بعد مرور أكثر من قرن على إصدار وعد بلفور الشهير عام 1917، الذي فتح الباب أمام تأسيس "الكيان الصهيوني لليهود" في فلسطين، عادت بريطانيا لتتخذ خطوة وصفت بالتاريخية، إذ أعلن رئيس وزرائها كير ستارمر، عبر منصة "إكس"، اعتراف بلاده الرسمي بدولة فلسطين، لتنضم إلى أكثر من 150 دولة سبقتها في هذا المسار.
وبين وعد بلفور التي أطلقت شرارته الأولى عام 1917، وإعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية عام 2025، تظل بريطانيا لاعباً رئيسياً في القضية الفلسطينية، تتحمل وزر البدايات، وتبدو أنها تحاول اليوم أن تقدم نفسها كجزء من الحل، لا المشكلة. لكن يبقى السؤال: هل يكفي اعتراف متأخر لتصحيح خطأ تاريخي استمر أكثر من قرن؟
قال ستارمر: "اعترفنا اليوم بدولة فلسطين لإحياء أمل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. اليوم ننضم إلى أكثر من 150 دولة تعترف بالدولة الفلسطينية"، مؤكداً التزام حكومته بدعم حل الدولتين. وأشار إلى فرض عقوبات جديدة ضد شخصيات في حركة حماس، مشدداً على أنه "لا مكان للحركة في مستقبل الإدارة أو الأمن الفلسطيني".
من صك التأسيس إلى محاولة التبرؤ
هذا الاعتراف يثير جدلاً واسعاً بسبب التناقض التاريخي في الموقف البريطاني. فبريطانيا كانت أول من وضع الأساس للمأساة الفلسطينية عبر وعد بلفور، حين أعلن وزير خارجيتها آنذاك، آرثر جيمس بلفور، في رسالة شهيرة بتاريخ 2 نوفمبر 1917، دعم حكومة لندن لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. الوعد جاء بينما كانت فلسطين تحت الحكم العثماني، قبل أن تقع تحت الاحتلال البريطاني بعد أسابيع قليلة، ليتحول لاحقاً إلى واقع بفرض الانتداب البريطاني عام 1920، ثم إعلان قيام إسرائيل عام 1948 وما تبعه من نكبة وتشريد.
مسؤولية تاريخية
وكان وزير الخارجية البريطاني السابق، ديفيد لامي، لخص ذلك بقوله أمام الأمم المتحدة: "بريطانيا تتحمل مسؤولية خاصة لدعم حل الدولتين"، في إشارة واضحة إلى الإرث الثقيل الذي تركه وعد بلفور، ويبدو أن بريطانيا اليوم تحاول "غسل يديها" من تبعات وعد بلفور بعد مرور 109 أعوام عليه، في ظل مخاوف جدية من ضم الضفة الغربية بالكامل أو دفع الفلسطينيين للنزوح القسري من غزة إلى دول الجوار، وهو ما قد يُنهي أي أفق لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.