أكرم القصاص - علا الشافعي

إسلام بحيرى

يؤكدون على ضرورة الرجوع بالمسجد النبوى إلى عهده السابق والفصل بينه وبين القبر النبوى بحائط

الوهابية ومسجد الرسول

الخميس، 08 يناير 2009 10:25 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄شيوخ الوهابية يؤكدون أن الصلاة فى المسجد النبوى بشكله الحالى ضرر وبدعة ولكنها أقل من ضرر عدم الانتفاع بخيرات الصلاة فيه

كان من الطبيعى أن تجد الوهابية مع مهدها الأول مبررا سائغا ومقبولا لوجودها, لذا فقد كان السبب الأسهل والأقرب للتنفيذ هو إلقاء تهمة الشرك والكفر والبدعة على المسلمين الموحدين فى الجزيرة العربية آنذاك, وذلك حتى يتسنى لهم التمسح بإقامة التوحيد المزعوم, ولهذا نجد أوصافا يسبغها أصحاب كتب التأريخ الموالية للوهابية على مؤسسها «محمد بن الوهاب» تكاد تصل إلى أنه نبى مرسل لإقامة التوحيد, فنجد «عثمان بن عبد الله بن بشر» مؤلف كتاب «عنوان المجد فى تاريخ نجد» وبعد أن عدد مظاهر انتشار الشرك بزعمهم- فى الجزيرة العربية نجده يورد قصة عن شيخهم «ابن عبد الوهاب» تعبر عن المقاصد الوهابية فى مرحلة النشوء والتكوين, فيقول: «وحكى أن الشيخ محمد وقف يوما عند الحجرة النبوية عند أناس يدعون ويستغيثون فرآه «محمد حياة» -شيخ معاصر له- فأتى إلى الشيخ وقال ما تقول, قال: إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون» عنوان المجد (36/1).

وهكذا نجد أن إلباس جريمة الشرك كانت دأبا وهدفا عند الوهابيين بدءا من شيخهم المؤسس.أما «ابن غنام» فنجده فى كتابه ينقل عن رسالة أرسلها «محمد بن عبد الوهاب» إلى «سليمان بن سحيم» يقول فيها: «ومعلوم أن أهل أرضنا وأرض الحجاز الذى ينكر البعث منهم أكثر ممن يقر به, وأن الذى يعرف الدين أقل ممن لا يعرفه» تاريخ ابن غنام (131/2).

وهذه النصوص قطرة من بحر تسبح فيه هذه الكتب وغيرها بتكفير المسلمين واتهامهم بالشرك، بل بأكبر منه، فقد قال «ابن عبد الوهاب» كما نقلنا إن الذى ينكر البعث فى زمانه أكثر من الذى يصدقه, ولا أعلم أى زمان هذا الذى يحكى عنه! وأى قوم هؤلاء الذين كانوا ينكرون البعث! ولكن تلك الاتهامات كانت من ضرورات الإنشاء وبدهيات الظهور, ومن هذه الذهنية استمرت أدبيات الوهابيين التى اتسمت بالديمومة والاستمرار، رافعة راية الشرك والبدعة دائما وأبدا فى وجه المخالف, وقد كان وجود قبر الرسول ومعه صاحباه وخليفتاه الأولان -وغيرهم فى روايات أخرى- داخل المسجد النبوى الشريف, عقبة كئود على الدوام أمام الوهابية بعد أن اخترعوا مفهوما جديدا للتوحيد, وقد كنت لا أعتزم الكتابة فى ذلك إلا بعد تتبع الوهابية فى مناح عديدة لا تنتهى، لكن كتيبا مطبوعا عن حكم القبر فى المسجد النبوى عاد به عدد من الأصدقاء الذين أدوا فريضة الحج كان دافعا على تبيين التدليس والكذب الذى تحويه كتب الوهابية حول هذا الأمر, ولنستعرض معا أقوال أشهر قادتهم فى المسألة ثم نعلق عليها.

أولا - ابن باز:
يقول «ابن باز» فى إجابته على سؤال حول المسجد النبوى: «هنا شبهة يشبه بها عُبَّاد القبور، وهى: وجود قبر النبى فى مسجده، والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضى الله عنهم لم يدفنوه فى مسجده، وإنما دفنوه فى بيت عائشة رضى الله عنها، فلما وَسَّعَ الوليد بن عبد الملك مسجد النبى فى آخر القرن الأول أدخل الحجرة فى المسجد، وقد أساء فى ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به«. مجموع الفتاوى (5/389,388).

ثانيا - ابن عثيمين:
يقول فى معرض إجابته عن ذات السؤال: «أما قبر النبى صلى الله عليه وسلم الذى شمله المسجد النبوى فمن المعلوم أن مسجد النبى بُنِىَ قبل موته فلم يُبْنَ على القبر، ومن المعلوم أيضا أن النبى لم يدفن فيه، وإنما دفن فى بيته المنفصل عن المسجد، وفى عهد الوليد بن عبد الملك كتب إلى أميره على المدينة وهو عمر بن عبد العزيز فى سنة 88 من الهجرة أن يهدم المسجد النبوى ويضيف إليه حجر زوجات النبى، فجمع عمر وجوه الناس والفقهاء وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين الوليد فشق عليهم ذلك، وقالوا: تَرْكُها على حالها أدعى للعبرة، ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة، كأنه خشى أن يتخذ القبر مسجدا»، الفتاوى (12/292).

ثالثا-الألبانى:
أما إمامهم الألبانى فكان واضحا صريحا لا يتحوط مثل سابقيه, ويكفينا نقل مقاطع مما قاله فى ذلك فى كتابه «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» فيقول: «ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن الملك عفا الله عنه, ولئن كان مضطرا إلى توسيع المسجد, فإنه كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة» تحذير الساجد (87,86).

ثم يقول بعدها ناقلا من كتابه «أحكام الجنائز»: «فالواجب الرجوع بالمسجد النبوى إلى عهده السابق وذلك بالفصل بينه وبين القبر النبوى بحائط» تحذير الساجد (92).
ثم فى الفصل الأخير من الكتاب وبعد أن عدد حرمة وكراهة الصلاة فرضا أو نافلة فى المساجد التى فيها قبور بعمومها, جاء بفصل أخير غاية فى الغرابة والجرأة كعادة الوهابيين، فعنون الفصل بعنوان: «الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوى», وقد يظهر من العنوان أنه سيقدم لأدلة تستثنى مسجد الرسول من تهمة الشرك المزعومة والمنسحبة على كافة المساجد المماثلة فإذا به يرطن كلاما لا يقوله أسوياء النفس والذوق عن كيفية هذا الاستثناء, فيقول: «ثم اعلم أن الحكم السابق يشمل كل المساجد كبيرها وصغيرها قديمها وحديثها لعموم الأدلة فلا يستثنى من ذلك مسجد فيه قبر إلا المسجد النبوى الشريف, لأن له فضيلة خاصة لا توجد فى شىء من المساجد على القبور وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام», ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضا: «ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة», ولغير ذلك من الفضائل فلو قيل بكراهة الصلاة فيه كان معنى ذلك تسويته مع غيره من المساجد ورفع هذه الفضائل عنه وهذا لا يجوز كما هو ظاهر, وهذا المعنى استفدناه من كلام ابن تيمية السابق فى بيان سبب إباحة صلاة ذوات الأسباب فى الأوقات المنهى عنها، فكما أن الصلاة أبيحت فى هذه الأوقات لأن فى المنع منها تضييعا لها بحيث لا يمكن استدراك فضلها لفوات وقتها، فكذلك يقال فى الصلاة فى مسجده صلى الله عليه وسلم». تحذير الساجد ( 178-182).

ولاستبيان ما فى هذه الأقوال من تدليس وعوار ليس بغريب على الوهابيين نستعرض الآتى:
استكمالا لاستغلال الجهل العام فى عقلية المجتمع المسلم يدلس الوهابيون على المسلمين بقولهم إن «أهل العلم أنكروا على الوليد بن عبد الملك دخول القبر فى المسجد», وهذا الكلام تدليس واضح فمن هم أهل العلم الذين أنكروا على الوليد دخول القبر فى المسجد وما هى أسماؤهم وفى أى ثبت أو مرجع وردت هذا الأسماء, ولكن الكذب والتدليس على خلق الله طابع مميز للوهابيين, فلم يرد ولو فى رواية ضعيفة أن فقهاء المدينة أو غيرهم أنكروا ذلك بدعوى الحرمة والشرك, بل لم يرد إنكار من الأساس على هذه التوسعة إلا لأسباب أخرى سنوضحها لاحقا.

ثم يدلس الوهابيون مرة أخرى بقولهم إن هذه التوسعة تمت بعد انقراض - انتهاء - عصر الصحابة بما يُفهم منه أن بقية العلماء والفقهاء فى المدينة سفهاء لا يعلمون من أمر دينهم شيئا ليتركوا أمرا جللا كهذا يحدث, والحقيقة أن هذا كذب من الناحيتين، فالأولى أن عصر الصحابة لم يكن انقرض عند توسعة المسجد عام 88 هـ, بل الحق أن بعض الصحابة كانوا أحياء فى ذلك الوقت مثل «أنس بن مالك» و«أبو الطفيل», وحتى لو لم يكونوا فى المدينة آنذاك فكان الأولى بهم فى أمر يخص بالتوحيد الذى جاء به النبى -على زعم الوهابيين- أن ينكروا هذا على «الوليد» ولو كان جبارا فى الأرض وإلا اتهمنا الصحابة بالخوف والخشية من السيف فى قول الحق وهذا ما لا يمكن تصوره, ولكن الحقيقة أنه لا الصحابة انقرضوا ولا الصحابة اعترضوا، لأن ذلك الوهم بالشرك والبدعة من دخول القبر فى داخل المسجد النبوى لم يكن مطروحا من الأصل فى فهم الصحابة, وكذلك لم يعترض فقهاء المدينة وهم الأئمة الكبار من التابعين لعلمهم أن الأمر لا يخص توحيدا ولا شركا ولا شيئا مما ابتدعه الوهابيون على مسجد النبى لإكمال الحبكة الدرامية لوجودهم على مسرح الأحداث كحراس للتوحيد والعقيدة, أو لعل الصحابة وكبار التابعين افتقدوا فى ذاك الزمان ابن عبد الوهاب وابن باز وابن عثيمين والألبانى ليوضحوا لهم سوء مرد عملهم, وكذلك ليعلموا الصحابة والتابعين الأوائل دينهم الحق، ولمَ لا؟ حيث يعلم الوهابيون حقيقة التوحيد الخالص النقى أفضل بكثير من الصحابة والتابعين.

ولكن مع كثرة التدليس فقد لا يستطيع الوهابيون على الدوام إنكار الحقيقة ففى إجابة «ابن عثيمين» على سائله, وفى معرض إنكاره إدخال القبر فى المسجد أتى بدليل ينقض كلامه دون أن يدرى فقد قال نصا: «فجمع عمر وجوه الناس والفقهاء وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين الوليد فشق عليهم ذلك، وقالوا: تَرْكُها على حالها أدعى للعبرة», وهنا يعترف العثيمين أن «عمر بن عبد العزيز» جمع وجوه الناس والفقهاء, وهم فقهاء المدينة من الأشياخ الكبار العارفين بكل ما يصون التوحيد الحقيقى ولكنهم وحسب نقل العثيمين- أنكروا عليه ليس لشرك أو لبدعة, ولكنهم قالوا إن ترك الحجرات على حالها أدعى للعبرة والتذكير بحياة المصطفى صلى الله عليه وسلم لما فيها من تقشف -اختيارى- وشظف العيش, وهذا الإنكار لا علاقة له بما ادعاه الوهابيون لاحقا أن إدخال القبر فى المسجد حرام, وأن به شبهة الشرك بصاحب القبر.

واستكمالا لمسيرة التغفيل الذى يبثه الوهابيون على العقل المسلم للتشويش على عقيدته السمحة فتجدهم فى ما نقلناه عنهم يقولون« وقد حكى أن سعيد بن المسيب أنكر على عمر بن عبد العزيز التوسعة مخافة أن يتخذ القبر وثنا», والحقيقة بخلاف ذلك, فالذى ورد عند «ابن كثير» وحده لم يكن يتعدى استنتاجا منه لإنكار ورد عن «سعيد بن المسيب», ولم ينقل عن سعيد فقيه المدينة المبجل الصادق إلا نقلا بخلاف ما ادعاه الوهابيون ففى «طبقات» ابن سعد جاء: «أخبرنا محمد بن عمر.. قال عطاء فسمعت سعيد بن المسيب يقول يومئذ والله لوددت أنهم تركوها على حاله ينشأ ناشئ من أهل المدينة ويقدم القادم من الأفق فيرى ما اكتفى به رسول الله فى حياته فيكون ذلك مما يزهد الناس فى التكاثر والتفاخر فيها، يعنى الدنيا» الطبقات (168/8)، وهذا ما يوضح مدى التدليس عند الوهابية والتغافل عن الروايات عامدين, فكما هو واضح مما نقله «ابن سعد» وغيره أن إنكار «سعيد بن المسيب» كان فقط ليرى الناس ما اكتفى به رسول الله فى حياته، مما يكون مدعاة لعدم التفاخر فى الدنيا, وهذا ما يؤكد أن كبير فقهاء المدينة كان لا يرى شركا ولا بدعة فى إدخال قبر الرسول فى مسجده عند التوسعة, كما أن الوهابيين أغفلوا أن «عمر بن عبد العزيز» كان فقهيا عالما آنذاك بعد مرحلة نضوجه وكان دوما متلمسا لسنة النبى، فكيف به يرضى بالبدعة والشرك، بل يشرف بنفسه على الانتهاء من التوسعة.

أما قول ابن باز: «أساء الوليد بن الملك فى ذلك» وقول الألبانى: «ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن عبد الملك», ففى هذا إعجاز جديد من أعاجيز الوهابيين, فنحن نجد الوهابيين على الدوام يرفعون راية الإجماع فى مواجهة أى اجتهاد جديد يقدمه مفكر أو باحث أو عالم, فتجدهم يقولون الحديث الشهير «لا تجتمع أمتى على ضلالة», فطالما اجتمعت الأمة على أمر طوال قرون فهو حق لا شك فيه, فأين ذهب إجماع الأمة الذى يجلدون به كل مخالف, ولكن الوهابيين فى استطاعتهم أن يغيروا القواعد ويبدلوا الحقائق، فعندما يمس الأمر آراءهم المقدسة المنزلة فلا إجماع ولا صحابة ولا تابعين ولا شىء يمنعهم من رمى المسلمين بالبدعة والشرك والجهالة, فأين ذهب دليل إجماع الأمة على دخول القبر فى المسجد النبوى بلا منازع واحد يستند إليه أتباع «ابن عبد الوهاب», فلو قال الوهابيون لا تجتمع الأمة على ضلالة، فإذن فأنتم مخطئون كالعادة - لأن الأمة أجمعت أن دخول قبر الرسول لا علاقة له بالشرك به من دون الله, أما إذا قالوا يجوز أن تجتمع أمة محمد طوال ثلاثة عشر قرنا على ضلالة بل على أمر فيه شرك وبدعة، قلنا لهم إذن فلتخرسوا أصواتكم القبيحة بعد ذلك عن حجية الإجماع.

وبالنظر لكلام شيخهم الألبانى فى كتابه المذكور والذى يطلب صراحة إخراج القبر النبوى خارج المسجد, فيقول كما ذكرنا فى البداية: «فالواجب الرجوع بالمسجد النبوى إلى عهده السابق وذلك بالفصل بينه وبين القبر النبوى بحائط» تحذير الساجد (92), ورغم أن الوهابيين يتمتعون بتسلط وتكبر معهودين فإن ذلك الطلب المجترئ لن يستجاب فيه لأحد وذلك خشية الغضبة الإسلامية العارمة التى يمكن أن تأكل الأخضر واليابس, ففقه الأولويات عند الوهابيين يأمرهم بقاعدة: «الصبر على الشرك أفضل من ضياع الملك»، والمعنى معلوم.

أما الفاجعة الكبرى فهو الكلام الذى أوردناه للألبانى فى ذات الكتاب والذى قال فيه نصا: «فلو قيل بكراهة الصلاة فيه كان معنى ذلك تسويته مع غيره من المساجد ورفع هذه الفضائل عنه وهذا لا يجوز كما هو ظاهر, وهذا المعنى استفدناه من كلام ابن تيمية السابق فى بيان سبب إباحة صلاة ذوات الأسباب فى الأوقات المنهى عنها، فكما أن الصلاة أبيحت فى هذه الأوقات لأن فى المنع منها تضييعا لها بحيث لا يمكن استدراك فضلها لفوات وقتها فكذلك يقال فى الصلاة فى مسجده صلى الله عليه وسلم» تحذير الساجد (182), وهذا الكلام معناه ببساطة أن الصلاة فى مسجد النبى الآن كما الصلاة فى الأوقات المنهى عنها فقط خشية فواتها, اتباعا لقاعدة أن الضرر الأدنى يدفع الضرر الأعلى، فالصلاة فى الوقت المنهى عنه ضرر أقل من فوات الصلاة كلها, وهذا ما يقيسه الألبانى على مسجد الرسول, فالصلاة فيه بشكله الحالى ضرر وبدعة ولكنها أقل من ضرر عدم الانتفاع بخيرات الصلاة فيه لحديثى الرسول: «صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» و: «ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة», هكذا امتلك الوهابيون الجرأة أن يقولوا إن الصلاة فى المسجد النبوى على كراهة أفضل من عدم الصلاة نهائيا, وأن يقولوا إن الحل عندهم أن يطرد القبر النبوى خارج المسجد لتصبح الصلاة فيه صحيحة بلا كراهة، وفى ظنى أننا نستطيع أن نستدل بهذه الأقوال على استدلال هام أن الوهابيين لا يملكون حتى بقايا من العقل, فكما قلت سابقا إن الله لم يضن عليهم بشىء فقد نزع منهم العقل والضمير والذوق والحس، كما نزع منهم الإدراك بأن هذه النعم منزوعة منهم.

ورغم أنى لن أتطرق للدلائل والآثار التى يعتمد عليها الوهابيون فى تحريم وجود القبر فى المساجد عامة ليدمروا عقائد وصلوات وعبادات مئات الملايين من المسلمين فإنه يجدر بنا مناقشة الحديث الذى استدل به شيخهم الألبانى فى النقل السابق وهو قول النبى «ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة» البخارى (1195) مسلم (1390), وهذا الحديث قد ورد بلفظ: «ما بين قبرى ومنبرى» ومن أخرجه بذلك اللفظ منهم: «الرويانى - ابن عبد البر فى الاستيعاب - ابن عساكر فى تاريخ دمشق - ابن أبى شيبة - الخطيب فى تاريخ بغداد - البزار - أحمد - الطبرانى - مالك - أبو نعيم - ابن أبى عاصم -», كل هولاء أخرجوا الحديث بطرق متعددة منها ما هو رجاله ثقات عند البزار وغيره، لكن الوهابيين لم يعجبهم لفظ رواية «ما بين قبرى ومنبرى» فأشاعوا أنها وهم من الرواة أو أنها رواية بالمعنى - أى أن البيت معناه بعد وفاة النبى أصبح القبر لأنه دفن فيه -, ولكن الذى يسترعى الانتباه أن البخارى أخرج الحديث فى باب «فضل ما بين القبر والمنبر» وكذلك أخرجه مسلم فى باب «ما بين القبر والمنبر روض من رياض الجنة», وذلك رغم إخراجهم للرواية بلفظ «ما بين بيتى ومنبرى» وهو ما يستحق التوقف عنده لبيان أن المعنى المستنبط عند البخارى ومسلم وكل الفقهاء الأوائل وعلماء الحديث المتقدمين أنهم لم يروا بأسا بمساواة معنى القبر بمعنى البيت داخل فى المسجد أم غير داخل, وهذا ما يوضح أن الفهم السائد أن روضة الجنة التى أخبر بها النبى على حالها بلا كراهة ولا بدعة ولا شرك بالله, فإذا ساوينا فى المعنى بين القبر والبيت فذلك دلالة على رضاء كل الرواة ومن بعدهم الفقهاء فى زمانهم بدخول القبر فى المسجد بلا حديث عن الشرك المزعوم, وإن كانت الرواية جاءت عن النبى بلفظ «قبرى» وهو ما أخرجه الكثير من المحدثين عن الثقات - كما بينا سابقا -, فإن ذلك لا يدع مجالا للشك فى أن دخول القبر فى المسجد النبوى إنما هو أمر مباح من الشرع كما فهم بذلك كل العقلاء سابقا ولاحقا.

وأخيرا:
فإن مجابهة هذا الأمر الذى يشيعه الوهابيون عن المسجد النبوى ليس دروشة ولا عبادة للقبور, بل هو فى أصل الدعوة العقلانية لاستعادة الوعى الحر للمسلم, فإن اللعب بعقيدة المسلم البسيطة السمحة كان الوتر المحبب لأدعياء التوحيد، وكان كذلك استكمالا من الوهابية للظرف التاريخى لنشوئها واستمراريتها, لذا فإن أحد قضايا التجديد الرئيسية والأساسية هى مواجهة هؤلاء وتعرية تدليسهم على العقل المسلم, لأن التدليس يجرى من ابن آدم الوهابى مجرى الدم, ورغم أننا لم نفصل فى استبيان الأدلة على كذب دعواهم حول قصة الشرك فى أصلها واستبقيناها لمقال منفرد, لكن تبيين عوار أدلتهم وكذبها كان الهدف الأساس لإلقاء الضوء على منهجية دائمة ومستمرة من الزور والتضييق الذى يمارسه هؤلاء من تسلط ووصاية على المجتمع المسلم, فهم دوما «الفرقة الناجية» وبقية الفرق هالكة, وهم باستمرار أصحاب التوحيد وأربابه, والآخرون أدعياء الشرك وقُواده, وقد تجلت فى الوهابيين سيرورة حركة التاريخ فهو يحمل لنا بين ثناياه ذِكرا مشابها عن الخوارج الذين اعتقدوا بذات الفكر مع الصحابة أنفسهم وأخذ متبعو سنن الخوارج السبيل على ذات النهج واستقوا من نفس المعين, وسبحان الله فلكل قوم نسل وأحفاد.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة