داليا مجدي عبد الغني

دع السبابة

السبت، 27 يناير 2024 02:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كم أعجبتني الحكمة القائلة: "عندما تشير بإصبعك نحو شخص تنتقده، فلا تنسى أن هناك ثلاثة أصابع أيضًا تُشير نحوك أنت. قبل أن تصف الناس، انظر لنفسك".
 
هيا بنا نُشير بالسبابة الآن إلى أي شيء، سنكتشف أن هناك ثلاثة أصابع في اليد تُشير في اتجاهنا، هذه التجربة ربما ستضعنا على طريق الحقيقة، وهو أن مَنْ يستمتع بنقد الغير، والتعمق في صفاته، والتركيز على أخطائه، ينسى أنه مليء أيضًا بأمور وصفات تستلزم النقد.
 
والواقع أكد أن حالة النقد التي يُمارسها الإنسان على الآخرين لها مُتعة خاصة وجذابة لديه، فهي تُشعره أنه الأعلى والأفضل، فهو يتعايش حالة التنظير والتتبع والإشراف، وهذا بالقطع يمنحه حالة من الإحساس بالأهمية والقوة، لذا يترك لنفسه العنان في الاسترسال في التركيز في عُيوب الآخرين ونقائصهم، بل وأحيانًا مُحاولة إسداء النصح لهم، والتعقيب على تصرفاتهم وسلوكياتهم.
 
ولكن ما لا يُدركه هذا الشخص أنه لو تبادل المواقع مع الغير، سيُصاب بحالة من رفض وضعه موضع النقد والتهكم والاتهام، ولكنه في نشوة إحساسه بالسلطة الزائفة، لا يرى عيوبه أو أخطاءه، ولا يُبصر ما يتسبب فيه من إيذاء مشاعر الآخرين، عندما يسلط الضوء على تصرفاتهم، ويضعها موضع النقد والتحليل والتفسير، فهو في هذه اللحظة كأنه يُعري مَنْ أمامه، ويُجرده من كل أشكال الحماية وصون الكرامة، فهو سلوك لا إنساني ولا يحمل أي مشاعر تتسم بالرحمة.
 
فلو كان النقد واجبًا، فالأحرى أن يكون مُوجهًا للذات، فهي التي تحتاج إلى تقويم مُستمر، وردع دائم حتى لا تسقط في بئر الشهوات، التي تُدمرها وتقضي عليها.
 
فدعوا إصبع السبابة الذي لا يكلّ عن رمي الاتهامات على الآخرين، وركزوا على الأصابع الثلاثة التي تشير إلى أصحابها، فهي الأولى بالاهتمام، فاتهام الآخرين ونقدهم لن يعود بالنفع على الشخص في شيء، أما ردع الذات وتهذيبها، بالقطع سيعود بالنفع على صاحبه وعلى الآخرين، لأنه سيُقوم صاحب الشأن، وسيحمي الآخرين من إيذائه وسلبياته.
 
فلو كل إنسان ركز على نفسه وفي عيوبه ومثالبه وسلبياته، فبلا أدنى شك لن يجد لحظة واحدة لأن يُشير بالسبابة إلى أي شخص، فنحن ملأى بالعيوب، ولكن العين لا تُبصر إلا عيوب الآخرين.
 









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة