أوروبا على أعتاب ثورة سيادة رقمية.. سباق الذكاء الاصطناعى بين الطموح الأمنى والاقتصادى من أجل اللحاق بأمريكا والصين.. وإطلاق مشاريع عملاقة أولى خطوات تطوير الـAi.. ونقص الاستثمارات الضخمة أبرز التحديات

الجمعة، 21 نوفمبر 2025 06:00 ص
أوروبا على أعتاب ثورة سيادة رقمية.. سباق الذكاء الاصطناعى بين الطموح الأمنى والاقتصادى من أجل اللحاق بأمريكا والصين.. وإطلاق مشاريع عملاقة أولى خطوات تطوير الـAi.. ونقص الاستثمارات الضخمة أبرز التحديات أوروبا على أعتاب ثورة سيادة رقمية - أرشيفية

فاطمة شوقى

تشهد أوروبا اليوم واحدة من أكثر المراحل حساسة فى تاريخها التكنولوجى، حيث تجد نفسها أمام سباق محموم لفرض سيادة رقمية حقيقية فى عالم باتت تهيمن عليه الولايات المتحدة والصين فى مجالات الذكاء الاصطناعى والحوسبة الفائقة والتقنيات المتقدمة، وبينما يتحرك العالم بسرعة مذهلة، تدرك دول الاتحاد الأوروبى أن البقاء على الهامش لم يعد خيارا، وأن مستقبل الاقتصاد والأمن والقوة الجيوسياسية مرهون بالقدرة على تطوير تكنولوجيا محلية قادرة على المنافسة فى السباق العالمى.

 

طموح أوروبى يتجاوز الاقتصاد إلى الأمن القومي

على مدى العقود الماضية، اعتمد الاتحاد الأوروبى بشكل كبير على شركات أمريكية وصينية فى مجالات التكنولوجيا السحابية والذكاء الاصطناعى والبيانات الضخمة. هذا الاعتماد بات اليوم مشكلة استراتيجية، إذ يهدد القدرة الأوروبية على حماية بيانات مواطنيها، ويضع الاقتصادات الوطنية تحت رحمة شركات التكنولوجيا الكبرى.

 

من هنا ظهر مفهوم السيادة الرقمية، كأحد أهم أولويات بروكسل. وترى الدول الأوروبية أن التحدى لم يعد فقط اقتصاديًا، بل أصبح مسألة أمن قومى، لأن من يمتلك التكنولوجيا يمتلك القرار السياسى، ومن يتحكم فى البيانات يتحكم فى المجتمع والاقتصاد والثقافة.

 

وتسعى المفوضية الأوروبية لذلك إلى إطلاق مشاريع عملاقة مثل مبادرة Gaia-X للسحابة الأوروبية، وتوسيع استثمارات برامج Horizon Europe لدعم الابتكار وريادة الأعمال التكنولوجية، إضافة إلى استراتيجية الذكاء الاصطناعى التى تهدف إلى جعل أوروبا مركزًا عالميًا للذكاء الاصطناعى المسؤول والأخلاقي.

 

الذكاء الاصطناعي.. الحلبة الكبرى للصراع التكنولوجي

بينما تقود الولايات المتحدة العالم عبر شركات مثل OpenAI، Google وMeta، وتواصل الصين صعودها الهائل من خلال شركات مثل Baidu وAlibaba وTencent، تجد أوروبا نفسها متأخرة فى إنتاج نماذج لغوية ضخمة، وحوسبة متقدمة، وبنية تحتية تعتمد على المعالجات والشرائح المصنعة محليًا.

 

ورغم ذلك، بدأت قارة أوروبا فى التحرك بقوة لإغلاق هذه الفجوة، عبر: دعم الشركات الناشئة فى مجالات الذكاء الاصطناعى، واستثمارات مليارات اليورو فى بناء مراكز حوسبة فائقة، وتشجيع الجامعات الأوروبية على تطوير نماذج لغوية أوروبية مشتقلة مثل مشروع ليو الألمانى، وتطوير تشريعات تعد الأولى من نوعها عالميا مثل قانون الذكاء الاصطناعى الأوروبى الذى يضع إطار قانونيا صارما لاستخدام التكنولوجيا.

 

هذه الخطوات تهدف إلى وضع أوروبا كلاعب قوى فى معركة النماذج وحرب البيانات التى باتت إحدى سمات الجغرافيا السياسية الحديثة.

 

التحديات: فجوة الابتكار والاستثمارات المحدودة

رغم الطموحات الكبيرة، تواجه أوروبا عقبات كثيرة تعطل مسارها نحو استقلال رقمى حقيقى، أهمها:

1- نقص الاستثمارات الضخمة

بينما تضخ الولايات المتحدة والصين مئات المليارات فى الذكاء الاصطناعى، ما يزال الإنفاق الأوروبى أقل بكثير، خاصة فى القطاع الخاص الذى يفضل الأمان الاقتصادى التقليدى على المخاطرة التكنولوجية.

2- البطء البيروقراطي

اللوائح الأوروبية، رغم أنها رائدة عالميًا فى الجانب الأخلاقى لتنظيم التكنولوجيا، إلا أنها كثيرًا ما تُتهم بأنها تعرقل الابتكار وتضع قيودًا على الشركات الناشئة، خلافًا للمرونة الأمريكية والسرعة الصينية.

3- عدم وجود عمالقة تكنولوجيين

وتعتمد أوروبا بشكل كبير على شركات أجنبية فى البرمجيات والأجهزة، فى حين تفتقد إلى شركات بحجم Google أو Microsoft، ما يجعلها أقل قدرة على المنافسة فى سوق النماذج الكبرى والبيانات.

4- نقص المواهب الرقمية

تتجه أغلب العقول الأوروبية الشابة إلى العمل فى وادى السيليكون أو شركات آسيوية بسبب الرواتب المرتفعة والفرص الأكبر، مما يتسبب فى "هجرة رقمية" تهدد التقدم المحلي.

الطريق إلى الأمام: سباق مع الزمن

لتحقيق استقلال رقمى حقيقى، تحتاج أوروبا إلى استراتيجية شاملة تعتمد على:

- مضاعفة الاستثمارات الحكومية والخاصة.

- تقوية الشركات الناشئة عبر تسهيلات اقتصادية.

- دعم مراكز الأبحاث الجامعية وربطها بالصناعة.

- تطوير سياسات جذب للكفاءات العالمية.

- بناء بنية تحتية رقمية مستقلة تمامًا عن الولايات المتحدة والصين.

 

وفى ظل عالم يتجه نحو هيمنة الذكاء الاصطناعى، تدرك أوروبا أن استعادة ريادتها لن يكون خيارًا بل ضرورة. فالسيادة فى القرن الحادى والعشرين لن تُقاس بالحدود الجغرافية، بل بامتلاك البيانات، الخوارزميات، والمعالجات

 

وفى النهاية، فإن معركة الذكاء الاصطناعى ليست مجرد منافسة تكنولوجية، بل صراع على القوة والهوية والمستقبل، وأوروبا تعرف أنها أن لم تلحق الآن، قد تجد نفسها بعد سنوات متأخرة عقودًا كاملة، فى عالم يحكمه من يمتلك التكنولوجيا لا من يستهلكها.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب