فى ظل التحديات المجتمعية المتزايدة، كانت قد اتخذت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية خطوة حاسمة لحماية كيان الأسرة المسيحية، من خلال إلزام المقبلين على الزواج بالحصول على دورات المشورة الأسرية كشرط أساسى لإتمام سر الزيجة المقدس، وذلك حرصًا على ضمان التوافق بين الطرفين والحد من حالات الانفصال المبكر بعد الزواج.
وفى هذا السياق، قالت الدكتورة نيفين وصفى، استشارى ومحاضر بمعهد المشورة الأسرية المسيحية، أن الكنيسة تنظر إلى الأسرة باعتبارها كيانًا مقدسًا يقوم على المحبة والاحترام، ومن ثم جاءت الدورات الإلزامية قبل الزواج كخطوة منهجية تهدف إلى تقييم العلاقة من منظور مسيحى ناضج، يضمن استمراريتها ونجاحها.
وأضافت فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن الهدف من هذه الدورات هو تكوين بصيرة وإدراك حقيقى لمعنى الزواج المسيحى، بحيث يستطيع كل طرف أن يحدد بوعى ما إذا كانت هذه العلاقة صالحة للزواج أم لا. وتابعت: "الزواج لا يقوم فقط على العاطفة، بل على التفاهم والاحترام وحل الخلافات بتواضع وهدوء، وبناء علاقة مثمرة وصالحة للمجتمع والكنيسة معًا".
وشددت على أن فترة الخطوبة ليست فقط تمهيدًا للزواج، بل هى اختبار حقيقى لمدى قدرة الطرفين على التفاهم، وهو ما دفع الكنيسة لتفعيل فكرة المشورة، خاصة فى عصر يشهد انفتاحًا كبيرًا وتحديات متعددة على المستوى الاجتماعى والثقافى.
وأضحت أن رؤية الكنيسة لهذه الدورات تنطلق من توضيح المعايير والمقاييس السليمة للاختيار، سواء على المستوى الداخلى من طريقة التفكير، والأسلوب الانفعالى، ومدى واقعية الشخص أو ميله للخيال، والقيم الأخلاقية والروحية، ومدى توافقها بين الطرفين، أو من حيث المستوى التعليمى والثقافى والاجتماعى. وأكدت أن الدورات تركز على فن التعامل واستقراء الطباع ومعرفة مدى التوافق الحقيقى.
وأشارت دكتور نيفين إلى أهمية التمييز بين الحب والإعجاب، موضحة أن الحب علاقة تنمو مع الوقت وتثبت بالتجربة، أما الإعجاب فهو ظاهرة مؤقتة قد تختفى فجأة، مؤكدة على ضرورة أن يستفيد كل شخص فعليًا من محتوى الدورة، وليس مجرد الحضور الشكلى، لأن الهدف النهائى هو بناء أسرة مستقرة مبنية على أسس صحيحة.
مراحل ما قبل الزواج وفقًا لتعليمات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
وتُقدم معاهد المشورة التابعة للكنيسة، مثل معهد المشورة فى المعادى أو حلوان، محتوى علمى وروحى يهدف إلى نشر الوعى بين شعب الكنيسة من منظور مسيحى، وذلك لمساعدة المقبلين على الزواج فى بناء علاقة صحية مع الله، ومع الذات، ومع الآخر، بما يضمن تأسيس بيت أرثوذكسى قوى "مبنى على الصخر"، قادر على تخطى العقبات النفسية والسلوكية.
وتنصح الكنيسة فى البداية بإطالة مدة التعارف قبل التقدم لطلب الخطوبة رسميًا، لضمان وجود حد أدنى من التفاهم، ثم يُشترط بعد ذلك تقديم شهادة من أحد معاهد المشورة المعتمدة تفيد باجتياز "كورسات المشورة"، والتى تشمل محاضرات ونصائح عملية للتعامل وتجنب الخلافات الزوجية المستقبلية.
وبعد الانتهاء من الكورسات، يُوجه الطرفان إلى إجراء التحاليل الطبية والفحوصات الكاملة قبل الزواج، وتشمل فحص الأمراض الجسدية والنفسية. وفى حال وجود أى أمر طبى جوهرى، يتم إبلاغ الطرف الآخر بذلك، ويوقع الطرفان على إقرار يفيد بعلمه الكامل، فى حال الإصرار على استكمال الارتباط.
كما يُطلب من كل طرف تقديم شهادة خلو موانع تفيد بعدم وجود ارتباط حالى بخطوبة أو زواج، تصدر من الكاهن المختص بخدمة المنطقة السكنية لكل منهما، ويتم تقديمها إلى المطرانية، وتوقع الشهادة من الطرف المعنى والكاهن، وتُرفق بصورة الرقم القومى وشهادة بعدم وجود زواج أو خطوبة سابقة أن وُجدت.
ويُحدد موعد الخطوبة الرسمية بالتنسيق مع الأب الكاهن ومكتب المطرانية، ثم تُستكمل الإجراءات الرسمية للتوثيق بحضور الشهود، ويُشترط أن يحمل كل منهم بطاقة رقم قومى سارية.
كما تنص تعليمات الكنيسة على أن الزواج يتم فقط بين أبناء الطائفة الأرثوذكسية الواحدة، ويجب أن يتجاوز سن العروس 18 عامًا يوم الإكليل، مع عدم إقامة حفلات صاخبة بعد الخطبة حفاظًا على قدسية سر الزواج.
وفى حال عدم الاتفاق خلال فترة الخطوبة، تُتيح الكنيسة تسجيل "محاضر عدول عن الخطبة"، وهو ما يعنى الانفصال الرسمى بين الطرفين، دون أن يُعد ذلك عائقًا أمام أى طرف للارتباط لاحقًا بشخص آخر.
أسباب تمنع الكاهن من تحرير محضر الخطوبة
1 - عدم استكمال أحد المستندات السابقة.
2 - إذا كان أحد الخطيبين مكرهًا على إتمام الخطوبة ورافضًا لإتمامها.
3 - تغيب الوالدين أو أحدهما لعدم رضائهما على إتمام الخطوبة إلا إذا كان التغيب بسبب مرض عضوى أو نفسى أو لسبب شخصى لا يصح أن يعطل إتمام المراسم.
4 - إذا كان الخطيبان أو أحدهما لم يتم السن القانونية التى حددتها الدولة.
5 - إذا كانت هناك قرابة بين الخطيبين من القرابات المحرمة التى تمنع زواجهما.