على جزيرة صغيرة فى قلب بحيرة فيكتوريا بأوغندا، خلق الصيادون المحليون تناغمًا نادرًا مع الطبيعة، مسترشدين بتقاليد ثقافية صارمة ومعتقدات روحية، لكن مع تزايد اهتمام السياح، يخشى السكان المحليون أن يكون هذا التعايش الهشّ فى خطر قريبًا.
موسامبوا، أو جزيرة "الأشباح"، هى قطعة أرض مساحتها خمسة أفدنة تقع فى بحيرة فيكتوريا، يمكن الوصول إلى هذه الجزيرة الصغيرة عبر رحلة بالقارب تستغرق 45 دقيقة من شواطئ أكبر بحيرة للمياه العذبة فى أفريقيا.
وموسامبوا، إحدى جزر بحيرة فيكتوريا الـ 84، تتميز بنظام بيئى متنوع، يعيش سكان الجزيرة القليلون فى وئام مع الحياة البرية المحلية، بما فى ذلك مستعمرات الطيور والعديد من أنواع الثعابين.
ويقول الصياد إينوك نتالى لموقع افريكا نيوز، الذى يعيش فى الجزيرة منذ عام 2001، أن الجزيرة كانت فى السابق نقطة استراحة للصيادين القادمين من البر الرئيسى المجاور، ويضيف أن عمل علماء البيئة لفت الانتباه إلى الجزيرة أكثر.
وتابع :"اكتسبت هذه الجزيرة شهرة واسعة بعد أن جاءت بعض المنظمات التى تدافع عن الحفاظ على الحياة البرية مثل منظمة طبيعة أوغندا وبدأت فى توعية الناس فى جميع أنحاء الجزيرة حول وجودها". على مر السنين، جذبت الجمال الطبيعى الفريد لجزيرة موسامبوا العديد من الباحثين والمحافظين على البيئة.
هناك روايات عديدة حول أصل اسم موسامبوا، ولكن من لغة لوغندا، بمجرد سماع اسم موسامبوا، ستعرف معناه، قد لا يفهمه البعض إذا ترجموه إلى الإنجليزية، لكنه فى الإنجليزية يعنى روحًا أو شبحًا، والرواية السائدة فى الجزيرة هى أن هذه الروح تتجلى فى الثعابين والموسامبوا. وللحفاظ على سلامة الجزيرة، لا يُسمح إلا لعدد محدود من الرجال بالبقاء فى الجزيرة.
يعتقد السكان أن الأرواح لا توافق على نوم النساء فى جزيرة موسامبوا، يقول نسيبامبى الباحث ومدير مؤسسة Cross-Cultural Foundation of Uganda : "هذه الروح أو هذا الشبح لا يحب النساء فى الجزيرة، ولهذا السبب يُخبرونك أنهم لا يسمحون بدخول النساء إلى الجزيرة، إذا ذهبت امرأة وأمضت ليلة هناك، سينزعج موسامبوا، وعندما ينزعج، يُسبب الفوضى".
ويعتقد أن نحو 2000 ثعبان تعيش على الجزيرة، بما فى ذلك أفعى الجابون السامة والكوبرا، يعتقد الصيادون أن هذه الثعابين تمتلك قوى خارقة للطبيعة وتعمل كحماة للجزيرة وسكانها.
كان إيمانويل كاتونجول، البالغ من العمر 104 أعوام، من أوائل سكان الجزيرة فى أوائل ستينيات القرن الماضى، ويقول كاتونجول أن الجزيرة ظلت على حالها بفضل التقاليد الثقافية الصارمة التى حافظت عليها منذ أن وطأها أول صياد.
وتُعتبر الجزيرة أيضًا مزارًا روحانيًا، ويزورها كثيرًا من الناس طلبًا للبركات أو الإرشاد الروحى، يقول كاتونجول إنه لا يتخيل نفسه يغادر الجزيرة إلا بعد وفاته.
وقال :"كان عدد سكان الجزيرة قليلًا آنذاك. لم يتجاوز عددهم خمسة أشخاص، هؤلاء هم من أتوا إلى هنا، جئتُ من كابوكو لصيد السمك، ومنذ ذلك الحين لم أغادرها قط".
وأصبحت جزيرة موسامبوا وجهة شهيرة لمحبى الطبيعة، ويقول نسيبامبي: "ما يثير اهتمامى أكثر هو كيف تمكنت مجتمعات الجزيرة من التعايش مع الحياة البرية والنباتات والطيور والثعابين دون أن تؤذى بعضها البعض". ويضيف: "البشر لا يؤذون الحياة البرية، وهى لا تؤذى البشر، وقد حدث هذا بفضل التقاليد الشفهية والطقوس والممارسات الثقافية والقيم الثقافية التى دعمت النظام البيئي".
يبلغ عدد سكان الجزيرة حاليا 125 نسمة فقط، جيرالد لوبيجا، بائع أسماك، جاء إلى الجزيرة عام 2003 لشراء السمك، ويقول أن تجربته الأولى فى الجزيرة كانت مرعبة، يقول: "عندما كنتُ أنام، كنتُ أجد نفسى محاطًا بالثعابين. بعد فترة، اعتدتُ على الثعابين".
واستراتيجية الحفاظ الفريدة فى جزيرة موسامبوا تؤتى ثمارها. فقد تكاثرت الطيور التى كانت مهددة بالانقراض سابقًا، كما وجدت طيور مهاجرة أخرى ملاذًا لها فى الجزيرة.
ويقول نتالى أن استهلاك الطيور والبيض قد تم إلغاؤه ويتم معاقبة أى شخص يتم ضبطه وهو يأكل بيض الطيور. وتابع :"كانت الطيور فى ذلك الوقت مهددة بالانقراض، لأن هناك طائرًا يسمى النورس ذو الرأس الرمادى، وكان الناس يقطفون بيضه ويأكلونه لأنهم يحبون بيضه، ولكن بعد أن جاءت تلك المنظمات ونبهتنا إلى أهمية الحفاظ على الحياة البرية، تقبلنا وتوقف الناس عن قطف البيض وصيد الطيور بسبب الفوائد التى تجلبها للجزيرة." لكن الوعى المتزايد بوجود الجزيرة يهدد بزعزعة استقرار هذه الجزيرة الطبيعية.
يقول نسيبامبي: "نستقبل عددًا كبيرًا من السياح الدوليين، وعندما نبدأ فى استقبال أشخاص لا يحترمون الممارسات المحلية التى حمت المنطقة لفترة طويلة، فهذا يعنى أن مستقبلها فى خطر". ولكن فى الوقت الحاضر، لا تزال جزيرة موسامبوا، أو جزيرة "الأشباح"، تشكل مثالاً لكيفية تعايش الإنسان مع الطبيعة.