سلطت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الضوء على افتتاح المتحف المصرى الكبير، وقالت إن المتحف الذى يضم آثار هائلة أهمها على الإطلاق المجموعة الكاملة للملك توت عنه امون، يجدد مطالب المصريين بإعادة أغلى آثارهم من المتاحف الأوروبية إلى وطنها.
وقالت الصحيفة إن مجموعة توت عنخ آمون الجديدة جوهرة المتحف المصري الكبير، الذى وصفته بالمجمع الضخم زى التصميم الفاخر، تطل عليه أهرامات الجيزة العظيمة من الصحراء خلفه. بعد عقود من العمل، فتح المتحف أبوابه للجمهور هذا الأسبوع.
وأشارت إلى أن المتحف يضم مجموعةً هائلةً من القطع الأثرية المحفوظة بشكلٍ رائع من حضارةٍ عريقةٍ أبهرت علماء الآثار والمؤرخين وزوار المتاحف لقرون.
تجديد المطالب بعودة الآثار المصرية من الخارج
ذهبت الصحيفة إلى أن المتحف المصري الكبير يعد، بالنسبة لحكومة القاهرة، رمزًا لطموحاتها في رفع مكانة البلاد، وعائدات السياحة، التى تمثل شريان الحياة للاقتصاد. وبالنسبة للعديد من المصريين، ينظر إلى المتحف الجديدعلى أنه منصة لتجديد المطالبات بعودة آثار مصر الأكثر شهرة إلى وطنها، لا إلى قاعات المتاحف الأوروبية.
ونقلت نيويورك تايمز عن مونيكا حنا، عالمة المصريات الرائدة المقيمة في القاهرة قولها إن الحجج القديمة ضد عودة الآثار من الخارج تتهاوى. وأكدت أن المتحف الجديد بمثابة إشارة للعالم بأن مصر تمتلك القدرة والإرادة والمرافق عالمية المستوى لاستضافة تراثها الخاص.
المتحف الكبير..مجمع متاحف
وأشارت نيويورك تايمز إلى أن المتحف الكبير الذي تبلغ مساحته 5.4 مليون قدم مربع، ويمتد على مساحة تزيد عن 90 ملعب كرة قدم، بمثابة عدة متاحف في مجمع واحد، مؤكدة أنه سيكون من شبه المستحيل رؤية كل شيء هناك في يوم واحد.
وتحدثت الصحيفة عن القاعة الخاصة بعرض المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون، والتى تم افتتاحها مؤخراً، وقالت إن الزوار يدخلون إلى صالات عرض توت عنخ آمون عبر رواق مليء بالنقوش الهيروغليفية البراقة، حيث ُقدم معروضات مستوحاة من حياة الملك الشاب ووفاته وبعثه المأمول.
أو يُمكن للزوار البدء من غرفة تُبرز الإثارة العالمية التي أحاطت باكتشاف العالم البريطانى هوارد كارتر لمقبرة الملك توت، والتى يعرض فيها العديد من القطع - بما في ذلك كرسي خشبي مُذهّب بأقدام حيوانات منحوتة ومزهرية حجرية شفافة منحوتة على شكل أزهار اللوتس.
وتُعرض عدة قطع لأول مرة، بعد سنوات من الترميم الدقيق. ومن أكثرها إثارة للإعجاب درع توت عنخ آمون، المصنوع من قطع صغيرة من الجلد المُثبتة التي تُعطي مظهر قشور السمك.
المتحف يروى قصص الحياة اليومية للمصريين القدماء
يقول المؤرخون المصريون إن أكثر ما يثير اهتمامهم في تصميم المتحف المصري الكبير ليس التماثيل الشاهقة والمجوهرات الباذخة، بل القطع التي تروي قصة الحياة اليومية للمصريين القدماء. حيث تضم الصالات تماثيل لصانعي جعة وخبازين أثناء عملهم، وتماثيل نصفية تُظهر تسريحات شعر النساء القديمة - من شعر قصير إلى شعر مستعار مجعد، مُصممة لإبراز آذانهن. ويُخلد تمثال صغير من الطين لرجل يُداعب كلبه الرابطة الإنسانية التي تمتد لآلاف السنين بين الإنسان والكلب.
وتقول مونيكا حنا، عالمة الآثار المصرية، إن أهم القطع هي تلك التي تربطنا بالسكان غير الملكيين، وبالحياة اليومية.
ولإحياء روح الحياة اليومية المصرية، يضم المتحف بعض المعروضات عالية التقنية. ععلى سبيل المثال، داخل إعادة بناء أحد المقابر، تظهر فجأةً شاشات ملونة لأفاريزها الأصلية، تصّر مشاهد يومية لصيادين يسحبون أقواسهم لصيد الغزلان التي تقفز من الشاشة؛ ومزارعين يتمايلون وهم يوازنون سلالاً مثقلة على أكتافهم.
توقعات بجذب خمسة ملايين سائح
تشير نيويورك تايمز إلى أن مصر تعول على أن يجذب هذا المتحف الرائع أعدادًا غفيرة من السياح، وجلب العملة الصعبة التي تحتاجها بشدة. وكان وزير السياحة والآثار، شريف فتحي، قد قال إنه يتوقع أن يجذب المتحف ما يصل إلى خمسة ملايين زائر سنويًا، وأن المطورين يُسارعون إلى بناء حوالي 12 ألف غرفة فندقية لاستقبالهم.
لكن المتحف لا يقل جاذبية للمصريين أنفسهم. فقد شهد يوم الافتتاح ازدحامًا بالزوار، ليس فقط من جميع أنحاء العالم، بل من جميع أنحاء البلاد أيضًا. وقف رجال مسنون يرتدون الجلباب لالتقاط الصور أمام واجهات زجاجية، بينما كانت فتيات مصريات يصورن مقاطع فيديو لأنفسهن بجانب قلادات بألوان زاهية.
ويقول المسئولون فى مصر إن إسعاد الجمهور هو أحد أهداف المتحف. وبفضل مرافق الترميم الجديدة وفريق العمل الداخلي الذي يضم حوالي 300 مرمم، يسعى المتحف أيضًا إلى استعادة مركز ثقل علم المصريات، الذي طالما ركزت عليه الجامعات الغربية، إلى المصريين.
ونقلت نيويورك تايمز عن أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي للمتحف، قوله إن علم المصريات مجال نشأ فى مصر، لكنه يشهد ازدهارًا في العالم الخارجي، ونريد استعادته.
حملات مصر لاستعادة آثارها من الخارج
وتلفت الصحيفة إلى أن هذا مجرد غيض من فيض بالنسبة للعديد من المؤرخين المصريين، الذين قادوا حملات لا حصر لها للمطالبة بـ استعادة الاثار المصرية القديمة من الخارج، تمثال الملكة نفرتيتي النصفي، الذي يعود تاريخه إلى 3300 عام، والمعروض في متحف نيوس ببرلين، وحجر رشيد في المتحف البريطاني، وبروج دندرة في متحف اللوفر.
إلى جانب الحجج التى زعمت بأن عمليات نقل تلك القطع خارج مصر كانت قانونية بموجب قوانين الحقبة الاستعمارية، يقول النشطاء إن الحجة الأخرى التي قُدمت لرفض إعادة هذه القطع هي أن متاحف مصر لم تتمكن من التعامل مع هذه القطع الثمينة، مع تكرار حالات التلف أو النهب. لكن علماء المصريات يقولون إن هذه الحجج أصبحت واهية الآن.
ويؤكد العلماء إن المتحف المصري الكبير ليس فقط مُضيفًا مناسبًا، بل يُشككون في أي مؤسسة تزعم أنها لا تتعرض لمشاكل التلف أو النهب. في عام 2020، تم رش الزيت على 70 قطعة أثرية مصرية (بما في ذلك توابيت) في جزيرة المتاحف ببرلين، وتعرضت المتاحف الأوروبية لسلسلة من السرقات في السنوات الأخيرة، بما في ذلك سرقة مجوهرات التاج الفرنسي من متحف اللوفر الشهر الماضي.
قال بسام الشماع، العالم مصريات بالقاهرة لنيويورك تايمز: لا تُحدّثني عن الحماية من فضلك. نحتاج إلى استعادة مقتنياتنا، وخاصةً من متحف اللوفر".