د.ياسر العدل

فقهاء السلطان الجائر

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2008 03:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى كل يوم يتلقى المسلمون مئات من فتاوى ونصائح دينية متعارضة تربك حياة البسطاء وتنشئ علاقات تخلف حضارى مهين، فتاوى التعامل مع البنوك والعلاقات الأسرية هى من أبرز الأمثلة التى تعبر عن ذلك.

فإذا كان القرآن هو المصدر الأول فى التشريع الإسلامى وكان صحيح السنة يأتى مصدراً فى المرتبة الثانية، وإذا كان الكثير من الآيات والأحاديث يصعب فهمه أو تناول حيثياته بالنسبة لعقل المسلم البسيط المحاصر بثقافة متواضعة، ستكون النتائج المنطقية المترتبة على هذه الفروض هى صعوبة فهم الأسس الفكرية لصحيح الإسلام المعتمد على القرآن والسنة، ويبقى العقل الجمعى للمسلمين عارياً أسطورياً فى مواجهة فتاوى فقهاء السلطان دون تقييم، فلا يستطيع الفصل بين الغث والثمين، أسطورياً يكرس لقدسية فقهاء السلطان فكراً وسلوكاً، إنه عقل جمعى يستعذب تخلفنا المريع حضارياً ولا يجد غضاضة فى صياغة أساطير تبرر قدسية هذا التخلف.

الفقيه المعروف فى عصره، صاحب الفتاوى الأولى بالإتباع، هو إنسان لا قدسية لفتواه، والفتوى عند العقلاء تبقى فى كل وقت محل تصديق أو اجتهاد، هذا الفقيه يحتاج وجوده إلى علم يصل إلى الناس من خلال سلطة عقلية تصنعه، تؤازرها سلطة إعلامية تنشره، هكذا تسعى سلطة الحكم لصناعة عقل جمعى تحشر فيه قدسية وجودها، تلبس فى عقول البسطاء أن فتاوى فقهائها أقوال مقدسة وعلم مضبوط، ويبقى السلطان الجائر ممسكاً بمصادر العلم وبأدوات السلطة.

هكذا مع غياب العلم، أصبح البسطاء فى بلادنا يسعون من جهل أو من مصلحة لتحقيق مصالحهم عبر ما يستهويهم من فتاوى دينية، قد يرون أن فقهاء الوهابية فى الحرم المكى أكثر قدسية من فقهاء السنة فى الأزهر، أو يرون أن أهل الأزهر أكثر اقتراباً من ولاية الحق عن فقهاء الشيعة فى قم والنجف الأشرف، إنهم بسطاء لا يعلمون أن فقهاء الحرم أو الأزهر أو النجف أو قنوات التلفزيون أو صحف الحوائط مجرد "علماء دين حبيس" لا ينشرونه دون الاستعانة بقوة سلطان يطمعون فى جواره، سواء كان السلطان ملكاً خادماً للحرمين بمكة أو رئيساً فى الأزهر بالقاهرة أو إماماً معصوماً فى قم بإيران أو مختبئاً فى النجف بالعراق أو وزيراً فى التلفزيون أو مجنداً فى مباحث أمن الدولة أو مولاى فى المغرب.

هكذا مع غياب الحرية السياسية فى بلادنا تنتشر تجارة الفتاوى الدينية الرديئة، يصدرها فقهاء السلطان الجائر، تطمس قلوبنا فنعيش فى الخرافة، وتكفر عقولنا فلا ندرك موضوعية وجود الأشياء من حولنا، ولا ندرك أن ما يبقى صالحاً فى الأرض هو الفكر الموضوعى، فكر يبنى على العقل ويقبل محنة الجدل وينسب قدسية الفكرة إلى مدى صلاحيتها لتحقيق رفاهية الإنسان.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة