"ماثيو إنجيل":فى ملحق فايننشال تايمز
تعرض المركز الإسلامى فى المدينة للانفجار فى منتصف الليل لمرتين فأصيب المسجد بأضرار فادحة فيما تحطمت المدرسة وقاعات الاجتماعات الملحقة بالمسجد ولم تعرف الجهة المسئولة عن التفجيرات. وبعد إعادة البناء التى استغرقت عامين تعرض المركز لهجومين فى شهر واحد وخيمت على المدينة أجواء الفزع وحامت حولها أشباح انهيار مجتمعى.
هل نحن فى بغداد أو القاهرة أو كراتشى؟ لا، بل فى "مالمو"، تلك المدينة الميناء العالقة على الحافة الجنوبية لشبه جزيرة إسكندنيفيا وثالث أكبر مدن السويد. وكانت المدينة حتى زمن قريب من المدن السويدية التقليدية، هادئة ساكنة حتى الملل وتمثل ملجأ لمن يريد الهروب من متاعب العالم. فماذا جرى إذن؟
لقد جرت على السويد تغيرات لم يلحظها العالم وتغيرت معها مالمو جذرياً لتصبح واحدة من أكثر مدن أوروبا التى تعانى من الانشطار العنصرى، حيث يمثل عدد السكان الذين ولدوا فى الخارج أو ولدوا لأباء ولدوا فى الخارج 37% من إجمالى سكان المدينة، أما بين الأطفال، فترتفع هذه النسبة إلى حوالى 50%.
واليوم يبلغ عدد سكان مالمو 278 ألفا،ً ربعهم من المسلمين الذين تتزايد أعدادهم بمعدلات سريعة بسبب زيادة الوافدين منهم وارتفاع معدلات المواليد بينهم. ويرى المسئولون أن معظم السكان سوف يصبحون من أصول غير سويدية فى غضون عشر سنوات من الآن، حيث يمثل المسلمون أغلبية السكان. وهذا دون أن نضع فى الحسبان العوامل الأخرى التى ستحفز ارتفاع معدلات الهجرة من الشرق الأوسط، مثل نشوب حرب فى إيران أو انهيار الدولة فى العراق.
السويد... الأكثر رفاهية وبرودة
وثمة إجماع متنام على أن النموذج السويدى المتمثل فى مجتمع الرفاهية والمنهج الكريم فى معاملة المهاجرين لن يستمر طويلاً وسوف يكون لتحطم هذه النموذج دوى صاخب وصدمة مروعة. ففى مدينة مالمو يتركز المهاجرون فى ضاحية واحدة هى روزنجار، وفى حى آخر شبه حضرى هو هير جاردن، وتلك الأحياء ترتفع فيها نسبة بطالة الذكور لتبلغ 80%. ومجرد ذكر اسم هذه المدينة يثير الرعب فى الأوصال، فهى مناطق أشبه بالجيتو والعشش، ولو أن المبانى فيها تتمتع بصيانة جيدة ولا يرى الناظر إليها القمامة أكثر من الأحياء الأخرى وتخيم عليها أجواء مرحبة لا تنذر بسوء.
ومع ذلك فالجميع يتحدثون عن تفشى الجرائم من سرقة وتجارة مخدرات وانتشار ظاهرة العنف في الشوارع.
وفى المدارس التى يذهب إليها أولاد المهاجرين لا يتعلم الطفل الانتماء إلى المجتمع الذى يعيش فيه وإن كان يختلط بالآخرين خارج أسوار المدرسة. فالمهاجرون من أصول شرقية وإسلامية يرون فى المجتمع السويدى برودة المشاعر بسبب أن المصافحة بالأيدى نادرة الحدوث، بينما هم يتعانقون ويتبادلون القبلات" كإخوة وليس كالشواذ".
غير أن المركز الإسلامى عاد بعد الحرائق التى هدمته لا ليفتح أبوابه فحسب، بل ليصبح أكثر انفتاحاً على المجتمع المحيط به، حيث يستقبل الأفراد من جميع الطوائف الدينية (مسلمين ومسيحيين ويهود)، وفى المدرسة الابتدائية يعبر الأطفال عن رأيهم في دولة السويد حيث ينعمون بمياه شرب نقية، على حد قول طفل قادم من الصومال، وبالسيارات الجيدة مثلما يرى شاب من أصول لبنانية. وفى داخل فصول المدرسة الملحقة بالمركز، يتلقى الأطفال التعاليم الإسلامية، ولكنهم يطالعون فى خارج هذه الفصول لافتة تحمل شعار الألعاب الأوليمبية، حيث تتعانق خمس حلقات وتتداخل معاًَ تمثل الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية.
وهكذا وجد السويديون مردوداً لكرمهم واحتفائهم بالمهاجرين فأصبحت مالمو مدينة متعددة الثقافات مفعمة بالحيوية.
مهاجرون وكل المهاجرين
والفارق بين السويد ودول مثل كندا وأستراليا التى أقامت بنيان مجتمعاتها على المهاجرين، أن هذه الدول كانت تنتقى الوافدين الذين تسمح لهم بالهجرة إليها. أما السويد فكانت تستقبل من يأتون إليها دون تفرقة، حيث كان مقياس القبول الوحيد هو تحمل المهاجرين مشقة الرحلة للوصول إليها، فيجدون أنفسهم فى آخر المطاف داخل مجتمع لا يستطيعون الذوبان فى نسيجه.
وتبحث السويد الآن عن مخرج كريم من مأزق أزمة المهاجرين، فالساسة على طوال عقود مضت كانوا يتحرجون من الخوض فى شباك هذه الأزمة، حيث كان الحديث فى موضوع المهاجرين يعد من قبيل العنصرية والخروج على القانون. فهل تضررت مصالح السويد من سياستها التحررية تجاه المهاجرين ؟ فإذا كانت الإجابة بالنفى، فينبغى على المجتمع السويدى إدراك حقيقة أنه لم يعد قادراً على الوفاء باحتياجات المهاجرين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة