جاء الإعلان عن توقيع عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، اتفاقية بشأن افتتاح مقر دائم للجامعة فى أنقرة مع وزير الخارجية التركى على بابا جان، ليطرح العديد من التساؤلات حول أسباب هذه الخطوة؟ والمكاسب المتوقعة منها؟ وأيضاً سيناريوهات نجاح واستمرار عمليات التنسيق العربى التركى؟
وتنطلق هذه التساؤلات، من أهمية هذه الخطوة التى استندت على عدة اعتبارات سياسية، واسترتيجية يمكن بيانها على النحو التالى:
الاعتبار الأول: يتعلق بالواقع الجيو ـ استراتيجى لتركيا بحكم موقعها الجغرافى الذى يتماس مع بؤر التوتر والصراع, مثل العراق وقضية الأكراد وسوريا ولبنان، فضلاً عن علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل.
الاعتبار الثانى: يرتبط بدورها الإقليميى الذى أخذ فى الصعود، خاصة بعد وساطتها فى المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب, لذلك فهى تعتبر لاعباً سياسياً فاعلاً ومؤثراً فى أحد أبرز ملفات المنطقة سخونة، وهو الصراع العربى الإسرائيلى فى مساره السورى.
الاعتبار الثالث: يأتى نتيجة لما سبق, بالنظر إلى طبيعة التوازنات الإقليمية، يتضح أن هناك ضرورة لإيجاد موازن استراتيجى إقليمى لإيران التى بدأت تنفذ إلى المنطقة بعد احتلال العراق فى عام 2003، لاسيما وأن المنطقة العربية أصبحت مسرحاً للصراع الأمريكى الإيرانى، بكل ما له من تداعيات قلصت من فرص المناورة فى إدارة علاقاتها مع طرفى الصراع.
الاعتبار الرابع: يتمثل فى التوافق شبه التام بين الجانبين حول عدد من القضايا، مثل الملف الكردى وتحديداً حزب العمال الكردستانى، والموقف من الحرب على الإرهاب، وأيضاً نزع أسلحة الدمار الشامل من منطقة الشرق الأوسط..
عاملان رئيسيان:
أكد سامح راشد مساعد مدير تحرير مجلة السياسة الدولية والمحلل السياسى بالأهرام، على أن هذه الخطوة تأتى ضمن السياسات الكبرى لإدارة علاقات القوى فى المنطقة، واستند راشد فى تحليله لأسباب الإقدام على هذه الخطوة إلى عاملين رئيسيين.
الأول: تغير الأوضاع الإقليمية فى المنطقة، حيث باتت تركيا لاعباً رئيسياً فى العديد من ملفات وقضايا الصراع فى المنطقة. ويرى أن ما ساعد على ذلك وجود إرادة سياسية لدى القيادة التركية فى تفعيل دورها الإقليمى للاستفادة منه فى محاولاتها للانضمام للاتحاد الأوروبى، وطرح نفسها كدولة للسلام تستطيع التعايش مع الدول التى تختلف معها ثقافياً واجتماعياً.
العامل الثانى: الدور الشخصى للأمين العام للجامعة عمرو موسى، فالأمين العام لديه قناعة تامة بأهمية إقامة حوار استراتيجى عربى ـ تركى، وهو ما عمل على تحقيقه لكنه واجه تردداً عربياً تجاه الحوار العربى التركى، وأرجعها راشد إلى عدم الجدوى من ناحية، ومخاوف بعض القوى الإقليمية العربية من تأثر دورها.
ويؤكد راشد، أن تدعيم العلاقات العربية التركية، من شأنه إعادة التوازن مع صعود الرقم الإيرانى فى المعادلة الإقليمية, كما أن الدول العربية ليس لديها مخاوف من التوجهات العلمانية التركية، فى مقابل التوجس من المد السياسى والدينى الإيرانى، الذى تعتبره العديد من الدول العربية، ودول الخليج على وجه الخصوص، خطراً على أمنها القومى.
على صعيد متصل، تأتى موافقة تركيا على افتتاح مقر للجامعة العربية على أراضيها، ضمن سلسلة سياساتها الهادفة إلى حشد التأييد الإقليمى والدولى لسياساتها ضد الأكراد عموماً وحزب العمال الكردستانى، فضلاً عن مساعيها للحصول على تأييد مماثل يدعم مواقفها أمام المحافل الدولية، وهو ما حدث فى تأييد الدول العربية لحصول تركيا على مقعد غير دائم فى مجلس الأمن.
فى المقابل، يرى راشد، أن مستقبل هذا التعاون وحدود قدرته على دفع العلاقات العربية التركية، مرتبط بالقبول الأمريكى والأوروبى للتعاون والتنسيق بين العرب وتركيا، وأيضاً موقف أمريكا والغرب من تركيا تحديداً، وذلك من منظور ارتباط السياسات العربية ـ غالباً ـ بالمواقف الغربية، والذى يأتى ضمن علاقات التحالف الاستراتيجى بين العرب والغرب.
أخيراً، يبدو أن الدول العربية تسعى إلى تغيير تكتيكاتها فى لعبة توازنات القوى بالمنطقة، لتنتقل من رد الفعل، إلى المبادرة ومحاولة إيجاد دور إقليمى فاعل يواجه مشروع السيطرة والتحكم الإيرانى على المنطقة.
الجامعة العربية فى تركيا .. البحث عن دور إقليمى عربى
الأحد، 12 أكتوبر 2008 06:05 م
الاتفاق بشأن افتتاح مقر جديد للجامعة العربية بتركيا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة