تناولت مورين فريلى بالتحليل الكتاب الأخير للكاتب المصرى العالمى نجيب محفوظ "حديث الصباح والسماء" والذى نشرته مطبعة الجامعة الأمريكية بالقاهرة عن ترجمة إنجليزية لكريستينا فيليبس، قالت فيه إن محفوظ هو رائد تيار بلوغ العالمية من خلال الولوج إلى أعماق المحلية. وعلى الرغم من أن معظم أعماله تدور أحداثها فى مدينة القاهرة، إلا أن لكل حى من أحيائها مذاقاً خاصاً ينفرد به عن الآخر، كما أن شخصيات روايته لا تخضع للتقييم على الرغم من أنها جميعاً تعكس التقاليد والظروف والثورات السياسية فى المجتمع المصرى.
وفى كتابه الأخير "حديث الصباح والمساء" لا يتبع محفوظ تسلسلاً زمنياً، ولكنه يرحل عبر الزمن جيئة وعودة لفترة تمتد 200 سنة. ولا يرد الكاتب قصة واحدة ولكن يهدينا 67 قصة تتخذ كل منها شكل النص وجميعها تحكى أقدار ثلاث أسر تجمعها أواصر الصداقة والضغائن وروابط النسب.
وتتداخل جميع خيوط الزمن إلا أن كل الشخصيات، على الرغم من تباين أقدارها، تسير على نفس النمط من المهد إلى اللحد مروراً بالمدرسة والزواج.
فهذه الأسر إما تزيد ثروتها أو تقع فى مستنقع الفقر، وهذا كله يحدث فى غفلة من الزمن وعلى نحو مفاجئ. وعندما نقترب أكثر نلاحظ العقود المنفرطة والخطوط غير المستوية لما لا يمكن وصفه بالتقدم. فنحن ننتقل سريعاً من حالة وفاة فى السبعينيات إلى حالة ميلاد فى التسعينيات، ومن زواج تقليدى فى الثلاثينيات إلى زواج فى الستينيات. والكاتب بذلك يجعلنا نرى الصورة الكلية للغابة دون الأشجار لنخلص فى النهاية إلى صورة مجتمع تآكل على مر 200 سنة ذخرت بأحداث الحرب والسلام والاحتلال والاستقلال والحرمان والازدهار.
ففى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كان المرض يحصد الشباب مبكراً وهم فى سن غضة، أما فى أواخر القرن العشرين، فنرى ظاهرة الهجرة إلى الخارج ورفض الزواج المرتب من الأهل.
وعند بلوغ نهاية الكتاب، نشعر وكأننا نقرأ نعى حضارة بأكملها. ولكن أى نعى وأية حضارة وأى انتصار للكلمة الأخيرة التى نطق بها الكاتب؟