وديع الصافى فى عيد ميلاده الـ 90 : عيب على السعودية أن ينتج أحد رجال أعمالها أغنية «بوس الواوا» وعيب على لبنان ألا يكون بها أوبرا

الخميس، 14 أكتوبر 2010 07:59 م
وديع الصافى فى عيد ميلاده الـ 90 : عيب على السعودية أن ينتج أحد رجال أعمالها أغنية «بوس الواوا» وعيب على لبنان ألا يكون بها أوبرا وديع الصافى
حاوره فى لبنان - وائل السمرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ مصر عظيمة رغم أنف الكارهين.. ووصيتى لكم هى: أرضك عرضك وطنك شرفك
◄◄أنا دينى «إنسانى» وكنت أدخل إلى المساجد المصرية وأصلى مع صديقى الفنان حسن حامولى وكنت أشعر داخلها بجو جميل من الرهبة والخشوع
◄◄إسرائيل سبب التعصب الدينى فى الدول العربية.. وإيران أهون شرور المنطقة والتعصب للأديان خيانة للأوطان
◄◄ عبد الناصر مات بحسرته وبكيت حينما أذاع خطاب التنحى.. ومبارك عنده ضمير وكتر ألف خيره على صموده وصبره والبابا شنودة من أحب الناس «ع قلبى»


بسيط كالابتسامة، عميق كالقلب، صادق كالمياه الرائقة، سمح كالسماء، صلب كالجبال، معطاء كالأرض الطيبة، وديع، وصاف أيضاً، مثل اسمه تماما، ما أن تراه حتى تشعر كأنك أمام المادة الخام للإنسانية فى رحابتها وسماحتها وحنوها وضعفها وقوتها ومكرها، فى نقائه يتحدى البرد، وفى نصاعته يتحدى خضرة الجبال ومثمرات النخيل، ماكر أيضا لكن مكره مثل الأطفال جميل ومستحب، ومتلون كثمار الفاكهة فى كل أوان ومكان له شكل ولون وطعم ورائحة، أتصلت بأنطوان الصافى ابن الفنان الكبير وديع الصافى وعلى التليفون جاءنى صوت أنطوان حانيا مرحباً، وحينما عرفته بنفسى قال: «عظيمة يا مصر» فاطمأن قلبى وهدأت أعصابى، وقبل أن تخفت فرحتى بـ«عظيمة يا مصر» قال لى باللهجة المصرية: البيت بيتك يا أستاذ وائل تشرف فى أى وقت.

ارتقينا عشرات الأمتار، فوق سطح البحر إلى حيث يسكن «وديع الصافى» فوق أحد جبال لبنان الشهيرة ويا له من مكان «مناسب» لهذه القامة الفنية الكبيرة، التى سنحتفل بعيد ميلادها التسعين فى الأول من نوفمبر فوق الجبال، وأنا أقف فى «طرقة» الدور الرابع حيث يسكن، هممت بالاتصال بأنطوان لأستفسر عن رقم الشقة كى لا أزعج أحدا بالخطأ، ولم أكد أخرج الموبايل من جيبى حتى أتانى صوت الكمان من خلف باب الشقة التى أقف بجورها، فدلتنى النغمات التى تفيض من شقة «وديع الصافى» عليه، تماماً مثلما تدلك رائحة الزهور على الحدائق والبساتين، استقبلنى أنطوان، وأدخلنى إلى البلكون «مسكين يالى ما إلك شقفة بيت بجبال لبنان» هكذا قال أنطوان محرضاً إياى على الذهاب لجبل لبنان، لكنى فى الحقيقة لم أكن لأكترث بتحريضه، فبعد لحظات قليلة جاءنى «لبنان» كله، مرحبا مبتسماً.

لأول مرة منذ مجيئى إلى هذا البلد أشعر أننى أمام «لبنان» الذى كنت أحلم به، هنا يسكن «وديع الصافى» أو بمعنى أدق هنا يسكن «لبنان الصافى» ولأول مرة أيضاً أشعر أننى لست «ضيفاً» ولا «غريباً» جلست «على راحة راحتى» طلبت ما اشتهيت، ومددت يدى لطبق الفاكهة دون أن «يعزم على أحد»، دقيقة واحدة مرت على جلوسى بجانب «عم وديع» ثم غيرت صيغة ندائى له، ناديته بـ«بابا» فلم يستغربها لسانى ولم تستغربها أذناه، وفى الشرفة التى جلسنا بها نسمات هواء رقيقة، لا تعادلها إلا نسمات نهر النيل، شعرت فعلا بأن أنطوان حينما قال لى «البيت بيتك» لم يبالغ، فهنا مزيج فريد بين مصر ولبنان، وهنا نموذج نادر لحالة استثنائية من «الوحدة العربية».

أخبار مصر إيه؟ أرجوكم خلوا بالكوا منها دى بلدى زى ما هى بلدكوا، قلبنا معاكوا فى كل شىء، وربنا يحفظكوا من كل مكروه، فأنتم أحبابنا، هكذا بدأ «بابا وديع» الحوار، فأنقذنى من حيرتى فى اختيار البداية المناسبة، كبر وديع الصافى وأتم عامه التسعين، لكن «القوة الناعمة» فى ملامحه لم تتغير، وجسارة روحه وعنفوان صوته الصادر من القلب لم يؤثر فيهما تقدم العمر أو وطأة المرض، يقضى يومه الهادئ فى الألحان مع العود يقول: لا يمر على يوم أبدا دون أن أعمل، أعزف، ألحن، كله مع العود، ولى معه سجالات وصراعات، وصولات وجولات، وحكايات، ودائما عندى حكايات جديدة وألحان جديدة، لا أكل ولا أمل.
أحفاد وديع الصافى المنتشرون فى البيت كالولدان المخلدين، هم سلوته الأثيرة، وفرحته التى لا تنتهى، يلاعبهم ويداعبهم، ويحتضنهم ويحتضنونه، أقربهم إليه «بشارة» الذى دلنى صوت كمانه الصغير على باب الشقة، يضمه إلى صدره ويقول: هذا ولى العهد، هل رأيت كيف يعزف على الكمان?، شوفت صوابعه الصغيرة كيف بتتحرك؟ هو من اختار آلته، وهم من يعلم نفسه عليها، إحنا وارثين الموسيقى، فى عروقنا تجرى ومن بين مسام جلدنا تفيض، أنطوان ابنى هو خليفتى وبشارة الملك هذا هو ولى العهد وبكرة رح صير أتعلم منه، الله يبعتله أيام حلوة، ويحمينا كلنا بعيونه «اللى على قده».

يمتد الحديث الحميمى مع صوت الجبل الذى قال عنه الفنان محمد عبدالوهاب إنه غير بشرى من حيث إمكانيات الصوت وصفائه ونصاعته، فأقول له: كيف علمتنا أن نحب مصر وأنت غير مصرى؟ فيضحك ويقول: أنا مصرى بشهادة الدولة وشهادة حبيبى شعب مصر، وهذا ما شعر به الرئيس مبارك حينما منحنى الجنسية المصرية، ويحكى «الصافى» عن هذا الموقف قائلاً: أنا أسرع إنسان حصل على الجنسية المصرية، فى خمس دقايق كنت أحمل جواز السفر المصرى، ومازلت أذكر هذا الموقف العزيز على قلبى وكأنه حدث بالأمس، قابلت الرئيس مبارك وقلت له: يا سيادة الرئيس هل يجوز وأنا الذى غنيت «عظيمة يا مصر» أن أقف لأحصل على تأشيرة دخول إلى بلدى؟ فقال: لا طبعاً لا يجوز يا أستاذ وديع، دى الأغنية دى صارت النشيد الشعبى، وأمر سيادته بمنحى الجنسية المصرية التى أفتخر بها وأضعها وساماً على صدرى، ويستطرد الصافى قائلا: لا تستغرب فلمصر عندى مكانة عظيمة ولا أحب بلدا فى العالم خلاف بلدى بقدر ما أحب مصر، فلقد لحنت أغنية عظيمة يا مصر فى عشر دقائق، وذلك لأنها بلدى مثلك تماماً وحبها المتوغل فى قلبى لا يجد حواجز ولا موانع إذا أردت أن أظهره، وأنا فى غاية السعادة منذ أن علمت أن «عظيمة يا مصر» مازالت تغنى فى الأفراح وفى الحفلات الرسمية والشعبية، وهنا يمتلئ الصافى بالانتشاء ويغنى بصوته المتهدج «نيلك ده سكر، جوك معطر، بدرك منور بين الأمم، عظيمة يا مصر، عظيمة يا مصر يا أرض النعم».

ما يقرب من سبعين عاماً مرت على أول زيارة لوديع الصافى إلى القاهرة، لكنه مازال يحتفظ بهذه السنوات كأنها ذكريات معطرة فى خزائن الماضى، ما أن يستخرجها حتى يفوح عبقها راسما على وجهه ابتسامة صادقة، يتذكر: مصر قابلتنى بكل ود وإخاء وحفاوة، وكنت أمشى فيها كأنها بلدى حتى قبل أن أحصل على الجنسية المصرية، وبرغم أنى مسيحى لكننى لم أشعر أبداً بأن شعب مصر يختلف عنى، وكنت قديما أدخل إلى المساجد المصرية وأصلى مع صديقى الفنان حسن حامولى، الذى كان فى كل فترة يقول لى: ما تيجى نخش الجامع نصلى إيه رأيك، فأقول له وماله يلا نصلى، وكان هو أيضاً يدخل معى إلى الكنيسة ويصلى، وبدأ هذا الموضوع فى بادئ الأمر مزحة لكنى كنت أستشعر بجو جميل من الرهبة والخشوع فى المساجد المصرية.

حب مصر عند وديع الصافى «بالجملة» لا يفرق بين أحد من شعب مصر فى المحبة، الجميع أحبابه، وبينه وبين رموز الشعب المصرى صداقات ممتدة، ومن أعز صداقاته إلى قلبه علاقته بالبابا شنودة، فيذكره بكل خير ومحبة ويقول: هذا الرجل من أحب الناس إلى قلبى، وحينما كنت أراه أشعر باطمئنان غريب، وجهه سمح وروحه مرحة، وصبور «صبر أيوب» هو أيوبى فى الصبر، ومتزن وعاقل، بالإضافة إلى أنه فنان وشاعر، الله يعزه ويزيده صحة ومحبة، ووبيننا صداقة روحية كبير، لأنه من أنبل الناس ومن أصدق الناس، نحنا نكبر بيه وبأمثاله، ولذلك لم أشعر بأن بينى وبينه أى حاجز، ولحنت له قصيدة جميلة وغنيتها وسعدت بها، ولا أخفى عليك أننى أشعر بالاطمئنان على مصر كلما رأيت هذا الرجل، وكذلك الرئيس مبارك الذى استطاع بحكمته وصبره واتزانه أن يحافظ على مصر وشعبها من تقلبات الزمن، وأشهد أنه رجل «عنده ضمير» وكتر ألف خيره على صموده وصبره، وإن كان دور مصر قد خف قليلاً الآن فذلك لأن الشعوب بدأت تشعر بشىء من الاستقلال، وشىء من العلم، لكن إلى الآن مصر هى أم الدول العربية، ويجب علينا أن نحترمها ونقدس دورها الرائد، فلولا مصر ما كنا وصلنا إلى أى شىء من تقدم، فهى أمنا ومرجعنا وحضارتنا. فمصر هى التى جمعت يعقوب صنوع وآسيا داغر وأبوخليل القبانى ونجيب الريحانى وجعلت منهم رموزا للفن بعد أن كانوا مغمورين، ولذلك فإن عظمة مصر فى عطائها الذى أرجو من الله ألا يحرمها منه.
لا يفرق «الصافى» فى توزيع المحبة على أى من رؤساء مصر الثلاثة، ناصر والسادات ومبارك، ويذكر للسادات أنه كان يحبه وأن الصداقة جمعت بينهما فى وقت اشتداد المحن على لبنان وقت الحرب الأهلية، كما يذكر له أنه كان بطل العبور ولذلك غنى عظيمة يا مصر، لكن فى حديثه عن جمال عبدالناصر تشعر بأن اللهجة تغيرت وأن وجهه امتلأ بالحماسة والمحبة الحقيقية، فيقول عنه: هذا الرجل من فلتات التاريخ، رجل عبقرى، وأرض العرب «ضيقة عليه» وأحلامه أكبر من الأمة العربية كلها، ومات بحسرته حينما لم يتجاوبوا معه، وامتلأوا منه بالغيرة، بعد أن صار عملاقا ومعبودا فى كل الأوطان العربية، ولا أحد يشكك فى زعامته وفى رجولته ومحبته لبلده «عبدالناصر كان بيعبد مصر» والعرب كانوا عطشى لواحد مثل عبدالناصر، وعلى المستوى الشخصى يتذكر «الصافى» أن ناصر كان من أشد المعجبين به، ومن أشد المتابعين لأعماله، فيقول: الله يرحمه كان يسافر خصيصاً لحضور حفلاتى، وفى إحدى المرات بعد أن حضر حفلاً لفرقة الأنوار التى كنت بطلها، ومن حرصه على رؤيتى اتصل بسفير لبنان وقال له ادعينى لحفل وديع الصافى، برغم أنه لم يكن يحضر حفلات السفارات أبداً، وبعد الحفل سلم على كل أعضاء الفرقة بمن فيهم أنا لكنى كنت «غير شكل» لأنى كنت مازلت بملابس التمثيل، فسأل عنى قائلاً: أستاذ وديع الصافى فين، فقالوا له وديع سلم عليك أول واحد، فنادى على ووقف معى وقال أنت شرفت البلد ورفعت راسنا ثم قال للمطربين المصريين، إيه اللى أنتوا بتغنوه ده فين الأغانى اللى للبلد، شوفوا وديع الصافى بيعمل إيه واعملوا زيه، أحنا فى ثورة يا جماعة غنوا للوطن، وما أن سمعت هذا الكلام حتى حزمت حقائبى وقررت السفر خوفا من مهاجمة الفنانين المصريين لى، لكن أحد أصدقائى طمأننى وقال لى لا تخف، وبالفعل مر الأمر بسلام، وهذا ما أعهده فى مصر العظيمة بلد أم كلثوم وعبدالوهاب والسنباطى وزكريا الأحمد، وبلد الأهرامات والنيل، وسيد درويش وبلد شىء جميل.

سألته ماذا كان شعورك حينما أذاع عبدالناصر خطاب التنحى؟ فقال: الله لا يعودها أيام، فقد بكيت فى هذا اليوم بكاء حاراً، وأغلقت غرفتى على وظللت أبكى لا أدرى كم من الوقت مر على وأنا فى هذه الحال، ووقتها كنت بلبنان، لكنى لا أستبعد أبداً أنى لو كنت بمصر لكنت نزلت إلى الشارع مع المتظاهرين الذين طالبوه بالرجوع عن التنحى، لأنه كان زعيما مقداما، وكان قادرا على توحيد العرب، لكن الآن «شقفوها» حتة هنا وحتة هناك» وبرغم أننا كلنا عرب، واللغة تجمعنا، ولا أقبل إطلاقاً أن يستهين أحد بلغتنا فاللغة لها قدسية، وكلنا عرب سواء كنا متحدين أو متفرقين، مسلمين ومسيحيين، لا شىء اسمه طوائف، كلنا إخوة.
يستعبد «الصافى» أن تصبح مصر مثل لبنان «طوائف» برغم ما يسمعه عن وجود بعض المشكلات مع أطياف المجتمع المصرى وأعراقه المختلفة، وذلك -حسبما يقول- لإن الأخوة المسلمين أغلبية، وكذلك فإن الشعب المصرى مسالم ولا يحب الصراعات، والمواطن المصرى يجب أن يتعصب لبلده، لا لدينه ولا لعرقه، فالأديان لله وحده والله فى قلوبنا جميعا، لكن أن يقتل واحد أخاه فى الوطن باسم الدين فهذا ما لا يقبله عقل، أكثر شىء أكرهه فى الحياة هو التعصب الدينى الأعمى، واعتبره خيانة للوطن، فالوطن له قدسية وعيب أن نعرضه للنزاعات غير العاقلة، وأظن أن المحرض الأول على انتشار روح التعصب الدينى هو إسرائيل، لغرض خبيث فى نفسها، لأنها هى المستفيد الأول من تحزيبنا وتفتيتنا وتشتيتنا، لنصبح شراذم متصارعة يسهل الفتك بها مثلما يحدث الآن فى فلسطين، وأعتقد أن إسرائيل تصلى من أجل أن يزداد الصراع الدينى بين العرب، ونختلف أكثر لأن اختلافاتنا هى التى صنعت إسرائيل، وعيب أن يضحك علينا اليهود والغرب ويستهبلونا ويلهونا بالطائفية، لكنى أعتقد أننا سنفيق من هذه الخلافات الصغيرة ومن هذه الصراعات التافهة بانتشار التعليم وتعميم التحضر، لأن العلم هو الوحيد القادر على حمايتنا من أعدائنا، فنحت ديننا هى وطننا، وكل واحد على دينه الله يعينه، ونحن حينما نتعصب لأدياننا كأنما نستعمر وطننا بأيدينا.

لم يتضايق الصافى من شىء فى حديثنا إلا حينما سألته عن رأيه فى مهاجمى مصر، الذين يدعون أنها صارت «موضة قديمة» أو يصورونها كما لو كانت خائنة وعملية، فيقول: أعوذ بالله من هذا الكلام، وبلا مزايدة على أحد أقول بملء فمى «عظيمة يا مصر» رغم أنف الكارهين، ومصر دائماً هى القمة، وهى الثابتة والكل يتغير، سواء فى السياسة وفى الفكر وفى السياسة، وفى كل شىء، يكفى مصر شرفاً أن بها أوبرا منذ أكثر من مائة وخمسين سنة، ونحن فى لبنان حتى الآن ليس لدينا أوبرا، ينتفض الصافى ويقول: نحن ملوك الأدب والشعر والفن ومع ذلك ليس لدينا أوبرا، عيب على لبنان ألا يكون بها أوبرا، فصوت الحضارة لا يصل إلا إذا كانت عندنا أوبرا، التى تجمع كل فنون الأرض، وأنا عملت كل ما بيدى فعله، لوطنى ولكل الأوطان العربية، لكنى لا أقدر على أن أعمل أوبرا بمفردى، نعم أفنيت عمرى من أجل هذا الوطن، لكن حدود مقدرتى تقف عند هذا الحد، فعمل أوبرا مسؤولية الدولة وليست مسؤولية الفرد، فالفن ليس «أمان يا لا للى ويا لا للى أمان» الفن مدرسة نتعلم فيها حب الحياة، وحضارة للناس، وليس كما هو شائع هذه الأيام، فالموسيقيون الآن ليس لديهم شىء يقولونه سوى «أموت فى دباديبك وموت فى دباديبى» دبايب إيه بس اللى بتتكلموا عنها، الناقص كمان تغنوا للحمار فالحمار هو الآخر عنده حبيبة.

يقطع الصافى كل فترة حديثه ليقول: يا ألف أهلاً وسهلاً، يا أهلاً بيك وبمصر، ويعرف نفسه قائلاً: «أنا كوكتيل، جمعت بين كل الشعوب العربية وصرت مقرب إليهم بفضل الله ومحبته»، ويتذكر بيت شعر يقول: «إن كنت من كل الشعوب مركب فأنت إلى كل الأنام حبيب» ويتحسر على حال الغناء الآن ويقول: للأسف الغناء الآن أصبح هابطاً، وأسمع كل يوم أغانى لا فائدة منها ولا متعة ولا فن، وعيب أن يصير مطربونا بلا أخلاق، ولابد أن يكون بكل دولة رقابة لتفحص الكلام الذى يغنيه المطربون، فعيب على السعودية أن تسمح لأحد رجال أعمالها أغنية تقول «بوس الواوا» أين القيم وأين الأخلاق؟

يعتز «الصافى» بتجربته مع الرحابنية، ويقول اشتغلنا سوا فى أعمال كبيرة، ناجحة لكنى لم أستمر معهم لأنى لست موظفا لديهم، هم كانوا تلاميذى، وأنا ساندتهم وعلمتهم حتى صنعوا تجربة فنية جميلة، ولكل منا تجربته وبصمته فى الفن العربى، وأنا بعد هذا العمر الطويل أشعر بالرضا والفخر لما حققته، فالحمد لله لم أترك شىء إلا وغنيت له، ولم أجعل فى نفسى شىء لم أفعله، غنيت للأرض وللوطن وللفلاحين وللعمال وللعرب ولمصر وللبنان، ومازلت أعمل وألحن ومازلت قادراً على العطاء لعائلتى ولأوطانى.

ينأى «الصافى» بنفسه دائماً عن السياسة ويقول: طول عمرى لم أنتمِ لحزب، ولا أحب السياسة فالسياسة هلاك للفن وللفنان، وأنا «منى حزبى على أى حال» وحينما سألته عن سبب احتفائه بعودة العماد مشيل عون قال: أنا لست منتميا إلى حزبه السياسى، لكنى طول عمرى أعرف أنه من الصادقين والأبطال، ولذلك احتفلت به مثلما أحتفل بأى شىء صادق وجميل وأمين، وأنا بحب كل شخص أمين وصادق حتى لو لم يكن لا لبنانى ولا عربى، أى شخص بيفيد الناس و«آدمى» أنا بحبه، انظر فى كل بلاد العالم ستجد الهواء واحدا والسماء واحدة، والحشرات واحدة والدمعة واحدة والبسمة واحدة، وحينما يكون الإنسان جميلا يجمل ما حوله، مثل قطعة الخميرة الصغيرة التى تخبز عشرات الأرغفة بفضل الله، كذلك هو الإنسان الجميل الذى يشع إنسانية تجده يجمل الكون فيما حوله بفضل الله أيضاً.

الوحدة العربية حلم جميل يتمناه «الصافى» ويقول إنها ضرورة وليست ترفا، وإنها هى الضمانة الوحيدة لبقاء هذه الأمة إن أرادت البقاء، وحينما سألته عن المدى الزمنى الذى يتوقع أن تحدث فيه الوحدة العربية قال: مش ع أيامى ولا ع أيامك، لكنى أتمنى من الله أن أرى هذه الوحدة الحقيقية قبل أن أموت، ووصيتى لكم هى «أرضك عرضك وطنك شرفك».








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة