يستحق تاريخ مصر زمن الخديوى إسماعيل العديد من الدراسات وذلك لأهمية الفترة وتأثيرها على مصر حتى عصرنا الراهن، ويقتضي ذلك التوقف عند الجالية الأوربية في ذلك الوقت، وهو ما رصده كتاب "مصر للمصريين" لـ ألكسندر شولش، والذي يقول تحت عنوان "أحوال الفلاحين والأقليات":
كان أهم دور لعبته الأقليات الاقتصادية والسياسية في مصر — في عهد إسماعيل — هو دور الأوروبيين، وقد بلغ عددهم — عام 1882م — 90886 نسمة (بنسبة 1.34٪ من التعداد الإجمالي لسكان البلاد).
وكان الأوروبيون يسكنون المدن والدلتا شأنهم في ذلك شأن المصريين الذين ينحدرون من أصول عثمانية، وكان يعيش بالإسكندرية أكثر من نصفهم (49693 نسمة) وسكن القاهرة 21650 منهم، وبورسعيد 4010أشخاص، بينما توزَّع الباقون (1895) بين مصر الوسطى والصعيد وبقية أنحاء البلاد. وشكَّل اليونانيون أكبر الجاليات الأوروبية في مصر (37031 نسمة)، يليهم الإيطاليون (18665 نسمة) ثم الفرنسيون (15716 نسمة)، فالنمساويون (8022 نسمة)، فالبريطانيون (6118)، وتركَّزت معظم تجارة الاستيراد والتصدير بأيديهم، وفي ظل الامتيازات تمتَّعوا بإعفاء تام من ضرائب الدخل والعقارات.
ولعب اليونانيون دورًا خاصًّا في تجارة التجزئة وكأصحابٍ للحانات، وتزايدت أعداد المشتغلين منهم بالربا في عهد إسماعيل، وأصبح المرابون اليونانيون معروفين في الريف مكروهين بين أهله؛ حيث كانوا على استعداد دائمًا لتقديم القروض للفلاحين، فتَذْكُر ليدي جوردون أن المُرابي اليوناني كان يتبع الصرَّاف القبطي كما يتبع النسر البقرة. فيُقرض الأموال للفلاحين الذين يعجزون عن سداد الضرائب بفوائد باهظة. وكثيرًا ما كانت تلك المعاملات تنتهي بفقد المدين لمحصوله أو حتى أرضه، وبلغ ذلك الذروة بعد إنشاء المحاكم المختلطة، فأصبحت تلك المحاكم أداةً في يد المُرابين الأجانب، فانتزعوا محاصيل وأراضي الفلاحين، وقبل أن تبدأ تلك المحاكم عملها كانت ملكيات الأجانب محدودة المساحة، وبحلول عام 1887م بلغت مساحتها 225181 فدانًا (لم تكن كلها للمرابين اليونانيين وغيرهم من رعايا بلاد شرق المتوسط بالطبع)، وقدَّر ستيوارت — عام 1882م — قيمة الفوائد التي يدفعها الفلاحون بالدلتا مقابل القروض التي يحصلون عليها بما يتجاوز قيمة ضرائب الأطيان بما يتراوح بين أربعة وخمسة ملايين جنيه إسترليني. واستمر انتزاع ملكيات الفلاحين وفاءً لمستحقات المرابين أوائل عهد الاحتلال البريطاني (بلغت مساحتها 22047 فدانًا في 1883م و18148 فدانًا في 1884م، و17.828 فدانًا في 1885م، و12969 فدانًا في 1886م.