حدَّدت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة 7 من نوفمبر 2025م، الموافق 16 من جمادى الأولى 1447هـ، بعنوان: "إدمان الأطفال وسائل التواصل الاجتماعي".
وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من هذه الخطبة هو التحذير من خطورة إدمان وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا على الأطفال، وسبل مواجهة ذلك.
مبادرة صحح مفاهيمك توضح خطورة السوشيال ميديا على الأطفال
في الآوانة الأخيرة، شهد العالم ثورة هائلة في مجال التكنولوجيا والاتصالات أدت إلى انتشار واسع النطاق لوسائل التواصل الاجتماعي أو ما يُعرف بالسوشيال ميديا، هذه الوسائل لم تعد مقتصرة على الكبار، بل أصبحت جزءًا من حياة الأطفال والمراهقين، حتى ظهر ما يُسمى بـ “إدمان الأطفال السوشيال ميديا".
تعريف الظاهرة ومفهومها ورصدها
الإدمان لغة: الملازمة والعكوف على الشيء، واصطلاحًا: التعود على نشاط معين بحيث يصبح التخلص منه صعبًا.
السوشيال ميديا: منصات إلكترونية كفيسبوك وإنستجرام وتيك توك وغيرها، وإدمان السوشيال ميديا يعد من الاضطرابات السلوكية الرقمية التي تؤثر على مستويات التركيز والنمو النفسي عند الأطفال.
مفهوم الظاهرة:
إدمان الأطفال على السوشيال ميديا هو انغماسهم فيها بشكل مفرط يفقدهم السيطرة على الوقت ويؤثر سلبًا على حياتهم الاجتماعية والدينية والنفسية والأعراض السلوكية والصحية، [مركز بيو للأبحاث، ٢٠٢٢]، وحيث أن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي يدخل ضمن اضطرابات الإدمان السلوكي التي تسبب تغيرات كيميائية عصبية في الدماغ تشبه تأثير المخدرات.
الإحصائيات:
يوجد العديد من الاحصائيات حول دراسة هذه الظاهرة ورصدها داخل المجتمعات للوقوف على مدى خطورتها وكيفية معالجتها وفق آليات علمية ودعوية وشرعية، وهذه بعض الاحصائيات التي تم رصدها وهي على النحو التالي:
الأطفال (٨–١٦ سنة) يقضون ٤–٦ ساعات يوميًا على هذه المنصات. [منظمة الصحة العالمية، ٢٠٢٣].
هناك ٤٥% من الأطفال يشعرون بالقلق عند انقطاع الإنترنت. [AAP، ٢٠٢٢].
هناك ٧٠% من الأطفال في الدول العربية يستخدمونها يوميًا دون رقابة. [مركز بيو، ٢٠٢٢].
ولذلك يجب عدم إضاعة الوقت من موارد الإنسان الثمينة، فالوقت هو رأس مال الإنسان وموضوع مسؤولية دائمة، وقد جاء في القرآن الكريم: {وَٱلۡعَصۡرِ * إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسرٖ} [العصر:١-٢]، حيث أقسم الله بالزمن مبينًا أن الإنسان غالبًا ما يكون في خسارة بسبب ضياع وقته، ويقول الإمام الغزالي: "الوقت هو رأس مال الإنسان، فمن أضاعه فقد أضاع حظه" [إحياء علوم الدين].
مظاهر إدمان الأطفال على السوشيال ميديا ومؤشراتها وأسبابها
يوجد العديد من المظاهر التي تم رصدها حول إدمان الأطفال على السوشيال ميديا، مما يجعلنا نستطيع أن نضع أيدينا على الأسباب المؤدية إليها وكيفية الوقوف عليها وعلاجها سواء من الناحية العلمية سواء كانت طبية او نفسية وكذلك معالجتها دعويًا من خلال المنابر الدينية سواء داخل المساجد أو على القنوات التعليمية بالتنسيق مع الجهات الرسمية للدولة ، وكذلك من الناحية الشرعية ببيان ما هو مباح وما هو محرم من خلال تأصيل شرعي موثق سواء من خلال المؤسسات الرسمية للدولة المنوطة بإصدار الفتوى، وتتمثل هذه المظاهر فيما يلى :
انعزال الطفل عن أسرته وأصدقائه، حيث يجد الراحة أو المتعة الواهية في وحدته داخل هذه الشاشة الصغيرة التي اتمامه وهذا العالم الذي يعتبره صديق له، وهذه العزلة تتسبب في ظهور أعراض وأمراض شديدة الخطورة على المدى البعيد.
تراجع المستوى الدراسي وفقدان التركيز وكذلك فقدان الشهية، فبسبب هذه العزلة عن العالم المحيط به يضيع الكثير من الوقت في أشياء فارغة لا قيمة لها من ألعاب لا نهاية لها، وكذلك مواقع التواصل غير الآمنة والتي تؤدى الى نوع من الشتات الذهني والبعد عن المذاكرة، كذلك الانغماس الطويل على هذه المواقع يفقد الانسان شهيته لأنه لا يشعر بالجوع للتركيز الشديد فيما يقوم به من ألعاب وغيرها.
التأثر بسلوكيات وأفكار غير مناسبة مما يشاهده على الانترنت، فالطفل ينشأ على ما يراه ويشاهده حيث عقله الصغير وتفكيره المحدود يجعله يشعر أن هذا عالم حقيقي، فيتأثر بأفكاره مما يؤثر عليه سلبًا ظانًا أن هذا هو العالم الواقعي ويتعامل مع العالم الواقعي بهذا التفكير الخاطئ. الذي يضره كثيرًا مما يجعله يرجع لعزلته لأنه يعتقد أن هذا العالم الافتراضي يفهمه أكثر مما يفهمه المحيطين به.
اضطرابات النوم وشكاوى صحية كالصداع والاضطرابات النفسية، وذلك بسبب كثرة السهر وعدم أخذ القسط الكافي من النوم أو النوم في مواعيد النوم الصحيحة التي يحتاجها الطفل والتي تساعده على الاسترخاء والاستمتاع بالنوم أكثر والشعور بالراحة بعد الاستيقاظ منا لنوم، لذلك نجد العديد من الأطفال يعانون من الصداع أو ضعف النظر أو الحركة المفرطة أو التوحد فهي مشاكلات واقعية تحتاج إلى الوقوف عليها ومعالجتها.
عدم القدرة على التحكم في الوقت والشعور بالضيق عند المنع والعصبية الزائدة فضلًا عن الإصابة بالتوحد.
قال الإمام القشيري: "المرء عبدٌ لما أَلِفَ، فإن كان طيبًا طاب، وإن كان خبيثًا خبُث". [الرسالة القشيرية].
الأسباب:
لكل ظاهرة أسباب تنبثق عنها بحيث تجعل هذه الظاهرة واضحة ومحل دراسة وبحث ومعالجة، وظاهرة ادمان الأطفال على السوشيال ميديا لها عدة أسباب واضحة نبينها فيما يلي:
توفر المحتوى التفاعلي
إن وجود المحتوى التفاعلي والمتنوع باستمرار على الهواتف الذكية يعتبر من أهم أسباب إدمان الأطفال على الأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية، لدوره في تحفيز وإشعال خيالهم وفضولهم، كما أن الألعاب الإلكترونية والتطبيقات الترفيهية تقدم تجارب تعلم ممتعة تلبي احتياجات الطفل العقلية والإبداعية، مما يجذب الطفل لقضاء وقت طويل على الأجهزة الإلكترونية.
التواصل الاجتماعي
يسهم استخدام الهواتف الذكية في توسيع دائرة اتصال الأطفال وتقديم وسيلة للتواصل الفوري مع أصدقائهم، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للأطفال بناء وصيانة علاقاتهم الاجتماعية، ولكن يمكن أن يؤدي هذا الانخراط المكثف إلى انعزالهم عن العالم الواقعي ورفع احتمالية الإدمان على الهواتف الذكية.
الهروب من الواقع
في حال وجود ضغوط أو تحديات للأطفال في حياتهم اليومية، سواء في محيط الأسرة أو المدرسة، قد يلجؤون للهواتف الذكية كملجأً رقمياً، حيث يجدون فيها الراحة والتسلية، ومع زيادة هذه التحديات والضغوطات تزداد احتمالية حدوث إدمان الطفل على الهاتف والأجهزة الإلكترونية.·
الإدمان النفسي
إن وجود المحفزات داخل التطبيقات والألعاب مثل المكافآت والتسهيلات في حال تم قضاء وقت أكبر في اللعب، يؤدي لإحداث تأثير نفسي على الأطفال ويزيد من شعورهم بالحاجة للاستمرار في اللعب للحصول على هذه المكافآت، مما يعزز احتمالية الوصول لمرحلة الإدمان على الهواتف الذكية.
قلة الإشراف التربوي
في حال غياب الإشراف الكافي من قبل الأهل، وغياب التوجيه والقيود التي توجههم للاستخدام الصحي للتكنولوجيا، يمكن أن ينخرط الأطفال في استخدام الهواتف الذكية بشكل غير مراقب، وزيادة احتمالية الإدمان.
الرأي الشرعي في الظاهرة وكيفية التصحيح
الأسرة هي البنيان الأساسي للمجتمع، لذا تحظى بالمكانة العالية في الإسلام، الذي حث على تكوين الأسرة المسلمة والحفاظ عليها، ولذلك جعل الرعاية من قبل الابوين واجبة عليهما للحفاظ على هذا البنيان من التشتت أو الضياع وقد حرص القران الكريم على الاتزان والتوسط في كل شيء فقال جل شأنه {وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} [الأنعام:١٤١]، وأكد على هذه الضرورة بأن الانسان مسئول ومحاسب على كل ما يفعله قال تعالى: {إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا}، [الإسراء:٣٦]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ..»، [صحيح البخاري (٥٢٠٠)]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ». [البخاري ٦٤١٢]، ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أن يشغل بما هو أهم وأن يترك فضول الأشياء أو ما لا تفيده فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مِنْ حُسْنِ إسلامِ المرءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ»، [الترمذي ٢٣١٧، حسن]، ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أن يكون الانسان ذا شخصية مستقلة واعية نافعة فيما هو مفيد لا أن يكون مقلدًا في كل شيء سواء صحيح أو فاسد فقال عليه الصلاة والسلام «لا تَكونوا إمَّعةً، تقولونَ: إن أحسنَ النّاسُ أحسنّا، وإن ظلموا ظلَمنا، ولَكن وطِّنوا أنفسَكم...» [سنن الترمذي (٢٠٠٧)]، كما أنه لا بد أن تكون هناك ضوابط أخلاقية تحكم الأفراد داخل الأسرة ومنها الرضا بالواقع الذي كتبه الله علينا، والاقتداء بالصالحين دون غيرهم، وعدم إهدار الوقت فيما لا يجلب النفع، والأهم هو أن يقوم كل فرد في الأسرة بالدور الذي أوجبه الله عليه دون إفراط أو تفريط، وهذا ما يضمن الحفاظ على البنيان الأسري من الانهيار ، و أفادت دار الإفتاء المصرية: أكدت أن الإسراف في استخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي فيه ضياع للأوقات وإهمال للواجبات، وهذا مخالف لهدي الإسلام، "إهدار الوقت في ما لا ينفع منهيٌّ عنه شرعًا، وعلى الوالدين مسؤولية شرعية في متابعة أولادهم وحمايتهم من كل ما يضرهم"، [بيان رسمي ٢٠٢١].
التصحيح الشرعي:
يجب تربية الأطفال على مراقبة الله تعالى في كل ما يشاهدون، انظر الآية في [الإسراء:٣٦].
العمل على تقليل أوقات الاستخدام بما لا يشغل عن الصلاة والواجبات.
يجب اختيار المحتوى المفيد وتعليمهم ترك ما لا ينفع، وفقًا لنص هذا الحديث المذكور سابقًا [الترمذي ٢٣١٧، حسن].
معالجة الظاهرة وحلول عملية لها الحلول الأسرية:
تحديد وقت لا يزيد عن ساعتين يوميًا، وتعليمهم أهمية الوقت في حياتهم، ولابد من السيطرة على نفس الطفل وعمل توازن لعامل الوقت، وذلك من خلال تخصيص وقت لقضائه مع الأسرة، وهاذ دور الوالدين في توعية الطفل حول ضرورة التفاعل بشكل مباشر مع الأهل والأقارب.
إشراك الأطفال في أنشطة بديلة [رياضة، قراءة، مسابقات علمية]، ذلك يجب على كل والدين الاهتمام بطفلهم ومتابعة أنشطته اليومية، وتقديم الدعم النفسي له، هذا بالإضافة إلى تشجعيه على ممارسة الأنشطة المفيدة والرياضة.
متابعة ما يشاهدونه والتحاور معهم فيما ينفعهم وما لا ينفعهم بأسلوب سهل وبسيط، وذلك من خلال الغاء بعض الحسابات المختلفة والغاء بعض الاشتراكات في المواقع المختلفة الأخرى التي ليس لها أي فائدة.
الحلول التربوية:
إدراج دروس توعية عن مخاطر الإدمان الرقمي في المدارس، [اليونسكو، ٢٠٢٢].
إدراج دروس توعية داخل المساجد، وهو ما تقوم عليه وزارة الأوقاف المصرية من خلال المحاور الأربعة للنهوض بالأسرة والمجتمع وغرس القيم الحضارية وبناء الانسان.
الحلول الدينية:
قال الإمام الغزالي: "قلب الصبي قابل لكل ما يُلقى إليه". [إحياء علوم الدين]، فيجب توجيهه للقرآن والأنشطة النافعة له في بناء شخصيته دينيًّا ومجتمعيًا.
ربط الأطفال بالصحبة الصالحة: كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم «المَرءُ عَلى دينِ خَليلِهِ فَليَّنظُر أَحدُكمْ مَنْ يُخالِلْ» [أبو داود ٤٨٣٣].
التوصيات الإيجابية لمواجهة هذه الظاهرة
فإن وسائل التواصل الاجتماعي ضرورة يتطلبها العصر ولا يمكن الاستغناء عنها، وقد حملت إلى جانب الخير جوانب أخرى يجب أن نراعيها وأن نراقب أبنائنا حتى تخرج هذه البراعم الصغيرة صالحة نافعة للأسرة والمجتمع، لذا كان من الضروري أن نسجل وقفة نرصد فيها فوائد تلك المواقع، لكننا كذلك نسلط الضوء على تأثيرها المدمر على الأسرة بشكل عام والمسلمة بشكل خاص، وندعو الوالدين للعودة سريعًا لدورهما التربوي والقيادي وغرس قيم الدين والأخلاق في الأبناء والأخذ بزمام الأسرة حتى نحافظ على ذلك البنيان المتين والعمل وفق التوجيه الرباني الملهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: ٦].
شهد العالم في السنوات الأخيرة ثورة رقمية هائلة في مجال التكنولوجيا والاتصالات، أدت إلى انتشار واسع النطاق لوسائل التواصل الاجتماعي أو ما يُعرف بالسوشيال ميديا، هذه الوسائل لم تعد مقتصرة على الكبار، بل أصبحت جزءًا من حياة الأطفال والمراهقين، حتى ظهر ما يُسمى بـ “إدمان الأطفال السوشيال ميديا"، هذه الظاهرة باتت تشكل خطرًا على البناء النفسي والاجتماعي والديني للأجيال الناشئة، وقال الإمام الحسن البصري رحمه الله: "يا ابنَ آدمَ إنّما أنتَ أيام، كلّما ذهبَ يومٌ ذهبَ بعضُك"، هذه الكلمات تلخص خطورة ضياع الوقت الذي يُعد من أثمن ما يملكه الإنسان، وهو ما يحدث اليوم للأطفال المنغمسين في السوشيال ميديا كما يستشهد القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:١٠٥]، دلالة على أهمية استثمار الوقت في الأعمال النافعة.