خلال شهر أكتوبر من كل عام يحتفل الشعب المصرى، بذكرى الانتصار الأعظم في تاريخ المصريين، وكما يطلق عليه المصريون " عيد النصر"، أو " العبور العظيم"، أو انتصارات العاشر من رمضان، أو حرب السادس من أكتوبر، وكلها مسميات تشير إلى يوم 6 أكتوبر 1973، والذى استطاع فيه المصريين استعادة الأرض بعد احتلال دام لمدة 6 سنوات، منذ نكسة 1967، دخل بعدها المصريين في حرب الاستنزاف ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك استطاعوا أن يطوروا قدرات الجيش المصرى، ومر الشعب المصرى في عهدي الرئيس جمال عبد الناصر، والرئيس محمد أنور السادات، بعدة تطورات هامة، استدعت أن يكون هناك مجهودا حربيا متكاملا، ويعمل الكل من أجل بناء قوات مسلحة مصرية، قادرة على المواجهة، وهو ما تم تحقيقه في 6 أكتوبر 1973، رغم ان موازين القوة كانت في صالح إسرائيل، غير أن الشعب المصرى، استطاع أن يقوم بخطة خداع استراتيجية، و تلك الخطة ساعدت كثيرا في تحقيق مبدأ المفاجأة، وتحقق النصر، قبل أن تصدر الأمم المتحدة قرارها بوقف اطلاق النار، وبعدها دخلت مصر مرحلة المفاوضات، وخاضت في ذلك المسار حربا أخرى، وهى حرب الدبلوماسية، وتوصلت لاتفاقيات موقعة بين الجانبين، وحينما اختلف الطرفان، تم اللجوء للتحكيم الدولى، والذى استطعنا من خلاله في استعادة طابا في مارس 1989.
يقول الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، في كتابه عن حرب أكتوبر، أنه في الساعة الثانية ظهرا، يوم السبت 6 أكتوبر 1973، أن عواصف النار تلاحقت على الجبهة المصرية، منها ضربة الطيران، ثم قصفة المدفعية، ونزل إلى قناة السويس القوارب المطاطية، في موجة من موجات العبور، وكان وراء هذه الموجات طوفان من قوات المشاة والمدرعات، وعندما ارتفع أذان المغرب، كانت مصر تعيش واحدة من أمجد ساعات عمرها.
وتلك الكتابات تؤكد ما كان يشعر به المصريين، فهم كانوا ينتظرون لحظة العبور، و التي تحققت بفضل الجهد والمتابعة المستمرة من القيادة وقتها، وصولا للحظة التنفيذ، يقول المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية وقت حرب أكتوبر 1973 " كان اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 24 أكتوبر 1972، وانعقد في مكتب الرئيس بالجيزة في الساعة التاسعة مساءا، واستمر ثلاث ساعات وربع، ويعتبره أخطر اجتماع تاريخى، فلقد حدد الرئيس السادات في هذا الاجتماع الموقف بحسم، دون أن يسمح بأى تراجع أو تشكيك، الموقف هو الحرب، وتحريك القضية عسكريا، وأعلن للقادة في هذا الاجتماع أنه ليس الرجل الذى يناور ليحتفظ بكرسى الرئاسة، وأنه لن يستسلم، وأن الموت في سبيل الأرض، أشرف له من هذه اللحظة، مطالبا بالدراسة والتخطيط والاستعداد للحرب".
وهكذا كان شهر أكتوبر هو بداية لملحمة عظيمة، تحققت في السادس من أكتوبر 1973، وكما تؤكد مئات الكتب، والمناهج العسكرية والبحثية، بأن حرب أكتوبر كانت من الحروب غير التقليدية في التاريخ، وتحقق فيها أساليب جديدة، لم تكن محققة من قبل، واستطاع الجيش المصرى هزيمة عدوه، بفضل كثير من الأدوات، أهمها التلاحم الشعبى، والإجراءات السليمة والمتطورة، وكما قال الرئيس السادات "التاريخ العسكرى سوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية يوم 6 أكتوبر 1973م حيث تمكنت قواتنا من اقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع وإقتحام الضفة الشرقية للقناة بعد أن أفقدت العدو توازنه وقيامها بتحقيق مهامها المباشرة والتالية (رؤوس الكبارى) وصد وتدمير ضربات العدو وهجماته المضادة وتدميرها والتطوير شرقاً وهدم نظرية الأمن الإسرائيلى وبتر ذراعه الطولى ، وإدارة أعمال القتال شرق وغرب القناة وحتي إيقاف إطلاق النيران ، وإجراء مباحثات فض الاشتباك وإنسحاب القوات الإسرائيلية إلى الشرق لقد كانت المخاطرة كبيرة والتضحيات عظيمة لحرب 6 أكتوبر المجيدة".