مر تدوين الحديث النبوى بمراحل شتى من التطور والارتقاء, بدءا من الانتقال الشفاهى بين الصحابة ثم مرحلة تداول الحديث النبوى بين طبقة - جيل التابعين, ثم ظهرت طبقة - جيل - صغار التابعين وتابعى التابعين وظهر معها الكذابون والمدلسون وأصحاب الغرض ومنتحلو الأحاديث لأسباب سياسية أو دينية أو مذهبية.
لو أردنا أن نعدد الأسباب والدواعى التى أدت بالمسلمين إلى الانزواء عن سرب الأمم المتقدمة، لوجدنا أننا أمام تلال من الأسباب والتداعيات التاريخية والمعاصرة التى تضافرت لتنتج ات على هذا النسق الذى نرى عليه المجتمعات الإسلامية.
يسألنى كثير من القراء عن الهدف والمغزى من الاهتمام فى كثير من مقالاتى بالتصدى والتفنيد لقضايا المرأة فى التراث الإسلامى, والإجابة عن ذلك السؤال، هى فى الحقيقة متناثرة ومُفرقة بين ثنايا جميع مقالاتى عن المرأة أو عن غيرها بلا استثناء.
كان العرب قبل الإسلام لا يعرفون فن الرسم والتصوير كسبيل للتعبير عن حالهم أو ماضيهم أو حضارتهم, ولكن لأن كل حضارة قديمة ازدهرت أو اندثرت كان يتوجب عليها اتخاذ دأب للتعبير عن ذاتها.
لم تكن الإشكالية مع التراث تتمثل أو تتأطر فقط فى إشكالية التنقيح, ولكن التصور يتعدى ذلك لمرحلة الإشكالية التعريفية, أو إشكالية المنهج ذاته, فالتراث كلمة مطاطية تحمل كل صنوف الإرث الثقافى الإسلامى دون القرآن, ولكن هذا التراث على اختلاف درجاته ومناهجه وتتابع عصوره كان من المفترض أن يصور بدقة الجوانب الغائمة والغائبة عن التصور الأمثل للمجتمع النبوى.
فى حقبة الإسلام الوهابى المظلم التى يعيشها العقل المسلم المعاصر، دائما ما نجد خطابا موجها ومركزا على تدمير الحياة الاجتماعية الصحية بين طرفى المجتمع المسلم, خطابا أحمق يخترع ويبتدع مصطلحات مضافة لم يعرفها الإسلام فى عصر التطبيق النبوى.
لم يكن الإسلام فى عصر النبوة يعرف الانشقاق على أساس الفكر والعقيدة، بل كان غاية ما فى الأمر هى العصبية للقبيلة التى كانت آنذاك لاتزال حديثة عهد لم تذب ولم تتوار خلف مفهوم الأمة الواحدة.
لا شك أن جانب العقيدة والتوحيد كان الهدف الأسمى لكل الديانات القديمة مما قبل اليهودية, ثم فى مرحلة لاحقة انتقلت الديانات مع نزول الوصايا فى الألواح على النبى «موسى» إلى منحى مواز للعقيدة، ما تبلور فى وقت لاحق باسم الشريعة.
لم يدهشنى كثيراً ما قاله الشيخ يوسف البدرى لـ«اليوم السابع» ونشره موقعها الإلكترونى حول قانون الردة، الذى من المفترض أن المرحوم «صوفى أبوطالب» رئيس مجلس الشعب الأسبق، قد اختصه به وأوصاه عليه دون أى أحد آخر فى العالمين.
قرن ونصف القرن مضى على حجر الأساس الذى وضعه «رفاعة الطهطاوى» كمحاولة أولى لإصلاح الفكر الدينى, ومجابهة الفقه السائد بالغلبة آنذاك ورغم مرور عشرات السنوات على بَذر الإصلاح فإن المعادلة لم تتغير حساباتها، فما زال الجهل هو الثابت والإصلاح هو المتغير.
يقول الفقيه الحنفى «أبوبكر الجصاص» عن حديث سحر الرسول الذى أخرجه البخارى ومسلم: «ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين تلعبا بالحشو الطغام» أحكام القرآن (1/49).
فى حديث صحيح مرفوع إلى النبى أنه لما نزلت على المسلمين فى المدينة آية «الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ» الأنعام 82, شق ذلك على المسلمين لأنهم اعتقدوا أن أى ظلم ولو كان بسيطا يختلط بإيمانهم قد يذهب به كله.
ثلاثة وعشرون عاما بين مكة والمدينة، والإسلام يحاول استئصال الخرافة والأسطورة الراسخة فى العقول، ليؤسس لثقافة جديدة تتخذ العقل منهجا والتفكير المنطقى ديدنا, وبعد أربعة عشر قرنا من ظهور الإسلام أصبحت الخرافات تُستنبط من ذات الدين الذى كان دأبه محاربتها عند ظهوره.
لم يزل المتجمدون فى صقيع التراث يحاولون تقويض كل اجتهاد عقلانى يقترب من روح الشريعة ومقاصدها الكلية، ويبتعد عن دين الفقه الموروث وأحكامه القاصرة, لذا لم يكن من المستغرب ذلك الهجوم الهادر على اجتهاد الدكتور «عبدالمعطى بيومى».
إحدى أهم العقبات التى تواجه مناهج الإصلاح فى الخطاب الإسلامى المعاصر، هى فوضى المصطلحات، التى خلَّفت قواعد راسخة سدت كل السبل الوسيعة، التى كان من المفترض أن تكون معبدة ويسيرة أمام إرساء هذه المناهج, والقصد بالتأكيد يتوجه لفوضى المصطلحات المتوارثة والمبنية على فهم بلا ضابط، وقواعد بلا أسس.
لم ييأس الفقهاء القدامى من توالى تقديم عورات وسوءات آرائهم البغيضة، والتى لم نجن من ورائها إلا التشويه الكامل لنصوص الشرع، الظاهرة الصريحة، والتخريب الشامل لروحه الرحبة العادلة, وقد قلنا نصا فى مقالنا «تقديس الفقه».
كيف يمكن أن نتحدث عن التجديد فى الفكر الدينى, وعن إرساء مناهج الإصلاح فى الفقه الإسلامى, طالما كان شيوخ الفضائيات، ينشدون أسماع المسلمين، ويطربونهم بفتاوى.
كانت العوامل الاجتماعية والفكرية والبيئية عند الفقهاء والمفسرين الأوائل ذات أثر بالغ فى إلباس تفسيرات كل النصوص الدينية التى اختصت بالمرأة قرآنا أو سنة لباسا يلائمها ويلائم روح السيطرة والتقزيم لدور وكنه المرأة المسلمة.
كان من الطبيعى أن تجد الوهابية مع مهدها الأول مبررا سائغا ومقبولا لوجودها, لذا فقد كان السبب الأسهل والأقرب للتنفيذ هو إلقاء تهمة الشرك والكفر والبدعة على المسلمين الموحدين فى الجزيرة العربية آنذاك, وذلك حتى يتسنى لهم التمسح بإقامة التوحيد المزعوم.
عندما حدثت واقعة التحكيم الشهيرة بين فريقى الصحابة، احتج الخوارج على الصحابى الجليل على بن أبى طالب وحكموا بتكفيره لمجرد قبوله مبدأ تحكيم غير شرع الله.
منذ أكثر من عشر سنوات وفى طريقى المعتاد إلى بيتى وجدت شابا يقف بعربته الصغيرة المفتوحة من الجانبين والمجهزة لتكون محلا متنقلا.
جمعنى منتدى علمى فى إحدى الجامعات الأجنبية فى الخليج مع باحث غير عربى متخصص فى الإسلاميات وقد تابع بشكل ما تجربتنا فى اليوم السابع التى لا تزال فى مهدها، وقد وجه لى ثلاثة أسئلة مقتضبة فى لقاء لم يستغرق دقائق فقال لى: ماذا تنتظر من وراء ما تكتب؟
قد يصعب كثيرا إحصاء كم التشوهات الكارثية التى ألمت بتراثنا الدينى المدون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذه التشوهات القبيحة وعلى الرغم من تعدد طرائقها ومسالكها يتقدمها بلا شك التشوه الإسرائيلى التوراتى.
أحدثت مجموعة الدراسات التى نشرها الباحث إسلام البحيرى - مدير مركز الدراسات الإسلامية بـ«اليوم السابع» - ضجة كبيرة على المستويين الشعبى والنخبوى.
مسامع وألسنة التابعين - الذين رأوا وسمعوا أصحاب النبى بعد وفاته - ثم شاعت واختلطت بعد ذلك أقواله، عليه صلوات الله، على ألسنة الصادقين والكاذبين والمدلسين على السواء.
كان من المفترض ألا تمثل وفاة النبى الكريم أى مبعث لخلاف أو نزاع أو شبهة تحملها كتب التراث بين دفتيها حول الواقعة، فكفى بها مصيبة ورزية حلت على أمة بأكملها فى وفاة إمام المرسلين، ولكن أهل التراث ومخرجى الأحاديث وأصحاب السير أبوا إلا أن يجعلوا هذه الواقعة مادة للطعن على رسول الله.
هل تتصور ان بعض كتب الحديث والتفاسير تصور المرأة باعتبارها أقرب الى النعجة؟! وتساوى بين المرأة والكلب فى قطع صلاة الرجل.
هذه كلمات فى حب النبي"ص" هذا الإنسان العظيم الذى كان قرآناً يمشى على الأرض، والذى<br> يخاطبه الله فى القرآن الكريم بقوله " وإنك لعلى خلق عظيم" .. اقرأ التفاصيل فى التقرير التالى ..
حينما تظهر أصوات العقلاء لتدافع عن الرسول عليه الصلاة والسلام مؤكدة بالتاريخ والروايات الموثقة عدم دقة الكثير من الروايات التى يأخذها البعض على الإسلام مثل رواية زواج النبى عليه الصلاة والسلام من السيدة عائشة وهى فى عمر تسع سنين، تواجهها تلك العقبة المقدسة التى تقول بقدسية المناهج الفقهية القديمة.
رأيت أحد العارفين بالله من جيوب البيزنس، أقصد من شيوخ البيزنس، يقول ماتعاً إن تفسير الأحلام فتوى شرعية من الكتاب والسنة, وبمناسبة حلول الشهر الكريم, وهبوط الرؤى والأحلام على كثير ممن يعتقدون.
عشر سنوات عاشها النبى الكريم فى المدينة، خطب فيها ما يقارب خمسمائة وعشرين خطبة جمعة فى المدينة أو خارجها, ورغم أن الغالبية العظمى من هذه الخطب لم تدون وقد يطول الشرح فى أسباب ذلك، إلا أن المدون منها قد يكفى لإيصال الفكرة.
لم يكن يتخيل الرعيل الأول من خريجى مدرسة النبوة، أن رمضان سيصبح يوماً ما شهراً للفتاوى المكررة والمملة كما هو الآن.
كان الإسلام فى عهد التطبيق النبوى ديناً سهلا مرنا متفاعلا بسيطا، فقد كان الرسول الكريم بالغ الرفق وبالغ الفهم بأحوال ومجريات المجتمع من حوله وكانت آيات التنـزيل واضحة كاشفة وجامعة مانعة.
التربية الفكرية الخاطئة التى نشأنا عليها فى أسرنا ومدارسنا ومجتمعاتنا فى التعامل المقدس مع التراث الديني, هى مقدمة سيئة لنتيجة أسوأ نقطف ثمار الحنظل منها الآن.
اليوم نتابع رحلة المآسى المخزية من كتب الحديث والسير والتفاسير التى بدأناها فى المقال السابق, وبدون مقدمات تعالوا نقرأ المأساة أولا من مصدرها.
لو طرحنا على أنفسنا سؤالاً سهلاً, كيف نتعرف على الماضى وكيف نتعرف على شخوصه؟.