تاريخ السينما في مصر طويل، يشهد لها بالريادة، وشهد الربع الأول من القرن العشرين خطوات مهمة في إرساء هذا الفن، وهو ما رصده كتاب "قصة السينما في مصر" لـ سعد الدين توفيق والذي صدر عن دار الهلال 1969، ومما توقفت عنده في الكتاب الحديث عن شخصية "وداد عرفي".
وداد عرفی
في أوائل 1926 وصل شاب ترکی اسمه وداد عرفی إلی القاهرة، وقام بالاتصال بالوسط الفني فى القاهرة على أساس أنه مخرج سينمائي، وأن شركة ألمانية أوفدته إلى مصر لاختيار ممثلين يظهرون في أفلام هذه الشركة التي سيجرى تصويرها فى بلادنا، ومن هذه المشروعات فيلم عن (النبي).
اتفق وداد عرفى مع يوسف وهبى على القيام ببطولة الفيلم، وفعلا التقطت صور ليوسف وهبى بماكياج الدور الرئيسي لإرسالها إلى إدارة الشركة، وكان يوسف يقوم وقتئذ بتمثيل رواية (راسبوتين) على خشبة مسرحه. وما إن نشرت الصحف نبا قيام يوسف وهبى بتمثيل شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام في السينما حتى أثيرت ضجة كبيرة وهاجمت الصحف هذا المشروع وطالب رجال الدين بمنع تحقيقه.
وفعلا استدعت وزارة الداخلية يوسف وهبى الذي اضطر إزاء هذه الحملة إلى إصدار بيان أرسله إلى الصحف أكد فيه أنه لن يمثل هذا الفيلم . وقدم لوزارة الداخلية إقرارا بهذا المعنى، واضطر وداد عرفى إلى العدول عن هذا المشروع، وقام بكتابة مسرحيات قدمتها فرق رمسيس وفاطمة رشدى وأشهرها "السلطان عبد الحميد" ، و "إيفان الهائل". و "غليوم الثاني"، وكانت عزيزة أمير في ذلك الحين نجمة مسرحية لامعة، قدمها يوسف وهبي بطلة المسرحية (الجاه المزيف) التي ألفها خصيصا لها. واختار لها يوسف وهبي اسم عزيزة أمير كاسم فني بدلا من اسمها الحقيقي وهو مفيدة محمد . ثم اختلفت عزيزة مع فرقة رمسيس ، واتجهت إلى تحقيق حلمها الذي عاش معها طويلا وهو الظهور في السينما . وأبلغها الكاتب الصحفي والمؤلف المسرحي حبيب جاماتي أن الشخص الذي يستطيع أن يحقق لها هذا الحلم هو وداد عرفى .

وداد عرفي
وأعد جاماتي لقاء للاثنين واستطاع وداد عرفى في هذا اللقاء أن يقنع عزيزة أمير بإنتاج فيلم تقوم ببطولته يتولى هو إخراجه وتمثيل دور البطل فيه.
وأقامت عزيزة في منزلها بشارع البرجاس بجاردن سيتي أول ستوديو للسينما في القاهرة وحولت الدور الأرضى من الفيللا إلى معمل للتحميض والطبع.
وقامت هي وزوجها الثرى أحمد الشريعي بشراء معدات التصوير من ألمانيا، وأنشأت شركة "إيزيس فيلم " وهي أول شركة سينمائية عربية واتفقت مع وداد عرفى على إخراج فيلم "نداء الله"، الذي كتب هو قصته . واشترط في العقد أن تخصص له عزيزة أمير غرفة في الدور الأرضى في منزلها ليقيم بها مع تزويده بالطعام والسجائر طول مدة العمل في الفيلم علاوة على نسبة الثلث من أرباح الفيلم.
وبدأ تصوير الفيلم في منطقة أهرام سقارة. وكان وداد يعمل في بطء ظاهر لكى يستغل إلى أقصى حد شروط الاتفاق وبعد انقضاء عشرة أشهر كان قد تم تصوير حوالي ألف وستمائة متر من هذا الفيلم الذي قام بتصويره حسن الهلباوى. وكانت معظم هذه المشاهد تمثل وداد راكبا جوادا يجرى به في الصحراء وهو يرتدى زى البدو...
وهنا بدأت الخلافات تدب بين عزيزة ووداد، وأخيرا حدثت مشكلة توقف بعدها العمل في الفيلم، إذ أراد وداد أن يظهر في أحد المشاهد بعد أن تظهر على الشاشة لوحة عليها عبارة ( الفتى العربي الجميل) . وكانت اللوحات تحل في الفيلم الصامت مكان الحوار في الأفلام الناطقة . واعترضت عزيزة وشركاؤها على هذه العبارة وتمسك وداد بها إلى حد أنه هدد بأنه لن يعمل إلا إذا سجلت هذه العبارة !
أكثر من هذا أن الشركاء اكتشفوا أن كل ما صوره وداد لا يصلح لأن يكون فيلما، فهو لا يعدو أن يكون مجرد مشاهد متفرقة لا رابط بينها، عندئذ كلفت عزيزة أمير أحد زملائها في تمثيل الفيلم، وهو الصحفي أحمد جلال، بإعادة كتابة القصة بحيث يمكن استغلال ما يمكن استغلاله مما صور حتى الآن، فكتب أحمد جلال القصة الجديدة وأطلق عليها اسم،" ليلى". وقام استفان روستی بإخراج الفيلم، بينما تولى تصويره مصور إيطالى اسمه تیلیو کارین.