منذ رحيل الأديب العالمي نجيب محفوظ في الثلاثين من أغسطس عام 2006، ظلّت أعماله حية بيننا سواء في دور النشر التي كان متعاقد معها أديب نوبل قبل رحيله، خاصة دار الشروق التي تعاقد معها صاحب الثلاثية في سنواته الأخيرة، أو مكتبة مصر فيما تبقى من النسخ القديمة، وبالتأكيد سور الأزبكية التي يبقى فيها محفوظ غائبًا حاضرًا، لهواة الطبعات القديمة والمستعملة.
وبقيت أعمال نجيب محفوظ طوال تلك السنوات التسعة عشر، بعد رحيله يتهافت عليها القراء في مصر والعالم العربي، ولما لا وهو العربي الوحيد الحاصل على نوبل في الأدب لعام 1988، وخلال تلك الفترة، صدرت أعماله في عدة طبعات مختلفة منها الفاخرة، والشعبية، المهم أن تكون أعمال محفوظ متاحة، ويكفي أنه بعد وفاته بأكثر من 10 سنوات كاملة، تسابقت دور النشر العربية من أجل الحصول على حقوق طباعة أعماله حصريًا، وفي النهاية ذهبت إلى دار ديوان للنشر، التي طبعت أعماله حلية جديدة عصرية، في تنوع يجدد الصلة بين الأجيال الجديدة وأعمال محفوظ.
موجة ترجمات ثانية
تُرجم نجيب محفوظ منذ نحو 70 عامًا خاصة مع انتقاله للرواية الواقعية وأشهرها ثلاثيته "بين القصرين، قصر الشوق، السكرية"، لكن بالتأكيد كانت بوابة دخول محفوظ نحو العالمية هو حصوله على جائزة نوبل عام 1988، وهو ما جعل دور نشر من كافة قارات العالم تتهافت على ترجمة أعماله، ليتعرف أصحاب الثقافات المختلفة على كتابات أول عربي ينول نوبل في الأدب عبر تاريخيها، والوحيد حتى الآن، وحظيت أعمال بعينها باهتمام دور النشر العالمية، مثل “الثلاثية” و”أولاد حارتنا” و”اللص والكلاب” بترجمات جديدة، وهو ما يؤكد أن إرث محفوظ لا يُقرأ فقط كأدب مصري أو عربي، بل كجزء من الأدب العالمي القادر على استنطاق قضايا الإنسان أينما كان.
المتحف.. الذاكرة الحيّة
افتتاح متحف نجيب محفوظ في تكية محمد أبو الدهب بحي الأزهر شكّل محطة مهمة في الحفاظ على ذاكرته، المتحف لا يقدّم فقط مخطوطاته وصوره الشخصية ومكتبه القديم، بل يوفّر مساحة للتأمل في عالمه الأدبي، الحضور الدائم لطلاب الجامعات والزوار العرب والأجانب يؤكد أن محفوظ لم يغادر المشهد الثقافي، بل صار أيقونة يُحتفى بها عبر الأجيال.
شهادات كاتبات الجيل الجديد
على الرغم من مرور ما يقرب من عقدين على رحيله، فإن كاتبات الجيل الجديد ما زلن يعتبرنه مدرسة مفتوحة، كثيرات يتوقفن عند لغته المكثفة، وعمقه في تحليل المجتمع، وقدرته على جعل الحارة المصرية مرآة للعالم. بعضهن يرى في إرثه دعوة مستمرة لتجديد السرد النسوي من داخل التجربة المحلية، بينما يعتبره البعض الآخر دليلاً على أن العالمية تبدأ من التفاصيل الصغيرة للحياة اليومية.