هانى عثمان

نهاية سعيدة

الإثنين، 01 أكتوبر 2018 12:30 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مشهد – 1

كان على الأم أن تظهر حبها لابنها بصورة جلية تعبر عن اختيار يبنى ما هو قادم، كانت على استعداد أن تضحى بعمرها سبيل لحظة تضمه فيها إلى حضنها، يطرق أحدهم باب غرفتها وهى ممددة فوق فراشها لا تدرك كثيرا مما حولها، كانت مسافرا يجمع حقائبه قبل مغادرة المنزل، لا ترى شيئا حولها مكتمل، بدأت تنتقل إلى عالم آخر وهى فاقدة القدرة على الحركة رافعة راية الاستسلام أمام الواقع، تخبر نفسها أن هذه هى الحياة وهذه هى نهايتها، تبكى بعد أن أيقنت أن النهاية ليست سعيدة كما تمنتها، لم تجد حينها إلا واحدا تلجأ له حتى فى صمتها: "يارب أرجو منك وأنا فى آخر أوقاتى فى الدنيا أن تجعل خاتمتى فيها كما تمنيتها" تنتبه فى لحظاتها الأخيرة لمن يحدثها فتنظر لترى ابنتها كما لو أنها تصرخ فى وجهها من شدة الفرح وتخبرها أن شقيقها لم يمت، ليكون الفراق سعيدا وتموت وهى تبتسم.

 

مشهد – 2

كنت فى حاجة للهروب والسفر بعيدا عن كل ما أعرفه واعلم به أمرا، هاربا من مشاكل الواقع المتكررة والمتاعب المستمرة سواء هنا أو هناك، لكن كان أكثر ما يحزننى هو مرض أمى وما يترتب عنه من تأخر فى حالتها الصحية، بل الأخطر ما يتركه من أثر سيئ فى حالتها النفسية، نعم تقدم العمر بها وأصبحت امرأة عجوزا لكن عقلى يرفض أن يتقبل ما يطرحه الواقع بأنها تعيش أيامها الأخيرة على حسب ما أخبرنا به الأطباء، أقود سيارتى فى طريق خال من الرفقة أو عابرى السبيل، أسرع وكلما رأت عينى الطريق خاليا أسرع أكثر وأكثر، وفى لحظة أفقد السيطرة لأصدم بالسيارة أحدا ممن يعبرون الطريق من حين لآخر، تنقلب السيارة وأنا بداخلها، أدور معها وكأنى عدت صغيرا يدور فى الهواء وكل ما حوله صاف وبرىء، أرى عالما لم أره من قبل ويصعب على المرء وصفه.. رأيت أمى تمد يدها لى وأنا نائما وسط حطام سيارتى لا أقوى على الحركة لدرجة أنى لا أستطيع أن أفتح عينى لأرى من تجمعوا حولى ويرددون: "لا حول ولا قوة إلا بالله.. لا إله إلا الله"..كان أول ما فكرت فيه عندما استعدت وعيى فى المستشفى أن اطمئن امى على سلامتى.

 

مشهد – 3

الفراق ليس سهلا على المرء تحمله حتى وان كان فى أضعف صوره متجسدا، مات والدى وأنا طفلة صغيرة لم أكن أدرك حينها غير ما أخبرونى به وهو: "بابا سافر عند ربنا"..كانت أمى وأخى هما كل ما لى فى هذه الدنيا، وكنت أعلم أن أخى هو أقرب الأقربين لقلب أمى، وهذا لم يغضبنى بل كان يزيد حماستى فى النيل من هذا القلب الذى تعلمت منه أن الحب ليس إلا طريقا سهلا لمعرفة الله.. يرن الهاتف لأجيب وأسمع أحدهم يخبرنى أن أخى توفى فى حادث سيارة، لأقف ولا أحرك ساكنا، كانت المرة الأولى التى أعلم فيها أن حياة الحب ليس لها نهاية، وجميعا نتمناها سعيدة ولا يخيب ظن من ظن فى الله خيرا.. ثوان معدودة كنت غائبة فيها عن الحياة وكأنى مسافرة لا تعلم وجهتها.. رأيته كما كنت أراه دائما عزيزا، لكنى اليوم فقدته..أعود إلى واقعى لأنظر إلى أمى التى اختارت الصمت والبكاء.. دقائق قليلة ليعود الهاتف يرن مرة أخرى وأنا أخاف أن أجيب، كان الوقت يمر دهرا فى كل ثانية..يخبرنى المتصل أن هناك خطأ حدث فى الأسماء وشقيقى لم يمت بل استعاد الوعى وهو الآن يرقد فى المستشفى.. النهاية تأتى دائما، لكننا لا نعلم من سيكون فى كل مرة بطلا لها، ومن ينجح فى جعلها نهاية سعيدة.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة