى باستثمارات».. ما الداعى إذًا لهجوم حجازى على مرحلة مبارك، هو يرد: «المليارات التى تم تحصيلها من الخصخصة سددوا بها الديون، ودفعوا منها المعاش المبكر فقط لا غير، وكأنها لم تجن شيئًا»، وفى موضع آخر يمتد الانتقاد : «ليس لدينا هيكل تنظيمى ثابت، والمنظومة الاقتصادية غير مكتملة، ومازالوا حتى الآن، يقولون: نخصخص أم لا نخصخص.. كان يفترض بعد مرور 30 عاما على الانفتاح أن نكون قد استقررنا على نظام اقتصادى واضح».. حجازى الذى يراه الشوبكى: «أهم رؤساء الوزراء فى مصر» يشدد على أن انتقاداته يحكمها عوامل متعددة منها مثلا، أن أيام السادات، كان هناك نظام تختلف عليه، لكن الآن لا يوجد نظام، لأجل هذا تزداد حدة انتقادات المحسوبين على مرحلة السادات. السؤال الباقى: هل جاء ذلك بتأثير البعد عن دائرة الضوء؟ أو بالأدق البعد عن دائرة صنع القرار؟.. هناك من لا يتجاهل ذلك، «هذه عوامل تدخل فى الاعتبار»، هكذا يذهب الشوبكى، لكن قصة من التاريخ، ربما تفسر شيئًا، فأثناء مرحلة الاتحاد السوفيتى، وبعد موت سكرتير الحزب الشيوعى ستالين، وتولى خروشوف وقف أمام أول مؤتمر للحزب يعدد خطايا ستالين وجرائمه الدموية، فجاءته ورقة دون توقيع تسأله: أين كنت وقتئذ؟.. فأجاب: كنت أجلس مثلكم، ربما تنطبق هذه القصة على البعض ولا تنطبق على آخرين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة