أكرم القصاص - علا الشافعي

إسلام بحيرى

إسلام بحيرى يكتب: كتب التراث ليست مقدسة

الأربعاء، 21 مايو 2008 10:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التربية الفكرية الخاطئة التى نشأنا عليها فى أسرنا ومدارسنا ومجتمعاتنا فى التعامل المقدس مع التراث الديني, هى مقدمة سيئة لنتيجة أسوأ نقطف ثمار الحنظل منها الآن. فقد تربينا وشَببنا على قدسية هذه الكتب, والقدسية هنا بمعناها الحرفي, فبعد أن كان التقديس للنص الإلهى، ثم لِما ثبت صحته بنسبة تقترب إلى اليقين من سنن وأقوال النبى الكريم, انسحبت وتخطت هذه القدسية لتعم كل ما كتب ودوِّن إلهيا كان أم بشريا, وأصبحت كتب التراث مقدسات إسلامية محفوظة بحفظ الله... وعليه فإن أى باحث أو عالم أو مفكر ممنوع عليه الاقتراب أو التصوير من هذه الكتب وممنوع عليه الإيماء ولو بالإشارة إلى نقدها, وإذا ما فكر أن يقول للناس من خلال دراسات أكاديمية إن كتب التراث الدينى اكتتبها بشر أمثالنا يأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق وإنها يجوز أن تنزل منزل النقد ككل عمل بشرى وإنها تحتمل القبول والرفض والصدق والكذب والصحة والخطأ والإصابة والزلل, فيا ويله ويا كحل سواد ليله, لذا فإننى عندما شرعت فى كتابة هذا المقال عن المقدسات التراثية المتوهمة ارتأيت أن أدلل عليه بشيء ملموس وواقعى من وحى ردود السادة القراء على المقالين السابقين.

فالسياقات العامة لأغلب الردود كانت تدور حول فكرتين أساس، يتقاطعان ويتداخلان كثيرا مع محور مقالنا عن المقدسات فى حياتنا الدينية, فالفكرة الأولى التى تكررت كثيرا فى ردود القراء كانت تتلخص فى أن هذه الروايات التى ذكرتها فى المقالين لا تؤثر فى أصل الإيمان, وأننا يمكن أن نمر عليها مرور الكرام, أما الفكرة الثانية فسوف أتركها للمقال القادم إن شاء ربي, ونعود للفكرة الأولى، أن هذه الروايات لا تؤثر فى إيماننا, ولا فى صورة النبى الكريم, وأنا أتساءل وعلى فرض أن الروايتين اللتين ناقشتهما فى المقالين السابقين هما الروايتان الوحيدتان المسيئتان للنبى فى طول كتب التراث وعرضها, ومع أن هذا غير صحيح بالمرة إلا إننى سأفترضه معكم وأتساءل لماذا نترك هذه الروايات الفاسدة والمفسدة ثم نمر عليها مرور الكرام؟ لماذا أصبحنا نرتعد جبنا إن أتينا على سيرة الفقهاء والمحدثين وكتاب السير القدامى؟ لماذا لا نقول ونوضح وننقد ونرفض ونقبل ما يعِّن لنا وما يوافق ما أدركته عقولنا وما يتفق مع أفهامنا وزماننا, وقبل ذلك كله ما يتفق مع صحيح القرآن؟ لماذا هذا التقديس المبالغ لكل ما أتى من الأقدمين ؟ فقد صُوِّر لنا أن ما كتبوه ليس رأيهم واجتهادهم البشرى المتوافق مع قدر محاولاتهم وزمانهم.

لقد صُوِّر لنا أن هذه الاجتهادات هى من أصول الدين التى أنزلها الله مع القرآن والسنة, فهل يأتنى أحد بدليل على أن رفض أو قبول البخارى ومسلم وابن حبان وأبو داود والنسائى وكل أصحاب السنن لبعض الأحاديث هو من ثوابت الدين، ألا يحق لنا أن نستدرك عليهم وأن نرفض بعض ما قبلوه وأن نقبل بعض ما رفضوه؟ فهل موافقتهم فى كل شاردة وواردة شرط من شروط دخول الجنة؟ بالتأكيد ليس الأمر كذلك، إذن لماذا يدعو البعض إلى ترك الرواية مقدسةً على حالها بدون وضعها تحت سيف النقد الأكاديمى والعلمى, لماذا نمر عليها كما يريد البعض مرور الكرام؟ أليست هذه الكتب هى المنوطة بتعريف سيدنا محمد النبى الخاتم لأمته وللعالمين؟ فكيف نمر على روايات تشوه بل تدمر صورة النبى التى نجدها فى كتاب الله, وكما قلت سابقا ماذا ننتظر من الرسام الدنماركى الذى أساء للرسول فى رسمه؟ إذا كان ما رسمه قد استوحاه من كُتُب المسلمين أنفسهم.

وهل يظن من يدعوننا إلى المرور على الروايات مرور الكرام أن هاتين الروايتين فقط هما اللتان يحطان من قدر الرسول –حاشاه-؟ فتعالوا أسرد عليكم طائفة بسيطة جدا من حجم الإساءات المخزنة والمعلبة فى كتب التراث المقدسة التى من المفترض أنها تتحدث عن حياة النبى وشمائله وسننه. فهل المطلوب من الباحث المجتهد المنقح أن يمر مرور الكرام على رواية فى البخارى تقول إن النبى الكريم عندما فتر- انقطع- عنه الوحى لفترة طاف برؤوس الجبال يريد أن يتردى- ينتحر- ؟ وهل المطلوب من الباحث أن يمر مرور الكرام على رواية فى كل تفاسير القرآن بلا استثناء, تقول إن النبى- حاشاه- قد ألقى الشيطان على لسانه آيات ليست من القرآن فقرأها وكانت هذه الآيات تمجد فى الآلهة القرشية ثم سجد بعد تلاوتها للأصنام وسجد وراءه كل كفار قريش؟ وهى الواقعة المعروفة فى كتب التفسير بواقعة (الغرانيق)- وبالمناسبة هذه الواقعة كانت هى الوحى والسبب الرئيس والمحرك للكاتب الهندى سلمان رشدى ليكتب كتابه الشهير آيات شيطانية- وهل المطلوب من الباحث أن يمر مرور الكرام على رواية فى البخارى وكافة كتب الحديث عدا كتاب (الموطّأ) للإمام مالك تقول إن اليهود قد سحروا عقل النبى-بافتراض أن هناك شيئا من الأساس اسمه سحر- وإنه كان يتخيل أنه أتى الشيء وهو فى الحقيقة لم يأته بما يعرف الآن فى الطب النفسى بأنه مرض الهلاوس السمعية والبصرية, وأنه استمر –حاشاه- وهو المعصوم على هذه الحال شهورا, وهل المطلوب أن نمر مرور الكرام على رواية فى البخارى أيضا وأغلب كتب الحديث تقول إن اليهود قتلوا النبى بالسم الذى وضعوه له فى الطعام, وهل المطلوب أن نمر مرور الكرام على الروايتين اللتين ذكرتهما سابقا فى مقالى أنه طلق امرأة من زوجها بعد أن أعجبته وتزوجها بلا شهود ولا عقد, وأنه رأى امرأة فاشتهى النساء فذهب وجامع امرأته لكى تهدأ نفسه وأوصى بذلك كحل إسلامى, وهل المطلوب أن نمر مرور الكرام على رواية فى جامع مسلم أن أبوى النبى الكريم فى النار خالدين لأنهما كفار مع أن الله قد قال فى كتابه:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء 15, ثم يقول الله عن أهل مكة:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ }السجدة3, أى أن أبوى النبى ما أتاهما من نذير فلماذا يدخلان النار, والله لا يعذب حتى يبعث رسولا, فهل نصدق الله سبحانه أم نصدق البخارى ومسلم؟ وهل المطلوب أن نمر مرور الكرام على رواية عند مسلم تقول إن الرسول كان سفاكاً للدماء بلا بيِّنة ولا شهود, فعندما أخبره أحد الصحابة أن رجلا يدخل على امرأته –مارية-فأمر علياً بن أبى طالب أن يذهب ليقطع عنقه هكذا دون استبيان ولا دليل ولولا أن الرجل كشف عن عورته وكان مجبوب الذكر- مقطوع عضوه الذكرى- لقُتِلَ الرجل بلا جريرة ولا ذنب ارتكبه, فهل هذا هو عدل رسول الله؟ وهل المطلوب أن نمر مرور الكرام على روايات وما أكثرها تخبرنا أن النبى وهو رجل قارب الستين عاما تزوج طفلة صغيرة ودخل بها وهى فى السادسة من عمرها؟ ولم يكلف أحدهم خاطره أن يدقق فى هذه الرواية التى اشتهرت بين العامة للأسف.

فماذا تبقى من النبى وسيرته؟ إن كان كل ذلك وأكثر مما لا يتسع المكان لذكره فى أخلاقه وطباعه, ماذا تبقى من هذا العظيم الذى دنست كتب التراث المقدسة سيرته العطرة؟
ألم أقل لكم إنها التربية الفكرية والمجتمعية الخاطئة هى التى جعلتنا بهذا الجبن والهوان والدونية فى التعامل مع الكتب المتجمدة من ألف عام وأكثر, وجعلتنا بهذا الضعف والوهن والهزال الشديد فى نقد عمل بشرى مهما علا قدره أو قدر كاتبه, فالحقيقة التى لا تقبل التأويل إن كتب التراث الدينى تفسيرا أو حديثا أو سيرة أو قواعد وحتى كتب المذاهب الفقهية هى محاولة واجتهاد من رجال صوابهم يقع عند الله وخطؤهم يقع علينا, فكتبهم محاولة علمية لا تعدو إلا أن تكون بنت زمانها, ولو أنهم فكروا لنا وقرروا لنا وكتبوا لنا وأملوا علينا آراءهم فماذا تبقى لنا أن نفعله إذن؟ لذا فإن هذا التقديس المتوهم لكتب التراث هو بلا ريب النكبة الحقيقية التى حلت على المسلمين وأضاعتهم وأضاعت معهم ألف عام سدى. فماذا سنقول لله إن سُئِلنا عن عدم إعمال عقولنا فيما نُقِل إلينا من القدامى؟ فليس أمام أمة بهذا القدر من الجمود والتقزُّم والتجلد إلا أن تردد ما سيقوله الكافرون يوم القيامة: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ }الزخرف22.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد

كلامك كتير اختصارة

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة