انطباعات متباينة سادت الأوساط الصحفية التى كانت تنتظر بترقب، الحكم فى قضية شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوى ضد عادل حمودة رئيس تحرير جريدة الفجر ومحمد الباز نائب رئيس التحرير، والذى صدر أمس السبت وقضى بتغريمهما 80 ألف جنيه وإلزامهما بدفع المصاريف الإدارية.
كان محمد الباز هادئاً جداً فى وصف انطباعه عن الحكم، معتبراً يوم صدور الحكم أطول يوم مر عليه منذ عمله صحفياً، مؤكداً لليوم السابع قبوله للحكم وعدم اعتراضه على أحكام القضاء, وأنهم كانوا متوقعين "الحبس" وهو أسوأ.
ورغم انتقاده لتغليظ الغرامة, إلا أن الباز اعتبرها أهون من الحبس معلقاً "أنا ماعنديش استعداد أتحبس يوم واحد عشان خاطر حد، وهذا الحكم ليس نهاية، فهو مازال بداية المشوار".
الغرامة كانت قاسية جداً بحسب قول نشأت أغا محامى حمودة والباز, الذى اعتبرها أكبر غرامة فى تاريخ قضايا الرأى المصرية، وأكد أن الطريق مازال مفتوحاً للنقض على الحكم، ورغم هذا الاعتراض إلا أنه شكر هيئة المحكمة على تبرئة حمودة والباز من تهمة "الإساءة لهيئة" هى الأزهر والتى كانت تعرضهم لعقوبة الحبس، فى حين رفض عادل حمودة التعليق أو الحديث فى الموضوع فى الوقت الحالى.
ضد حرية الصحافة
يحيى قلاش عضو مجلس نقابة الصحفيين وصف الغرامة المشددة بأنها مصادرة للحق فى التعبير عن الأراء بحرية، مضيفاً "هذه المبالغة فى الغرامة تجعل الصحفيين يعملون تحت ترسانة من القوانين المقيدة للحريات، وفى الوقت الذى يطالب فيه الجميع بمنع حبس الصحفيين تلعب السلطة على وتر جديد وهو ضعف اقتصاد بعض الكيانات الصحفية، وتساءل أين الصحيفة المصرية التى تملك اقتصاداً يتحمل هذه الغرامات الباهظة؟
وأكد قلاش أن تغليظ الغرامات أسوأ من عقوبات الحبس لأن كثيراً من الصحفيين لا يملكون دفع الغرامات، وبالتالى فهو عرضة للحبس فى كل الأحوال.
جمال فهمى عضو مجلس النقابة، يرى أن إصرار شيخ الأزهر على مقاضاة حمودة والباز بل واتهامهما بما يعرضهما للحبس، يؤكد على أن القضيه تحمل هدفا انتقاميا، مضيفا "شيخ الأزهر وضع نفسه فى صورة سيئة للغاية، فى الوقت الذى يحاول فيه الجميع إثبات أن الدين الإسلامى دين تسامح وليس دين عنف".
واستنكر فهمى المبالغة فى الغرامات المالية، معتبراً أنها أسوأ من الحبس، نظرا لضعف المؤسسات الصحفية اقتصاديا بل إنه مؤامرة عليها، ويرى فيه رسالة مباشرة للصحفيين، مجملها "اللى يكتب يدفع .. واللى مايقدرش يقعد فى البيت".
وطالب فهمى بضرورة تغيير القوانين التى يعود معظمها لأيام الاحتلال البريطانى، مشيراً إلى أن استخدام الحكومة المصرية هذه الأحكام الآن ضد الصحفيين يجعلها أسوأ من الاحتلال البريطانى، مؤكدا أنه لا توجد صحافة فى العالم تواجه هذه العقوبات المشددة ولا هذه الجرائم المبتكرة، وأن اقتصاديات الصحف ستتأثر كثيرا إذا استمرت هذه الغرامات.
حكم منصف
ورغم اعتراض الجميع، جاء رأى الكاتب الصحفى صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة القاهرة مختلفاً تماماً، حيث اعتبر أن الحكم منصف جداً وليس فيه أى تعسف ويكفى أنه استبعد الحكم بالحبس، وأن الغرامة المالية لا تهدد سوى الصحف التى تؤذى الآخرين.
ونصح عيسى الصحف للحفاظ على اقتصادها، أن تعيد توزيع قانون الصحفيين على العاملين بها لتذكيرهم بأن المهنة لها قواعد وقوانين تنظمها، موضحاً أن هناك من نسى أن للمهنة تقاليد يجب وضعها فى الاعتبار، وليس معنى ذلك السكوت على الفساد أو الإهمال ولكن الصحفى المحترف هو من يهاجم دون أن يقع تحت طائلة القانون وغراماته.
لعبة حكومية
الغرامة المالية القاسية، "لعبة حكومية جديدة" للتأثير على اتجاه بعض صحف المعارضة وخفض صوتها ما دامت لن تقوى على تسديد الغرامات المالية ـ كما يرى جمال عيد رئيس الشبكة العربية لحقوق الإنسان - فعدم وجود حكم بالحبس، فى ظاهره تأكيد على التزام الجميع بمنع حبس الصحفيين، فى حين أن باطنه ضربة قاصمة لظهر لأى صحيفة، فالغرامات لا تقل خطورة عن الحبس، معلقاً "لو كنت صحفياً لاخترت الحبس على غرامة لا أستطيع دفعها وأصبح مهدداً مجدداً بالحبس، والرسالة واضحة للصحفيين بانتظار الأسوأ".
ومن جانبه يرى ناصر أمين رئيس المركز العربى لاستقلال القضاء، أن من حق أى جريدة أن تخشى على مركزها الاقتصادى، والذى يعتبر ضماناً لتواجدها بالأسواق بعد هذا الحكم، فهو يؤكد أن الدولة مازالت مصرة على موقفها العدائى لحرية الرأى ولكن بطريقة أخرى وهى الضغط على الصحف مادياً وهو ربما يكون أكثر قسوة من "الحبس".
بعد الحكم على حمودة والباز بغرامة 80 ألف جنيه..
الغرامات المشددة فى جرائم النشر .. مطلوب صحفيون محترفون
الأحد، 12 أكتوبر 2008 12:33 م
ردود فعل متباينة حول الغرامة المشددة فى جرائم النشر
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة