من يتأمل خطوات الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالى والبحث العلمى، يدرك أن الرجل لم يتحرك إلا برؤية جادة لربط التعليم الجامعى بسوق العمل بقدر ما استطاع، وبما توافر له من إمكانيات وصلاحيات تنفيذية، فخلال العامين الأخيرين، تحولت الوزارة إلى معمل للتفكير والتخطيط المستقبلى فى هذا الاتجاه وتحرك الوزير بجدية مع المؤسسات الدولية والقطاعات الإنتاجية، فى محاولة لبناء جسر راسخ بين قاعات الدرس ومصانع الحياة.

هذه الأكاديمية ليست مجرد مبنى جديد، بل فكرة رمزية تعنى أن التعليم المصرى يستطيع أن يكون جزءا من الشبكة العالمية للمعرفة، لا متفرجا على ما ينتجه الآخرون.
المبادرة الثانية التى تستحق التوقف أمامها إطلاق برنامج العلوم المصرفية، بالشراكة بين وزارة التعليم العالى والبنك المركزى والمعهد المصرفى والمجلس الأعلى للجامعات، لتمنح أول درجة بكالوريوس متخصصة فى العلوم المصرفية بدءا من العام الدراسى 2025/2026.

هذه الخطوة تمثل إدراكا ذكيا للتحول الاقتصادى العالمى، وفهما جديدا لمعنى “الجامعة المنتجة”. فالاقتصاد لم يعد يحتاج إلى خريج يحفظ المقررات، بل إلى شريك فى المنظومة المالية قادر على التعامل مع أدوات الاستثمار والتمويل، وقادر على أن يفهم لغة الأسواق، لا لغة الشرح النظرى وحدها.
هى محاولة جريئة لربط التعليم الجامعى المصرى بعصب الاقتصاد الحقيقى، وتقديم نموذج جديد لتفاعل الجامعة مع النظام المالى الوطنى.
وفى الاتجاه نفسه، عمل الوزير على توسيع قاعدة الاتفاقات بين الجامعات المصرية ومؤسسات الصناعة وسوق العمل. لم تعد هذه الاتفاقات مجرد مذكرات تفاهم تنتهى عند التوقيع، بل تحولت إلى برامج تطبيقية وتدريبية تهدف إلى تخريج كوادر تلبى احتياجات السوق فى مجالات الهندسة، والطاقة، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعى. وبذلك تقترب الجامعة المصرية من فكرتها الأصلية كمحرك للتنمية الوطنية، لا مجرد مصدر للشهادات.

سوق العمل
لكن، ومع كل هذه النجاحات الواضحة، تبقى هناك مساحة أوسع للأمل والعمل. فالمطلوب اليوم ليس مجرد مشاريع متفرقة، بل تحول مؤسسى شامل يربط الجامعات بسوق العمل بشكل مستدام.
نحتاج إلى نظام وطنى لتتبع الخريجين، يرصد مدى اندماجهم فى قطاعات الإنتاج، ويقيس كفاءة البرامج الأكاديمية فى توفير فرص حقيقية. كما نحتاج إلى تحفيز الجامعات على إنشاء مراكز للابتكار وريادة الأعمال داخل الحرم الجامعى، بحيث تصبح الفكرة والمشروع جزءاً من المناهج وليس نشاطاً هامشياً.
مصر استطاعت أن تتغلب على المصير من العقبات فى ميدان التعليم العالى، مما يؤكد أننا قادرون على المضى قدماً فى تحقيق الغاية الاستراتيجية بربط التعليم بسوق العمل ففى واحدة من أهم الخطوات التى تعكس تداخلاً مسؤولاً بين السياسات التعليمية والاقتصادية، أطلقت وزارة التعليم العالى بالتعاون مع البنك المركزى المصرى برنامجاً موسعاً للمنح الجامعية يستهدف الطلاب المتفوقين غير القادرين مالياً، وهذه المبادرة جاءت كترجمة عملية لفكرة العدالة التعليمية، حيث تتكفل الدولة بتغطية المصروفات الدراسية والإقامة والإعاشة بالكامل للطلاب الذين يثبت تفوقهم الأكاديمى وانتماؤهم إلى الفئات الأقل دخلاً، بما فى ذلك المستفيدين من برامج تكافل وكرامة، وهذه الخطوة تمثل نقلة نوعية فى فلسفة تمويل التعليم العالى، إذ تربط التميز العلمى بالدعم المالى وتمنح الأمل لآلاف الشباب فى استكمال تعليمهم الجامعى دون عوائق اقتصادية.

إننى أشير إلى هذه التحركات المهمة لأؤكد مدى قدرتنا على تمويل مشروعات كبرى لربط التعليم بسوق العمل فما بدأه الدكتور أيمن عاشور من مسار جديد للتعليم العالى يمثل خطوة حقيقية فى طريق بناء اقتصاد يقوم على المعرفة لا على الصدفة ولقد فتح الوزير باباً واسعاً أمام فكرة الربط بين الجامعة وسوق العمل، وبين العلم والإنتاج، والفكرة والتطبيق.

الذكاء الاصطناعى
لكن العبور إلى المستقبل يحتاج إلى شجاعة فى التنفيذ واستمرارية فى الرؤية، فالتعليم المنتج ليس رفاهية بل ضرورة وطنية، والجامعة التى تنغلق على نفسها تفقد قدرتها على الحياة، أما تلك التى تنفتح على سوق العمل وتستجيب لمتغيراته، فهى التى تصنع المستقبل وتؤسس لاقتصادٍ قوى قائم على العقل والإبداع، ولهذا فإن رسالتى إلى وزير التعليم العالى أن يستمر فى هذا الطريق بشجاعة وإصرار، وأن يجعل من كل جامعة مصرية مركزاً نابضاً بالمعرفة، يمد شرايين الاقتصاد بالحياة والفكر والابتكار.

طلاب الجامعات