
استبعدت السيدة وزيرة القوى العاملة والهجرة، وجود أية فرص عمل جديدة فى القطاع العام أو الحكومة، وقالت فى افتتاح أعمال المؤتمر القومى الثانى للشباب بالمدينة الشبابية بأبى قير بالإسكندرية، إن القطاع العام لا يحتاج فعلياً إلا لأقل من نصف العاملين به. وأكدت الوزيرة مسئولية الوزارة لضمان عقود عمل آمنه وشروط وظروف عمل مقننة، وإعداد برامج التأهيل والتدريب اللازمة لتأهيل الشباب على فرص العمل المتوافرة فى القطاع الخاص، مستبعدة قدرة الحكومة أو القطاع العام على استيعاب أية عمالة جديدة.. يا سلام!!.
ومسألة التصريحات العشوائية أصبحت ظاهرة خطيرة لبعض السادة الوزراء فى الحكومة الحالية، ويمكننا تلخيص أسباب الحكم على التصريح بـ"العشوائية" فيما يلى:
أولاً: لم يتضمن تأكيد السيدة الوزيرة أية خطط ولا برامج ولا إجراءات صدرت بها قرارت فعلية، ولكنه مجرد كلام فى كلام، "يعنى طق حنق". وهى تصريحات يضعها الشعب موضع الاعتبار. وعندما يكتشف أنها غير واقعية، يفقد ثقته فى الوزير على الفور، فإذا كان معظم الوزراء بهذه الكيفية، فكيف يثق الشعب فى الوزارة التى تدير شئونه؟
ثانياً: إن تصريح السيدة الوزيرة جاء غير محدد المدة. فهل هذا الوعد سيتم الآن أو بعد سنة أم بعد عشر سنوات أم بعد مائة سنة؟، وهو كلام غير مقبول بالمرة، فالاحتقان وصل مداه عند الطبقات العاملة والبطالة تقتل الشباب، ويجب أن يكون الوزير دقيقاً فى تصريحاته. فإذا لم نكن صادقين مع أنفسنا، يكون على الله العوض.
ثالثاً: لم تذكر السيدة الوزيرة الطريقة أو الأسلوب الذى ستتبعه لضمان عقود عمل آمنة وشروط وظروف عمل مقننة، وإعداد برامج التأهيل والتدريب اللازمة لتأهيل الشباب على فرص العمل.
إن دور الحكومة أساساً فى نظام السوق والاقتصاد الحر، هو الاهتمام بتعليم وتثقيف المجتمع على الثقافة الجديدة، التى تبنى على أن العمل شرف والعمل واجب، بصرف النظر عن نوع العمل وتعديل الثقافة الخاطئة التى بثتها الثورة فى المجتمع المصرى، عندما سممت أفكار المجتمع بأن الوظيفة الكتابية والإدارية فى المكاتب هى هدف أى شاب متخرج، وقررت مجانية التعليم بطريقة مطلقة بدون قيود. ففى جميع أنحاء العالم المتقدم، تكون مجانية التعليم العالى فوق المستوى الثانوى، ولا تمنح إلا للطلبة المتميزين والأوائل الذين يصلحون لإعدادهم لمراكز البحث أو للتعليم الأكاديمى. كما وأن العمل الفنى اليدوى المهارى لا يجد تشجيعاً فى العقلية المصرية، لأن جميع المواطنين يرغبون فى العمل غير الفنى أو المتوسط، بالرغم من أن دخل العمال المهنيين المهاريين، تفوق دخول الموظفين الحكوميين بمراحل.
ودور الحكومة فى ظل النظام الاقتصادى الحر يعتمد على المفاهيم التالية:
1-فى نظام الاقتصاد الحر، لا تلتزم الدولة باستيعاب جميع الشباب فى وظائف فى الدولة أو القطاع العام كما تصورت السيدة الوزيرة، ولكن الدولة مسئولة عن وضع خطط التنمية التى يشترك فيها القطاع الخاص الشريف، وتشرف الحكومة على تنفيذ تلك الخطط، وتراقب تنفيذها وتقوم بتغييرها أو وضع خطط بديلة مرنة، وتلك الخطط تعتمد على الثروات الطبيعية، والبشرية، بحيث يتناسب النمو فى استخدام الثروات الطبيعية، مع النمو فى استخدام الثروة البشرية، كماً ونوعاً، وبهذا يتم القضاء على البطالة، حيث تستوعب خطط التنمية الطبيعية جميع الخريجين من الثروة البشرية، وبهذا تستطيع الدولة تعظيم العائد كقيمة مضافة للدولة ككل.
والدولة تقوم فى سبيل ذلك بالعديد من الإجراءات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1-إن تضع الدولة ممثلة فى الحكومة خطة إصلاح وتنمية اقتصادية، وإدارية، واجتماعية، وثقافية لمدة محددة قد تكون 5 سنوات أو مضاعفاتها، ويكون للقطاع الخاص المحلى الشريف أو الدولى الدور الأكبر فيها. وهنا لابد عن الابتعاد من تمكين قلة من المستثمرين من السيطرة على مقدرات المجتمع، بدعوى أنهم يمثلون القطاع الخاص فهذا خطأ قاتل، لأنهم فى واقع الأمر يعوقون خطط التنمية بالاحتفاظ بالأصول، مثل أموال البنوك والأراضى لتسقيعها، فيضيعون فرصة استثمار تلك الأراضى استثماراً حقيقياً، وفقاً للخطة، ولكنهم يوجهونها إلى أغراض أخرى مثل الإسكان، بدلاً من التصنيع.
2-هذه الخطة لابد أن يشترك فى وضعها والاقتناع بها من جميع الوزارات، للقيام بدورها فى تنفيذها أو تشجيع القطاع الخاص ومساعدته على النجاح فى تحقيقها، ولا تقف المصالح الحكومية عقبة أو عائقاً فى التنفيذ كل فيما يخصه، على أن يؤخذ فى الاعتبار العوامل التالية:
أ-وضع خطط اقتصادية زمنية طموحة (تنمية وإصلاح وتطوير)، واضعة فى الاعتبار البطالة القائمة فى مصر، ونسب الزيادة السكانية وعدد الخريجين والشباب الذين سوف يدخلون سوق العمل خلال فترة الخطة.
ب-تحديد أنواع المهن والمهارات المطلوبة، وكمية العمالة المطلوبة لتنفيذ تلك الخطة (بحيث تتناسب مع أعداد القوى التى ستدخل سوق العمل).
ت-تحديد عدد المقبولين فى الكليات والمدارس الفنية، بحيث يتطابق مع فرص العمل وعدد العمال المطلوبين والمحددين، وفقاً لخطط التنمية.
ث-تطوير التعليم، بحيث يتضمن تدريبات عملية على المهارات والحد من التعليم النظرى بقدر الإمكان، وتخريج عمال يستطيعون العمل فوراً بعد تدريب بسيط على المهن التى تعلموا عليها وتخرجوا فيها.
ج-التركيز على إنشاء مراكز تدريب متعددة فى المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز تدريب، خاصة بالتعاون مع الحكومة لتدريب البطالة المقنعة والبطالة الظاهرة على المهن التى يتطلبها سوق العمل الآن، حيث إنه من الملاحظ وجود ملايين فرص العمل فى القطاع الخاص، وملايين العاطلين الذين لا يملكون المهارات اللازمة لتلك الوظائف فى القطاع الخاص.
ح-الاهتمام بوضع خطة لتطوير ثقافة الوظيفة لدى الشعب المصرى، حيث سادت ثقافة ضرورة التعليم العالى للعمل على مكاتب والحصول على وظائف مريحة بمرتبات عالية، وعدم قبول الأعمال المهنية والمهارات اليدوية اللازمة لسوق العمل، بدعوى أن المؤهل العالى أنظف وأكثر مظهرية.
فالدولة، ممثلة فى الحكومة، مسئولة عن تغيير الثقافة، وترقية مفاهيم العمل التى ورثها المجتمع من الفكر الاشتراكى فى عهد الرئيس عبد الناصر، والتى تسببت فى البطالة الحالية نتيجة التعليم المجانى المطلق الذى لا يوجد فى أية دولة من دول العالم، حيث تكون مجانية التعليم فقط للمتميزين فى التعليم وأصحاب الدرجات المرتفعة فى تعليم خال من الفساد، وإقناع الشباب بفكرة العمل بجد واجتهاد للخروج من عنق الزجاجة بالنسبة للبطالة فى مصر، وإيجاد فرص العمل للشباب المحبط، والذى يمثل قنبلة موقوتة قد تنفجر فى أى وقت.
كما أنه يجب تغيير طرق تعيين الوزراء، فالسادة الوزراء يتصرفون بدون تخطيط واضح لمستقبل هذا البلد وجميع التصرفات والقرارات تتم بعشوائية قاتلة ومدمرة، والدليل هو تصريح السيدة الوزيرة، وأيضاً تصريح وزارة التعليم العالى بقبول أعداد فى الجامعات المختلفة بدون تخطيط ولا إعداد، وإن كان هناك أعداد محددة للقبول لكل كلية تحدد بأرقام عشوائية بدون دراسة، اللهم إلا الاستناد إلى أرقام الأعوام السابقة التى تكدست فيها البطالة وأصبحت لا تطاق، كما يتم نفس الشىء بالنسبة لمعظم القرارات الوزارية الأخرى.
إننا نطلب وسنطالب، فهل من مجيب يستطيع أن ينقذ هذا البلد وشعبه، من كارثة ستأتى حتماً فى وقت قريب؟