مع ازدياد حالات العنف الجسدي والنفسي ضد أطفالنا في سنوات التعليم المبكر في المدارس، بدأت الأصوات تعلو لحماية الأطفال ومعاقبة المذنبين ومحاسبة المدارس التي وقعت بداخلها حالات الاعتداء، وأخرها واقعة التعدي على اطفال داخل مدرسة النيل الدولية بالتجمع، وجميع هذه الحالات عبارة عن وقائع تحرش وتعدى جسدي على أطفال في مراحل رياض الأطفال والابتدائية.
حالات الاعتداء أثارت الخوف والغضب داخل نفوس الأهالي والمجتمع بأسره، فمصر بها أكثر من 25 مليون طالب في مراحل التعليم الأساسي، موزعين على ما يزيد عن 62 ألف مدرسة، مع وجود نحو 2.5 مليون طالب في التعليم الخاص.
وطرحت تساؤلات عديدة حول غياب الرقابة والمحاسبة داخل المدارس، وخاصة المدارس الخاصة التي تحصل على رسوم الدراسة فيها بالعملة الصعبة، وهي التي تعددت فيها حالات التحرش بالأطفال في سنوات التعليم الأولى.
وفي اجتماعه الأسبوع الماضي، مع رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، ومحمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم، شدد السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي على ضرورة مواصلة فرض الانضباط وترسيخ القيم الأخلاقية والإيجابية داخل المنظومة التعليمية، وعدم التهاون في هذا الأمر، مع اتخاذ إجراءات محاسبة عاجلة وحاسمة تجاه أي تجاوز أو انفلات.
في الأيام الماضية، قررت وزارة التربية والتعليم إطلاق حملات لحماية الأطفال من التحرش في المدارس، واتخاذ إجراءات رادعة من بينها وضع مدارس تحت الإشراف المالي والإداري لها، وتشكيل لجان من الوزارة لإدارة بعض المدارس التي شهدت وقائع والتحقيق، مع المخالفات والمتجاوزين داخل هذه المدارس، إضافة إلى استمرار التحقيقات من قبل الجهات المختصة، وأيضا تركيب كاميرات لتغطية كافة المساحات داخل المدارس. وإجراء تحاليل المخدرات للعاملين بها.
حملة وزارة التعليم خطوة مهمة وضرورية وسبقتها عدة حملات ومبادرات منها مبادرة "خط أحمر" التي أطلقتها مبادرة (حياة كريمة) لتوعية الأطفال في القرى، ومبادرة "بيدو" الإعلامية للتوعية بمخاطر التحرش باستخدام فيديوهات وأطباء نفسيين، و"ممنوع اللمس" بمراكز الشباب ومبادرة "حماية" وأيضا مبادرة وزارة الأوقاف.
الحملات والمبادرات تهدف إلى توعية الأطفال بمفهوم التحرش وطرق الوقاية منه من خلال ورش حكي تفاعلية تعتمد على القصة والمسرح والرسم، بما يساعدهم على فهم حقوقهم والتعبير عن أنفسهم بثقة في المواقف غير الآمنة.
لكن مواجهة هذه السلوكيات الشاذة والغريبة عن مجتمعنا ينبغي أن يتخذ صور واشكال متعددة بداية من دور الأسرة والمدرسة ثم الوزارة والوزارات والجهات المعنية الأخرى سواء كانت حكومية أو منظمات مجتمع مدني.
فالتوعية يجب أن تبدأ أولا من الأهل والأسرة بالاستماع والتصديق لأبنائهم وعدم تتجاهل ما يقوله الطفل أو الاستخفاف به وتعليم الطفل أن جسده ملك له وليس من حق أحد أن يلمسه، ومراقبة التغيرات السلوكية لدى الطفل أو أي شخص يبالغ في إعطاء الهدايا أو التقرب منه، وتوفير شبكة أمان للطفل بتشجيعه بالوثوق في التحدث مع شخص كبير يثق به مثل الأم أو الأب أو المعلم.
الإعلام أيضا له دور في التوعية والتنبيه والتحذير لحماية الأطفال من التحرش.
هنا نأتي الى دور الوزارة التي لها حق إصدار القوانين لحماية الأطفال نفسيا واجتماعيا، فالمطلوب فرض السياسات والإجراءات التي تشجع المدارس على تفعيل سبل الوقاية من التحرش، تطبيق برامج توعية وتثقيف داخل المدارس، ووجود آليات واضحة للإبلاغ عن التحرش وحماية المبلغين، ومتابعة مستمرة للطلاب والتأكد من سلامتهم.
وفرض إجراءات واختبارات لكل العاملين الحاليين داخل المدارس ولكل من يسعى للالتحاق بالعمل داخلها سواء عمال عاديين أو مدرسيين.. اختبارات نفسية واجتماعية مع فرض قوانين صارمة ومشددة عند حدوث أي اعتداء أو تحرش
القضية خطيرة لأنها تمس أمن وسلامة ملايين الأطفال نفسيا واجتماعيا، ومواجهتها يجب ألا تقتصر على الحملات والمناسبات فقط والتي تتحول بعد فترة من الزمن الى عادة، ثم تكاد أن تتحول الى طقس روتيني.
في سنوات سابقة كان هناك وظيفة ومنصب مهم اسمه " الاخصائي الاجتماعي" داخل المدارس مهمته التفاعل والتجاوب مع مشاكل وأزمات الأطفال في الدارس وخاصة في مراحل التعليم الأساسي، والأجيال القديمة مازالت تتذكر أسماء الاخصائي أو الاخصائية الاجتماعية، وأظنها وظيفة أصبحت من الماضي وتفعيلها ضرورة بعودة الاخصائي الاجتماعي بصورة متطورة في هيئة فريق متخصص من علماء النفس والتربية النوعية داخل كل مدرسة في مراحل التعليم الأساسي
إعادة الانضباط لمدارسنا وحماية الأمن النفسي والاجتماعي لأطفالنا قضية أمن قومي ومسئولية مشتركة تقع على عاتق الجميع وليس جهة أو وزارة معينة.