فى محاولة لتدويل التحقيقات فى قضية اغتيال بوتو مثلما حدث مع رئيس الوزراء اللبنانى السابق رفيق الحريرى ولانعدام الثقة فى النظام الباكستانى الحالى أعلن على آصفى زردارى نائب رئيس حزب الشعب المعارض وزوج زعيمة المعارضة الباكستانية الراحلة بينظير بوتو رفض حزبه لإجراء تحقيقات حكومية بمساعدة من شرطة سكوتلانديارد البريطانية فى قضية اغتيال زوجته وزعيمة الحزب مطالبا بضرورة إجراء التحقيق تحت إشراف الأمم المتحدة بينما رفض الرئيس الباكستانى برويز مشرف هذا المطلب بتأييد من واشنطن التى اعتبرت أن ذلك ليس ضروريا حاليا.
وقال متحدث باسم حزب الشعب إنه يجب إجراء تحقيق تحت إشراف الأمم المتحدة كما حدث فى قضية اغتيال الحريرى لأن النظام الحالى يفتقد إلى المصداقية. وأضاف أنه سواء بتحقيق على يد جهات محلية أو جهات أجنبية غامضة فإن الشكوك ستظل موجودة. وانتقدت أيضا أحزاب المعارضة قرار الحكومة بتأجيل الانتخابات البرلمانية حتى18 فبراير المقبل, لكنهم أكدوا أنهم سيشتركون فى الانتخابات باعتبارها خطوة مهمة نحو إرساء الديمقراطية فى البلاد بعد سنوات طويلة من الحكم العسكرى مطالبين الحكومة بتكثيف الإجراءات الأمنية لحماية المرشحين من أى جهة تسعي إلى تخريب عملية التصويت. وعلى غرار حزب الشعب, سارع حزب الرابطة الإسلامية الذى يتزعمه رئيس الوزراء السابق نواز شريف بتأكيد مشاركته فى الانتخابات مشيرا إلى أنه لن يترك الساحة للحزب الحاكم الذى ينتمي إليه مشرف. وجدد اتهاماته للحزب الحاكم بأنه سيسعى بكافة الطرق إلى تزوير الانتخابات لصالحه.
وذكرت المتحدثة باسم البيت الأبيض أن الإدارة الأمريكية تؤيد تعاون سكوتلانديارد فى القضية معتبرة أن ذلك أمر ملائم وضرورى, لكن الأمر لايستدعى التدخل الدولى.
وطالبت بالتحرك السريع وبشكل شفاف موجهة الدعوة إلى الأحزاب السياسية الامتناع عن أى عنف وانتظار نتائج التحقيق. ومن جانبه جدد شون ماكورماك المتحدث باسم الخارجية الأمريكية عرض بلاده بتوفير المساعدة اللازمة فى التحقيق رغم أن مشرف رفض هذا العرض من قبل. وقد أعلن وزير الخارجية البريطانى ديفيد ميليباند أن فريقا من سكوتلانديارد وصل إلى إسلام أباد. وكان برنار كوشنير وزير خارجية فرنسا الذى قام بزيارة موخرا إلى باكستان قد وصف قضية اغتيال بينظير بأنها لا تتوافر فيها الشروط التى يمكن من خلالها إجراء تحقيق دولى حولها تحت إشراف الأمم المتحدة لكنه أبدى استعداد بلاده ودول الاتحاد الأوروبى لتقديم المساعدة اللازمة للحكومة الباكستانية لإتمام تحقيقاتها فى هذا الأمر.
من جانبه طالب معهد إدارة الأزمات الدولى ومقره سويسرا الولايات المتحدة باعتبار مشرف متورطا فى مصرع بوتو. وذكر فى تقريره أن الوقت قد حان لإرساء الديمقراطية وليس لدعم قائد عسكرى مرفوض شعبيا ومجرد من مناصبه. وأكدت أن استقالة مشرف من منصبه ستكون السبب فى نزع التوتر من البلاد وإلا سيواجه المجتمع الدولى مخاطر التعرض لحرب أهلية فى بلد يملك قوة نووية.
يأتى ذلك فى الوقت الذى كشف فيه تقرير نشرته جريدة ذى نيوز الباكستانية عن أن باكستان تكبدت خسائر مادية تقدر بـ455 بليون روبية(.027 مليار دولار) مما سيتسبب فى إحداث عجز بإجمالى الناتج المحلى بـ6%, وتسببت أعمال العنف والنهب المترتبة على مصرع بوتو فى حرق أكثر من6 آلاف سيارة وخسرت الأسواق المحلية للبيع بالجملة والتجزئة أكثر من12 بليون روبية. ومن ناحية أخرى, كشفت مصادر مطلعة أن العنف الطائفي فى المناطق شمال غرب البلاد أدى إلى فرار مئات السكان إلي الحدود الأفغانية خلال الأيام الأخيرة. وذكر مسئولون أفغان أن ما يقرب من900 أسرة فروا إلى الحدود خلال الأسبوعين الماضيين بالقرب من إقليمى خوست وباكتيا, وذكروا أن معظم الفارين من النساء والأطفال.
فى حين دافع الرئيس الباكستاني برويز مشرف عن حكومته والأجهزة الأمنية أمس، مشدداً على عدم تورطها فى اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بى نظير بوتو. وقال مشرف في مؤتمر صحفى عقد أمس، بعد اسبوع من مقتل بوتو: «خلال الأشهر الثلاثة الماضية، شهدنا 19 تفجيرا انتحاريا، أغلبها ضد الجيش والاستخبارات»، مضيفاً بسخرية:«اذا كانت نفس الأجهزة العسكرية والاستخباراتية تستخدم نفس الأطراف التى تستهدفها، إنها نكتة».
وكرر مشرف أمس اتهامه لتنظيم «القاعدة» باغتيال بوتو، قائلاً انه مسؤول أيضاً عن الهجمات ضد دوائر وشخصيات حكومية. ورداً على سؤال حول قيام عمال البلدية بتنظيف موقع الجريمة بعيد وقوع الاغتيال فى روالبندي: «أننى متأكد من انهم لم يقوموا بذلك بنية إخفاء أسرار، أو أن تكون أجهزة الاستخبارات أمرتهم بإخفاء اسرار».
ولكنه في الوقت نفسه كشف عن عدم رضاه عن عملية تنظيف موقع الجريمة، قبل الانتهاء من جمع الأدلة منه، مما يزيد من صعوبة العثور على الجاني. وكانت أوساط باكستانية وأجنبية أمنية وسياسية عدة، قد انتقدت أجهزة الأمن الباكستانية التى نظفت موقع مقتل بوتو فى روالبندي، حيث كانت تلتقي بمؤيديها قبل مقتلها. وتطرق مشرف أمس للمرة الأولى إلى هذه القضية، قائلاً: «لست راضيا تماما، أنني أتقبل ذلك. وأشاطركم الرأي حول تنظيف مسرح الجريمة». وكان مشرف قد أعلن أول من أمس، طلبه مشاركة الشرطة البريطانية (اسكوتلنديارد) في التحقيق. وشرح أن عدم رضاه عن التحقيق دفع إلى هذا القرار، قائلاً: «نحتاج إلى خبرة أكثر وخاصة الخبرة الفنية التى تفتقدها عناصرنا، ولهذا السبب اعتقدت أن اسكوتلنديارد قد تكون أكثر فائدة لنا». ويعتبر قرار مشاركة الشرطة البريطانية، محاولة من مشرف للتقليل من انتقادات «حزب الشعب الباكستاني» الذي كانت ترأسه بوتو للحكومة، وتهدئة الازمة السياسية في البلاد. وقال مشرف أن الحكومة حذرت بوتو من خطر من لقاء مؤيديها في حديقة عامة في روالبندي، موضحاً: «كنا نعلم وكانت وكالات الاستخبارات تعلم بالتهديد، وقلنا لها يجب عليها ألا تذهب ومنعناها سابقاً». وكان مشرف يشير إلى وضع بوتو تحت الإقامة الجبرية في نوفمبر (تشرين الثانى) الماضى، مما منعها من لقاء مؤيديها حينها. وأضاف: «هذه المرة قررت أن تذهب، وتجاهلت التهديد». وأوضح مشرف، أن أكثر من الف رجل شرطة كان موجوداً في موقع لقاء بوتو مع مؤيديها يوم مقتلها. وكانت بوتو تلوح لمؤيديها من سقف سيارتها عندما قتلت، بينما كان جميع مرافقيها فى السيارة سالمين. وتساءل مشرف: «من الملام فيى خروجها من السيارة؟»، مضيفاً أن الحكومة «غير مسؤولة عن الاختراق الأمنى» الذى حصل بعد خروجها من السيارة. وتأتى تصريحات مشرف، بعد يوم من القائه خطاباً دعا فيه إلى «وحدة البلاد» ومواجهة «الإرهابيين». وأعلن مشرف تأجيل الانتخابات التشريعية والمحلية من 8 يناير (كانون الثانى) إلى 18 فبراير (شباط) المقبل، بينما أعلنت الأحزاب المعارضة مشاركتها فى الانتخابات، مما قد يهدئ الوضع فى البلاد. من جهة أخرى، اعتبرت «مجموعة الأبحاث حول الأزمات الدولية» أمس، أن على الرئيس الباكستانى، أن يترك الحكم حتى تستعيد باكستان شيئاً من«الاستقرار». وقالت المجموعة المهتمة بالدراسات الدولية فى تقرير، أن مشرف الذى تولى السلطة فى انقلاب عام 1999، «لم يعد، وربما لم يكن أبدا، عنصر استقرار». وقال روبرت تمبلر مدير فرع آسيا فى المجموعة أنه «حان الوقت للاعتراف بأن الديمقراطية، وليس جنرالاً مصطنع الدعم ترك الجيش ومكروها على نطاق واسع، التى تمثل أفضل الفرص لعودة الاستقرار».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة