ذوبان الجليد يهدد كوكب الأرض.. خسائر متسارعة للأنهار الجليدية من الألب إلى القطبين.. تحذيرات من ارتفاع البحار واضطراب النظم البيئية والمائية.. التغير المناخى يهدد الأمن الغذائى والطاقة والسياحة عالميا

الأحد، 05 أكتوبر 2025 05:00 ص
ذوبان الجليد يهدد كوكب الأرض.. خسائر متسارعة للأنهار الجليدية من الألب إلى القطبين.. تحذيرات من ارتفاع البحار واضطراب النظم البيئية والمائية.. التغير المناخى يهدد الأمن الغذائى والطاقة والسياحة عالميا ذوبان الجليد

فاطمة شوقى

يشهد العالم خلال العقود الأخيرة تسارعًا غير مسبوق في ذوبان الأنهار الجليدية، ما يسلط الضوء على التهديدات المتفاقمة للاحتباس الحراري وتغير المناخ،  وتأتي سويسرا هذا العام في صدارة المشهد مع تسجيلها رابع أكبر خسارة جليدية منذ بدء الرصد العلمي، حيث تراجعت أنهارها الجليدية بنسبة 3% في عام 2025 فقط، وفق تقرير صادر عن مجموعة الأنهار الجليدية السويسرية (GLAMOS) والأكاديمية السويسرية للعلوم.

ويمثل هذا التراجع حلقة ضمن سلسلة خسائر متسارعة سجلتها جبال الألب في السنوات الأخيرة، إذ فقدت سويسرا نحو 25% من كتلتها الجليدية خلال العقد الأخير وحده، بينما اختفى أكثر من ألف نهر جليدي صغير نهائيًا. ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، تراجعت الكتلة الجليدية في البلاد بأكثر من 60%، ما يجعل هذه الظاهرة إحدى أسرع التغيرات المناخية الملموسة على سطح الأرض.

ويعزو العلماء هذه الخسائر المتراكمة إلى مزيج من شتاء ضعيف التساقط وصيف شديد الحرارة، إذ شهدت البلاد خلال 2025 ثاني أعلى درجات حرارة في تاريخها خلال يونيو، أعقبها شهر أغسطس اتسم بموجات حر متكررة،  هذه الظروف تسببت في ذوبان مبكر للثلوج، ما حرم الأنهار الجليدية من مخزونها الطبيعي اللازم للصمود في أشهر الصيف.


لكن خطورة ذوبان الجليد لا تقتصر على جبال الألب الأوروبية، بل تمتد إلى مختلف مناطق العالم. ففي القطب الشمالي، تؤكد تقارير علمية أن معدل فقدان الجليد يتسارع بوتيرة تفوق التوقعات السابقة، إذ تراجع الغطاء الجليدي البحري في الصيف بنسبة تفوق 40% مقارنة بمستويات ثمانينيات القرن الماضي. أما في القارة القطبية الجنوبية، فقد سجلت الأنهار الجليدية في غربها انهيارات متكررة تهدد بارتفاع مستويات البحار بشكل كارثي.


وتحذر الأمم المتحدة من أن استمرار معدلات الذوبان الحالية قد يرفع مستوى سطح البحر عالميًا بأكثر من متر بحلول نهاية القرن، وهو ما يعرض مئات ملايين البشر في المناطق الساحلية لخطر الفيضانات والنزوح. وتزداد المخاطر مع ارتباط هذه الظاهرة باضطراب أنماط الطقس العالمية، حيث يؤدي تدفق المياه العذبة الناتجة عن الذوبان إلى إضعاف التيارات البحرية الكبرى مثل تيار الخليج، ما يغير مناخ أوروبا وأمريكا الشمالية.


إلى جانب ذلك، يلعب الجليد دورًا حيويًا في الحفاظ على التوازن البيئي والمائي. ففي الأنهار الجليدية، تُخزن كميات هائلة من المياه العذبة التي تغذي الأنهار الكبرى في آسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية. ومع انحسار هذه الكتل، يواجه مليارات البشر خطر نقص المياه، ما يهدد الأمن الغذائي والزراعة وإنتاج الطاقة الكهرومائية.


وفي جبال الألب تحديدًا، يهدد الذوبان صناعة السياحة الشتوية التي تعتمد على الثلوج والجليد، حيث تواجه منتجعات التزلج صعوبات متزايدة مع تقصير مواسم الرياضات الشتوية. كما أن المخاطر الطبيعية تتضاعف، إذ يؤدي ذوبان الجليد إلى عدم استقرار التربة وانزلاقات أرضية وانهيارات صخرية مدمرة، مثل الانهيار الذي شهدته قرية بلاتن السويسرية في مايو الماضي.


ويجمع العلماء على أن السبب الجوهري وراء تسارع هذه الظاهرة هو الاحترار العالمي الناتج عن النشاط البشري، خصوصًا حرق الوقود الأحفوري وما يصاحبه من انبعاثات غازات دفيئة كالكربون والميثان. ويشيرون إلى أن العقدين الأخيرين شهدا تسارعًا قياسيًا في فقدان الجليد، حيث تجاوزت الأعوام 2003 و2022 و2023 و2025 أسوأ السيناريوهات المتوقعة.


وتبرز خطورة الظاهرة في أنها لا تؤثر على منطقة بعينها، بل تمثل تحديًا عالميًا يطال الأمن المائي، والزراعة، والطاقة، والسياحة، ويهدد استقرار النظم البيئية. فذوبان الجليد يعكس الحرارة الشمسية بدلًا من عكسها، ما يؤدي إلى تفاقم الاحترار المناخي عبر ما يعرف بـ"تأثير الحلقة المفرغة".


ويرى الخبراء أن مواجهة هذه الأزمة تتطلب خفضًا جذريًا في الانبعاثات الكربونية، وتسريع التحول نحو الطاقة المتجددة، وتبني سياسات دولية صارمة للحد من ارتفاع درجات الحرارة بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وفقًا لاتفاق باريس للمناخ.


ويكشف الذوبان التاريخي للجليد في سويسرا والعالم عن أن تغير المناخ لم يعد خطرًا مستقبليًا مؤجلًا، بل واقعًا ملموسًا يفرض نفسه على البشر والطبيعة معًا، ويهدد بتغيير وجه الأرض كما نعرفه ما لم يتحرك المجتمع الدولي بسرعة وحزم.
 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب