خالد أبو ماشى.. حارس التراث البدوي في سيناء.. أعاد إحياء وحضور بيت الشعر التقليدى بعد الاندثار.. مشغولات "هاند ميد تراثية" تفتح أبواب الرزق لأكثر من 250 أسرة سيناوية.. صناعة زينة الإبل ونسج المفروشات من الوبر

الإثنين، 12 مايو 2025 12:30 م
خالد أبو ماشى.. حارس التراث البدوي في سيناء.. أعاد إحياء وحضور بيت الشعر التقليدى بعد الاندثار.. مشغولات "هاند ميد تراثية" تفتح أبواب الرزق لأكثر من 250 أسرة سيناوية.. صناعة زينة الإبل ونسج المفروشات من الوبر خالد أبو ماشى حارس التراث البدوي في سيناء

شمال سيناء ـ محمد حسين

في مدينة العريش بشمال سيناء، يعيش خالد سليمان أبوماشي، الرجل الذي قرر أن يكون حارسًا لتراث البادية السيناوية بكل مكوناتها ومناطقها، مكرّسًا جهده ووقته لإحياء ما اندثر من كنوز الأجداد، وإعادة الروح لرموز التراث التي كادت أن تذوب تحت وطأة النسيان.


من خلال عمله في السياحة منذ ثمانينات القرن الماضي، وتحديدًا في مناطق جنوب سيناء، اكتشف أبوماشي أن الزوار الأجانب لا ينجذبون فقط إلى الشواطئ أو المنتجعات، بل يسحرهم كل ما يمتّ إلى التاريخ والموروث المحلي بصلة، حينها تنبّه إلى الكنز الحقيقي الذي تحمله أرض سيناء، لا سيما شمالها، التي ما زالت تحتفظ ببكارة الصحراء ونقاء العادات.


بدأت رحلته بإعادة إحياء "بيت الشعر" البدوي، الذي توقف الناس عن صنعه منذ زمن، وهو البيت التقليدي الذي نسجته الجدّات يومًا بخيوط من شعر الماعز. ورغم صعوبات البداية، من نقص المواد الخام إلى قلّة الأيدي العاملة المدربة، نجح أبوماشي في إعادة إنتاجه بعد سنوات من الانقراض. استخدم شعر الماعز كخامة أساسية، يتم غزله وبرمه ونسجه يدويًا، ثم خياطته على يد سيدات ماهرات من البادية. لكن التحدي الأكبر كان في ندرة شعر الماعز في شمال سيناء، مما اضطره إلى استيراده من المحافظات الحدودية الأخرى لتأمين استمرارية الإنتاج.


يقول " خالد" .. "لأن الحفاظ على التراث لا يكتمل إلا بنقله للأجيال القادمة، أنشأ ورشًا تدريبية لتعليم الجيل الجديد هذه الحرفة، بمساعدة الصانعات القدامى" ، وبات لديه فريق متخصص يمتلك المهارة والخبرة اللازمة لإنتاج بيت الشعر بطريقة أصيلة،  ومع تزايد الإقبال، توسعت التجربة لتشمل مشغولات خاصة بالإبل، مثل "الغبيط" و"الدويرع" و"الغرضة الشعر"، وهي أدوات زينة كانت تُستخدم لتجميل الإبل قديمًا، واستطاع إعادة إحيائها، لتعود اليوم من سيناء إلى مختلف أرجاء الوطن العربي، حيث تشكل الإبل عنصرًا مشتركًا في ثقافة الصحراء.


لم يكتفِ أبوماشي بإحياء بيت الشعر وزينة الإبل، بل توسع أيضًا في إنتاج المفروشات التراثية التي كان البدوي يصنعها يدويًا من شعر الأغنام، وانتجت ورشته قطعًا فريدة من الفروشات اليدوية المتنوعة، ولاقت هذه القطع رواجًا كبيرًا، إذ أصبحت تستخدم في ديكورات المنازل والمطاعم والمقاهي والمكاتب، لتعبّر عن هوية المكان وتمنحه لمسة من عبق التراث البدوي الأصيل،وتحولت هذه المفروشات إلى عنصر جذب للكثير من الأماكن الراقية التي وجدت فيها خصوصية وفرادة لا توفرها المنتجات التجارية الحديثة.


كما دخل مجال إنتاج أدوات الزينة المطرزة والخرزية، وأضاف لمسات عصرية تراعي حاجات السوق الحديث، فأنتج حقائب وسلاسل ومحافظ ومعلقات وأدوات زينة بمختلف الأشكال والألوان، مستلهمًا من التراث روحه، ومن العصر معاييره، لتخرج المنتجات على هيئة مشغولات "هاند ميد" متقنة تحمل روح البادية وجمالها، وتناسب أذواق الجيل الجديد.


ويفخر أبوماشي بأن أكثر من 250 سيدة وفتاة وشاب من الأسر المقيمة في قرى العريش يشاركون في إنتاج هذه المشغولات من منازلهم، كعمل جماعي يربط الأسرة بالتراث ويمنحها مصدر دخل كريم، و يتم جمع هذه المنتجات يدويًا في ورشته الرئيسية، وتعرض لاحقًا في المناسبات الوطنية وسباقات الهجن، تحت بيت شعر متنقل يجوب الأماكن التي يحتفي فيها الناس بالتراث أو يبحثون فيه عن جذورهم.


وخلال هذه الرحلة، استطاع جمع قطع تراثية نادرة، صنعتها أيدي الجدّات والجدود قبل عشرات السنين، وخصص لها ركنًا خاصًا يعرض فيه هذه القطع كما هي، خامةً طبيعية لم تمسها الحداثة، شملت هذه المجموعة أدوات فخارية وخشبية وأزياء مطرزة وبراقع نسائية، وأدوات زراعية وصناعة اللبن وزينة الإبل، وغيرها من المقتنيات التي تحكي سيرة أهل سيناء وحياتهم اليومية القديمة.


ويؤكد أبوماشي أن هدفه الأسمى من كل ما يقوم به هو أن يعرّف الأجيال الجديدة كيف عاش آباؤهم وأجدادهم، وكيف صنعوا حضارتهم بأدوات بسيطة ولكن بروح عظيمة، وأن يجعل هذا التراث متاحًا أمام الدارسين والباحثين والسياح على حد سواء، فكل قطعة تُصنع يدويًا تحمل في خيوطها قصة، وفي زخرفتها سيرة، وفي ملمسها ذاكرة من الماضي تستحق أن تعيش.


ويضرب مثالًا بزمن إنتاج بيت الشعر، الذي يستغرق قرابة ثلاثة أشهر من العمل المتواصل، ليخرج في النهاية قطعة تمثل روح البادية وتاريخها، ويُقابل هذا الجهد المتقن بإقبال واسع، سواء على المفروشات أو أدوات الزينة، لأن الناس باتوا يبحثون عن ما يعكس جذورهم وهويتهم وسط عالم يتسارع فيه كل شيء.


ولا يخفي سعادته حين يرى كيف يجتمع الناس حول منتجاته في المعارض والمناسبات، وينصتون لحكاياتها، ويلمسون بأناملهم الخيوط التي غزلتها الجدّات، ويشعرون بالاعتزاز بالماضي والتراث، ويؤمنون بأن هذه الكنوز تستحق البقاء. ويصف جمع الموروث والافتخار به بأنه "شيء مفرح ومشجع"، يمنح الروح قوة، ويمدّ الهوية بجذور أعمق.


وفي بادرة تعبّر عن التضامن مع الأشقاء في غزة، خصص فريقه إنتاج مشغولات مطرزة بالخرز بألوان علم فلسطين، ليعبّر عن رسالة محبة ودعم تنطلق من أرض سيناء إلى الضفة الأخرى من الوطن العربي، مؤكدًا أن التراث لا يعرف حدودًا، بل يوحّد القلوب على قيم الكرامة والانتماء.


هكذا يحوّل خالد أبوماشي شغفه بالتراث إلى مشروع حياة، وبيوت الشعر إلى منصات للحكي والذاكرة، والمشغولات اليدوية إلى جسور تربط الحاضر بالماضي. هو لا يحفظ التراث فقط، بل يعيشه ويمنحه حياة جديدة، لتظل سيناء كما كانت دائمًا، أرض الأصالة والهوية.

 

ادوات صناعة القهوة والشاي
ادوات صناعة القهوة والشاي

 

المفروشات البدوية القديمة
المفروشات البدوية القديمة

 

بيت الشعر التقليدي
بيت الشعر التقليدي

 

جلود الخراف المستخدم كمفروشات
جلود الخراف المستخدم كمفروشات

 

خالد ابوماشي حارس التراث
خالد ابوماشي حارس التراث

 

داخل بيت الشعر
داخل بيت الشعر

 

مشغولات بلون علم فلسطين
مشغولات بلون علم فلسطين

 

مشغولات من الخرز
مشغولات من الخرز

 

مفروشات بديعة الصنع
مفروشات بديعة الصنع

 

من ادوات صناعة بيت الشعر
من ادوات صناعة بيت الشعر

 

يتحدث لمحرر اليوم السابع عن تجربته
يتحدث لمحرر اليوم السابع عن تجربته

 

يفتخر  بالمكونات الطبيعيه التي منها يتم الانتاج
يفتخر بالمكونات الطبيعيه التي منها يتم الانتاج


 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب