من المعروف أن سماع أصوات مثل مضغ الآخرين لطعامهم أو النقر على الأسطح، أمر مزعج، وقد يثير استياء أو اشمئزاز الشخص الذى يستمع إليها، لكن أحيانا قد تتسبب تلك الأصوات فى ردود فعل عنيفة لمن يسمعها، وهى الحالة المعروفة بـ"كراهية الأصوات".
ووفقا لموقع "Times of India" تحدث الحالة المعروفة بـ"كراهية الأصوات" نتيجةً لخلل فى الروابط الدماغية بين المناطق السمعية والعاطفية، حيث يُنظر إلى الأصوات غير الضارة على أنها تهديدات، مما يؤدي إلى غضب أو قلق لا إرادي، ويعد فهم هذا الأساس البيولوجي والنفسي الخطوة الأولى في إدارة هذه الاستجابات.
السبب العلمى وراء "كراهية الأصوات"
أوضحت دراسة نشرت في مجلة " كارنت بيولوجي" من قِبل جامعة نيوكاسل، أنَّ الأشخاص الذين يتفاعلون بشدةٍ مع الأصوات المُتكررة، مثل المضغ أو النقر أو التنفس، يظهرون روابطَ غير طبيعية بين منطقتي السمع والعاطفة في الدماغ.
وكانت القشرة الجزيرية الأمامية، وهي جزءٌ من الدماغ مسئولٌ عن معالجة العواطف، أكثر نشاطًا بكثير لدى الأشخاص الذين يعانون من هذه الحساسية، وقد عرّفت الدراسة هذه الحالة باسم "كراهية الأصوات"، وهى حالة تُثير فيها أصوات يومية مُحددة ردود فعل عاطفية وجسدية شديدة، كالغضب والقلق والاشمئزاز.
ولا يتعلق الأمر بشدة الصوت، بل بتكرار ونمط أصوات مُعينة، وقد اكتشف فريق نيوكاسل أن المصابين بكراهية الأصوات لديهم روابط أقوى بين القشرة السمعية ومراكز تنظيم المشاعر، ويعني هذا أن أدمغتهم تفسر الأصوات غير الضارة على أنها تهديدات محتملة، مما يخلق استجابة عاطفية قوية تبدو غير إرادية.
لماذا يتفاعل دماغك بقوة مع بعض الأصوات المتكررة؟
يعتقد علماء الأعصاب أن لهذه الحساسية جذورًا تطورية، فقد احتاج البشر الأوائل إلى الاستجابة السريعة للأصوات المتكررة أو غير العادية التي قد تُنذر بالخطر أو المرض داخل مجموعة، وبالنسبة لبعض الأدمغة الحديثة، فإن نظام الإنذار القديم هذا مفرط النشاط. فهو يتعامل مع الأصوات اليومية كما لو كانت تهديدات.
هناك تفسير نفسي أيضًا يرتبط بنشأة الشخص المصاب بتلك الحالة، فإذا نشأ شخص ما وهو يسمع صوتًا متكررًا خلال مواقف عصيبة، مثل نقر أحد أفراد الأسرة أو شمّه أثناء الجدال، فقد يُكوّن الدماغ ارتباطًا سلبيًا دائمًا، وفي وقت لاحق من الحياة، يُثير هذا الصوت نفسه استجابة التوتر نفسها تلقائيًا، حتى في سياقات غير ضارة.
أشهر الأصوات المرتبطة بتلك الحالة
ليس كل شخص حساس للأصوات نفسها، لكن الأبحاث تُظهر أن العديد من الأصوات غالبًا ما تُسبب كراهية الأصوات، وتشمل ما يلى..
المضغ أو الشفط أو البلع بصوت عالٍ
النقر بالقلم، أو النقر بالإصبع، أو الكتابة
التنفس الثقيل، أو الشم، أو تنظيف الحلق
دقات الساعة، أو قطرات الماء، أو حفيف الورق
طرقعة القدم أو فرقعة المفاصل
قد تُسبب هذه الأصوات شعورًا فوريًا بعدم الراحة أو الغضب، حتى مع علم الشخص بأن رد فعله غير منطقي، غالبًا ما يُضيف هذا الوعي شعورًا بالذنب أو الإحراج، مما يُفاقم التوتر والتجنب.
التأثيرات العاطفية والجسدية لحساسية الصوت
عندما يسمع شخص مصاب بمتلازمة كراهية الأصوات صوتًا محفزًا، يستجيب جسمه كما لو كان يواجه تهديدًا حقيقيًا، عندها يفرز الدماغ هرمونات التوتر، ويرتفع معدل ضربات القلب، وتتوتر العضلات.
ويبلغ بعض الأشخاص عن موجة من الانفعال أو الذعر أو الرغبة في مغادرة الغرفة، وتفسر هذه الاستجابة "للقتال أو الهروب" سبب صعوبة التركيز أو الاسترخاء لدى المصابين عند تعرضهم لأصوات متكررة، يتضمن هذا التفاعل المبالغ فيه خللاً في التواصل بين الجهازين السمعي والحوفي، اللذين ينظمان الانفعالات.
في جوهره، لا يستطيع الدماغ فصل الضوضاء غير المؤذية عن التهديد العاطفي، مما يؤدي إلى رد فعل مبالغ فيه.
التعايش مع "كراهية الأصوات"
لا يوجد علاج حاليًا لمرض كراهية الأصوات، ولكن هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن أن تجعل التعايش معه أسهل، مثل:
إخفاء الصوت: يساعد استخدام أجهزة الضوضاء البيضاء أو الموسيقى الهادئة في الخلفية على تشتيت الانتباه عن الأصوات المحفزة.
العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد هذا العلاج على إعادة صياغة الاستجابات العاطفية وتعليم تقنيات التكيف.
اليقظة والاسترخاء: يمكن أن يساعد التنفس العميق والتأمل في تنظيم استجابة الجسم للتوتر.
التواصل: التحدث بصراحة عن المحفزات التي قد تواجهها مع عائلتك أو زملائك قد يمنع حدوث سوء الفهم.
في الحالات الشديدة يُجدي بعض الأشخاص نفعًا بالتعاون مع أخصائيي السمع، أو المعالجين المتخصصين في اضطرابات تحمل الصوت، كما أن استخدام أدوات عملية، مثل سماعات الرأس العازلة للضوضاء أو اختيار بيئات أكثر هدوءًا، يُحدث فرقًا ملحوظًا.