ليبراسيون: الوضع الصحى فى مصر .. إهمال جسيم وأخطاء قاتلة

السبت، 11 أكتوبر 2008 06:25 م
ليبراسيون: الوضع الصحى فى مصر .. إهمال جسيم وأخطاء قاتلة "مستشفى حكومى"، بالنسبة لمعظم المصريين، تعنى"مكان للموت"
إعداد ديرا موريس

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تزال حادثة وفاة الأطفال الرضع الأربعة بمستشفى المطرية التعليمى حديث الصحافة العالمية، فقد جاءت وفاة الأطفال الأربعة إثر انقطاع التيار الكهربائى لما يقرب من ثلاث ساعات، دون أن تعمل أى من المولدات الكهربائية الاحتياطية، نتيجة إهمال إدارة المستشفى وتقصيرها فى إجراء الصيانة الدورية لها. وبعد عدة شهور من حدوثها، تظل هذه المأساة انعكاسا للوضع الصحى المتردى فى مصر.

فى تقرير نشرته صحيفة ليبراسيون الفرنسية الأسبوع الماضى، تستعيد الصحيفة لقطات من هذه الكارثة الإنسانية التى تم بثها فى المحطات الفضائية العالمية وموقع اليوتيوب، وتناقلتها جميع الصحف، مثيرة جدلا هائلا حول الوضع الصحى المقلق فى "أكبر دولة عربية". مشيرة إلى نتائج التحقيقات التى أجرتها وزارة الصحة فى هذه الواقعة، والتى أكدت خلالها إدارة المستشفى أن وفاة الأطفال الأربعة ليس لها أدنى علاقة بانقطاع التيار الكهربائى، مستدلة بتوقيت وفاتهم المسجل فى شهادات الوفاة، والذى يسبق توقيت انقطاع الكهرباء.

وتؤكد الصحيفة على عدم اقتناع المصريين بهذه المستندات وتشكيكهم فى صحتها واعتبارها مجرد مراوغة من إدارة المستشفى للتنصل من المسئولية. وأن هذه المأساة لا تمثل واقعة فريدة من نوعها فى مصر، وفقا لما ورد فى تقرير صادر عن إحدى المنظمات المصرية غير الحكومية، الذى يشير إلى وجود حوالى 300 حالة وفاة ناتجة عن خطأ أو إهمال طبى فى عام 2007 فقط.

تؤكد الصحيفة على أن المشاكل التى يعانى منها المصريون مع النظام الصحى فى بلادهم ليست وليدة الأمس. "فى دولة لا يتعدى متوسط الدخل بها 70 يورو، يصبح العلاج الخاص بها رفاهية لا تتمتع بها سوى الصفوة"، حسب قول آن مارى مولان، التى تعمل طبيبة باحثة فى مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية بالقاهرة، مما يدفع الشعب المصرى فى غالبيته العظمى للتوجه إلى المستشفيات الحكومية التى تقدم "نظريا" العلاج بالمجان.. "أو ما شابه".

خصخصة النظام الصحى
يلتقط التقرير صورة حية من مستشفى قصر العينى الجامعى، التى يصفها بـ"عش النمل"، حيث لا يتوقف نزيف المترددين عليها، معدداً مظاهر القصور بها.. مثل الميزانية الضعيفة (وهى السمة المشتركة بين جميع المستشفيات الحكومية) التى لا توفر المستلزمات الطبية اللازمة، فيضطر المرضى لشراء المستلزمات التى يحتاجها الطبيب المعالج على نفقتهم الخاصة، بدءا من الحقن مرورا بالقسطرة والجبائر، ووصولا إلى أكياس الدم، أى أن الخدمة "المجانية" الحقيقية الوحيدة داخل هذه المستشفيات الحكومية المفترض كونها "مجانية" تنحصر فى الكشف الذى يجريه الطبيب، والذى يصبح فى معظم الوقت سريعا، فى محاولة للتخلص من الأعداد الغفيرة التى تكتظ بها ممرات المستشفى "القذرة".

"إهمال جسيم.. أخطاء قاتلة.. مستلزمات طبية بالية".. ليس عجبا إذن أن تتحول كلمة "مستشفى حكومى"، بالنسبة لمعظم المصريين، إلى مرادف لـ"مكان للموت" وفق وصف الجريدة، التى أضافت أنه منذ تعيين وزير الصحة حاتم الجبلى فى 2005، وأصابع الصحافة، بل والوزير نفسه، تشير إلى مظاهر القصور الحادة التى يعانى منها النظام الصحى فى مصر.

تتحدث الصحيفة عن الأقاويل الكثيرة التى تدور حول طموح وزير الصحة فى خصخصة النظام الصحى القومى، والتى تنفيها تصريحات الجبلى، الذى يؤكد فقط على وجود إصلاح فى النظام الطبى فى مصر بحلول 2011.

د. حاتم الجبلى، الخبير بالوسط الصحى، ورجل الأعمال، والشريك والمدير السابق فى مستشفى دار الفؤاد، (واحدة من أرقى وأشهر المستشفيات الخاصة فى مصر)، صرح للصحافة أنه من أجل حصول الفقراء على العلاج المجانى، على الآخرين المشاركة فى المصروفات. يأتى ذلك فى الوقت الذى تسجل فيه الميزانية المخصصة لقطاع الصحة مستوى بعيدا كل البعد عن الحد الأدنى للمعدلات المقررة من قبل منظمة الصحة العالمية (ما يقرب من مليار يورو لـ81 مليون نسمة)، وهو المبلغ الذى يجب مضاعفته وفقا لتصريحات الوزير.

الحكومة المصرية التى تكبدت بالفعل مبلغ 9 مليارات يورو ابتلعها الدعم الحكومى المخصص للغذاء والبنزين، اختارت، حسب ليبيراسيون، الاستسلام لنداء القطاع الخاص، المفترض مشاركته فى تمويل خمسين مستشفى جديدة، ضاربة بذلك عرض الحائط برأى من يرفضون سيطرة عالم الأعمال على الحكومة، وبالمواطنين الذين فقدوا الثقة فى النظام الصحى فى بلدهم.

سوء الوضع الصحى والإخوان المسلمون
تورد ليبراسيون كيف نجحت جماعة الإخوان المسلمين فى الاستفادة من قصور النظام الصحى الحكومى لتحقيق مكانة شعبية مؤثرة، بعد افتتاح الجمعية الشرعية التى تخضع لإدارة الإخوان وتضم المئات من المستوصفات أو المراكز الصغيرة التى تقدم الخدمات الطبية للمواطنين بمستوى لا بأس به من الجودة.. مثل "مستشفى الهدى" الواقعة فى محافظة حلوان، التى تستقبل المرضى من المسلمين والمسيحيين على حد السواء.

تؤكد الصحيفة أن تلك هى كذلك السياسة التى تطبقها المراكز الطبية التى تديرها الراهبات فى مصر والتى لا تفرق فى تقديم خدماتها بين مسلم ومسيحى، كما تقول إحدى الراهبات : "لا ننظر إلى طريقة الصلاة، بل ننظر إلى الشخص نفسه الذى يعانى". بالتالى، تصل الصحيفة إلى نتيجة مفادها "أن مراكز العلاج الخيرية فى مصر هى أرخص ثمنا من المستشفيات الخاصة وأكثر فاعلية من المستشفيات الحكومية".

إن وضع مصر الصحى الحرج يعود إلى انتشار المحسوبية والفساد والإهمال، من ناحية، بالإضافة إلى الزيادة المطردة فى عدد السكان وارتفاع معدل الفقر، من ناحية أخرى. على الرغم من أن التقرير يعطى بعض الأمثلة على الجهود المبذولة لتحسين هذا الوضع، مثل إغلاق ما يقرب من ألف مركز طبى، منذ بداية العام، بعد خضوعهم لعمليات تفتيش مفاجئة، وتأكيد السلطات الحكومية على أنه قد تم مؤخرا القضاء على مرض شلل الأطفال نهائيا فى مصر، إلا أن مثل تلك الإجراءات تظل، فى رأى الصحيفة، محدودة بالنظر إلى ثقل حجم المهمة الواقعة على عاتق الحكومة.

قصور فى قطاع التمريض فى مصر
وتنقل الصحيفة رأى أحد الأطباء المصريين، ويدعى أحمد رجب، الذى يؤكد أن حل المشكلة يبدأ من خلال إعادة النظر فى المرتبات التى يتقاضاها الأطباء، وكذلك محاولة الحد من "غزارة" عدد الأطباء الجدد الذى يمثل بلا شك حملا ثقيلا على عاتق النظام الصحى فى مصر. يضيف رجب أن على الجانب الآخر من المشكلة هناك قطاع التمريض، حيث ينتمى العاملون به إلى طبقات اجتماعية كادحة.. تدريب غير كاف، مرتبات منخفضة، ومواعيد عمل ليلية، وجميعها عوامل جعلت من مهنة التمريض مهنة غير رائجة فى مصر.

تستعين العيادات الخاصة من أجل رفع مستوى التمريض بممرضات أجنبيات، من آسيا فى معظم الوقت، يتقاضين حوالى 350 يورو، مما يثير حسد زميلاتهن المصريات الذى لا يتعدى راتبهن الشهرى 50 يورو. تنقل الصحيفة عن إحدى الممرضات الفلبينيات التى تعمل فى إحدى العيادات الراقية فى القاهرة، غياب قواعد الصحة الأساسية بين الممرضات المصريات، حيث تقول: "تغسل الممرضات أيديهن بالبيتادين، ويتصرفن دون وعى بقواعد الصحة الأساسية غير مدركات للأبعاد الخطيرة لسلوكهن"، مشيرة إلى واحدة من زميلاتها المصريات تتحدث فى التليفون المحمول بالقرب من إحدى حضانات الأطفال، وتمد يدها "غير النظيفة" لتعديل حقن طفل رضيع.

يمثل الإهمال السبب فى أكبر المآسى الصحية على مستوى العالم، وهو فيروس سى، الذى تصل نسبة الإصابة به فى مصر إلى 20% من السكان، أى بمعدل شخص إلى كل خمسة أشخاص، مما يضع مصر فى المركز الأول على لائحة الدول التى يتفشى فيها هذا المرض.

تضيف الصحيفة إلى هذه الصورة القاتمة للوضع الصحى فى مصر، إحدى الخصوصيات الخطيرة التى تظهر فيها، وهى احتضان مصر لعدد كبير من الأمراض المعدية المنتشرة فى الدولة الناشئة وفى الوقت ذاته لعدد من الأمراض التى تعانى منها الدول المتقدمة، مثل أمراض القلب والأمراض السرطانية.

وتخلص الصحيفة فى النهاية إلى أن أمام مصر مهمة ضخمة، بل وعاجلة، لتحسين وضعها الصحى.. خاصة فى ظل معدل النمو السكانى الحالى، إذ إنه من المتوقع تضاعف عدد الشعب المصرى بحلول عام 2050.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة