يوم فى حياة تلميذ مصر القديمة.. المصريون وصفوا المدارس بـ بيت الحياة.. المناهج الدراسية توضع حسب احتياجات بناء الدولة.. الأدب والرياضيات والدين مثلث التعليم.. ومعايير النجاح والرسوب تقاس بالكفاءة وليس بالدرجات

السبت، 20 سبتمبر 2025 01:00 م
يوم فى حياة تلميذ مصر القديمة.. المصريون وصفوا المدارس بـ بيت الحياة.. المناهج الدراسية توضع حسب احتياجات بناء الدولة.. الأدب والرياضيات والدين مثلث التعليم.. ومعايير النجاح والرسوب تقاس بالكفاءة وليس بالدرجات الكتابة افضل المهن فى مصر الفرعونية

كتبت - بسنت جميل

"سى أوزير" الكتابة أفضل المهن.. أذهل معلميه وتفوق على حكماء مصر 

 

أيام قليلة تفصلنا عن بدء العام الدراسى الجديد، حيث يتسابق التلاميذ للجلوس فى المقاعد الأولى داخل الفصول، لتبدأ بعدها رحلة الشغف بالدراسة والتعلم.

وإذا عدنا بالزمن إلى الوراء، لوجدنا أن هذه اللحظات كانت موجودة أيضا فى الحضارة المصرية القديمة حيث ضمت المدارس التلاميذ الذين يتلقون المناهج الدراسية، ومن هذا المنطلق، كان لا بد من الرجوع إلى المتخصص الدكتور عمر المعتز بالله، أستاذ تاريخ وفلسفة الفن المصرى القديم، لإلقاء الضوء على هذه الجوانب التعليمية فى حضارتنا ونعيش يوما فى حياة التلميذ المصرى القديم، بالاستناد إلى العديد من البرديات الموثقة، خاصة أن التعليم فى مصر القديمة كان حصرياً، عملياً، وأخلاقياً، مغروساً فيه قيم الــ«ماعت» داخل كل الممارسات، ومن خلال نصوصنا وسردياتنا القديمة نلمس كيف تصور المصريون المعرفة باعتبارها مهارة تقنية وأمانة مقدسة فى آن واحد.

new2
 

ومن هنا نقدم قصة تخيلية ليوم فى حياة التلميذ المصرى القديم، بمعلومات حقيقية جاءت من البرديات المصرية القديمة.
 

عرف عن التلميذ النابغ سى أوزير، بأنه أدهش معلميه وتفوق على حكماء مصر بعلمه وأخلاقه فرغم حداثه سنه فإنه نبغ فى علوم الرياضيات والأدب والفلك، وقبل تفوقه فى المدرسة استشرق أبواه ذكاءه وأنه سوف يكون له شأن كبير فى بناء الدولة وخاصة فيما يتعلق بالمناهج العلمية والموضوعية والبيانات لحل المشكلات.

وحرص والد سى أوزير على إلحاقه بالمدرسة ليكون له شأن عظيم فى بناء الحضارة ومن بين النصائح التى وجهها له:"انظر يا سى أوزير، لا توجد مهنة تخلو من رب العمل إلا الكاتب، فهو رب العمل، إذا فهمت الكتابة، فسيكون ذلك أفضل لك من جميع المهن".

ومع بداية العام الدراسى، ذهب سى أوزير إلى المدرسة الرسمية فى مصر القديمة المرتبطة بشكل مباشر بمعابد بر. عنخلتى تعنى بالعربية بيت الحياة، حيث لم تكن المعابد المصرية بيوت عبادة فحسب بل كانت مراكز إدارية كبيرة، كما عملت أيضاً كمكتبات وأرشيفات وورش نسخ للنصوص والبرديات القديمة.

وكانت كلمات والده تترد فى ذهنه بشكل مستمر وشعر بمسؤولية كبيرة وخوف فى نفس الوقت، لكن حماسه كان أكثر من خوفه الذى تغلب عليه عندما اقنع نفسه أنه مختلف وقادر على إدارة العالم بالكتابة والعلم. 

وتسارع التلاميذ  للجلوس فى المقاعد الأولى بالفصول التى  كانت تتفاوت على حسب حجم المكان ومدى رسميته فالمدرسة الرسمية تختلف عن كتاب القرية، وكان سى..أوزير متأخراً فى الحركة وكأنه يعلم بمدى أهميته منذ صغره وأنه سوف يكون له شأن كبير فى المستقبل، وجلس فى المقعد قبل الأخير وكل حواسه نشطة لاستقبال كل المعلومات بتركيز  ووعى شديد.

وفى منتصف اليوم، حصل التلاميذ على وقت الراحة لمواصلة دراسة بقية المواد، وتجمع التلاميذ فى فناء المدرسة وكانت جدران الفناء لا تخلو من الشعارات والعبارات التحفيزية، وأول عبارة تلتقطها عين«سى أوزير نص تدريب وتهذيب للتلاميذ جاء فيه الآتى: "إن لوح الكتابة يقول لك لا تكن كسولاً، لئلا أضربك"، وكانت العبارة بمثابة الشرارة التى لاحقته وجعلته حريصا على مواصلة الطريق وتحول الخوف إلى شغف بالنجاح.

أظهر سى أوزير، تفوقه حيث إنه تميز فى تقليد العلامات ونسخ الكلمات البسيطة أو القوائم، ثم الانتقال إلى نصوص الحكمة والوثائق الإدارية،  ونتيجة لتميزه من بين جميع آقرانه وضعت المدرسة مناهج لإعداد المسؤولين لمتطلبات صناع الحضارة، من متخصصين فى الرياضيات، والكمياء، والفلك، والطب، والقانون وغيرها من مبادئ أساسية تسهم فى إيقاظ ضمير الإنسانية.

كما درس سى أوزير، الكتابة والأدب، على سبيل المثال كان إتقان الخط الهيراطيقى للنصوص اليومية، وأحياناً الخط الهيروغليفى، بالإضافة إلى نسخ نصوص كلاسيكية مثل تعاليم "بتاح. حتب"، التى اشتملت على حكم ومواعظ وتعاليم أخلاقية مهمة لبناء عقلية الطالب فى التعلم، وكذلك تعاليم أمنمحات الأول، والأناشيد المختلفة، وقد حفظت لنا بردية أنستاسى الخامسة.

وأظهر تفوقه أيضا فى الرياضات، حيث إنه برع فى الحساب والهندسة، والمقاييس المختلفة وحساب الكسور، مثلما جاء فى بردية "ريند" الرياضية (حوالى 1650ق.م.) التى احتوت على مسائل رياضية عن القسمة والجبر وحساب الأحجام مثل المسألة رقم 24 "كمية ومعها سبعها تساوى 19.. فما هى الكمية؟".

ولم يتوقف ذكاؤه عند هذا الحد، بل أبدع فى حل المشكلات اللوجستية ، وكتابة الرسائل فتظهر فى بردية"أنستاسى الأول" مهارات كتابة الرسائل وحل المشكلات اللوجستية مثل حساب الحصص أو الطوب اللازم للبناء، فجاء فيها "احسب لى كمية الطوب اللازمة لبناء منحدر طوله 730  ذراعا، وعرضه 55 ذراعا، وارتفاعه 60 ذراعا".

وكان للدين دور بارز فى حياته، واشتملت معرفته الدينية على التعليمات الكهنوتية والأناشيد والطقوس والنصوص الطبية/السحرية مثل بردية"إيبرس"، وكلما اتقن هذه العلوم تنوع شغفه أكثر فى تعلم دراسات آخرى مثل الفلك والتقويم التى كانت أساسية لحسابات الوقت والاحتفالات الدينية والمواسم الزراعية وشعائر المعبد.

ورغم تفوقه المذهل فى المدرسة إلا أن والديه شعروا بحاجة سى أوزير إلى أن يتعلم فى المنزل أيضا لينمو ذكاؤه وتميزه بين مختلف أبناء جيله، لم يوجد نظام "دروس خصوصية" بالمعنى التجارى الشائع الذى نعرفه الآن، ولكن التعليم الفردى كان شائعاً، حيث كان المتعلمون يتلقون التدريب تحت إشراف أساتذة غالباً الآباء أو الأعمام أو الكتبة الكبار، فنرى مجدداً دليل على ذلك من نص تعاليم "دوا.خيتى".

وبالفعل تلقى سى أوزير تعاليم إضافية ولم يكن المعلمون لديهم مهنة مستقلة، بل مارسوا التعليم ضمن مكاتب كتابية أو كهنوتية، كانوا يتقاضون أجورهم وحصصهم كجزء من مناصبهم الرسمية، لا من خلال رسوم تعليم خاصة، ففى "دير المدينة" على سبيل المثال تظهر السجلات مدفوعات من الحبوب والزيت والجعة للكتبة الذين كانوا على الأرجح يدربون المتعلمين، وعلى ذلك يبدو لنا أن مثل تلك النماذج جاءت لتدلل على نقل الخبرة المعرفية من أهل الخبرة والممارسة العملية ما يؤدى بطبيعة الحال لعملية نقل إبداعى بين المعلم والمتعلم بشكل علمى وعملى فى ذات الوقت.

ورغم براعة سى أوزير فى دراسة المواد التعليمية، إلا أن المواد التى أحبها مادة حل مشكلات لوجستية ومادة رياضية معقدة، وكانت هذه المواد يطلبها المسؤولون باستمرار لأنها تساهم فى بناء الدولة.

توقف نجاح "سى أوزير"  فى المدرسة على الكفاءة، فإما أن يستطيع الكتابة بدقة، وتأليف الرسائل، وحل الحسابات، أو لا،  ونجاحه قيس على حسب الأداء، والرعاية، والتعيين، لا على الدرجات.

وبالفعل وصل "سى اوزير" لجميع أحلامه، وأذهل معلميه وتفوق على حكماء مصر،  تقلد مناصب مهمة فى البلد قادته لبناء الحضارة المصرية العريقة، والتاريخ المصرى القديم زاخر بالعديد من التلاميذ والطلاب النابغين أمثال "سى أوزير".

تجدر الإشارة، إلى إن قصة سى أوزير،  من وحى الخيال لكنها مدعومة بحقائق  ومعلومات حقيقة  عن التعليم فى الحياة المصرية القديمة سردها الدكتور عمر المعتز بالله أستاذ تاريخ وفلسفة الفن المصرى القديم، لـ"اليوم السابع"، وغصنا فى تفاصيلها وتم إخراجها فى شكل قصة.

p.8



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة